إعلان

علاء الغطريفي يكتب: الإنسان في تعليقات الفيسبوك.. هل يلد أم يبيض؟!

علاء الغطريفي

علاء الغطريفي يكتب: الإنسان في تعليقات الفيسبوك.. هل يلد أم يبيض؟!

علاء الغطريفي
03:47 م السبت 26 سبتمبر 2020

جميع الآراء المنشورة تعبر فقط عن رأى كاتبها، وليست بالضرورة تعبر عن رأى الموقع

لدينا جميعا تجارب في التفاعل على الفيسبوك، بعضها قد يكون مزعجًا وبعضها الآخر إيجابيًا مليئًا بالتضامن الإنساني أو نشر الخير والمحبة حتى لو كانت افتراضية؛ ففي هذه اللوحة الإلكترونية، نتبادل الأدوار بين الاستقبال والتلقي للمشاركات اليومية، حول الحياة وأنفسنا والعمل والفرح والحزن والقلق والخوف والتضامن والتعاون والاختلاف والضجيج والصراع، وغيرها مما نراه يوميا على التايم لاين، نؤثر فيه ويؤثر فينا ويضعنا جميعا على بوصلة قد تحدد مزاجنا خلال اليوم.

لكن ما يجعلنا دائما حيارى، نبحث عن إجابات، هو السعي المحموم للاختلاف من أجل الخلاف فقط أيًّا كان نوع الرسالة المتضمنة في "البوست"، حتى تلك التي لا يقصد كاتبها غالبا أن يعتمدها الناس دون تفكير، فهى مجرد إضافة ذاتية، مشاركة ما في لحظة ما، عبرت عن شيء ما، مجرد طرح في المجال العام الذي يحيط بشخص الكاتب أو فضائه الإلكتروني المتمثل في الأصدقاء أو المتابعين.

التفاعلية هي "الماجنا كارتا" لعالم التواصل الاجتماعي، وكما يعرفها رافائيلي "التعبير الذي يبديه المستقبل للرسالة الاتصالية ويكون مرتبطا بها ويصل فيها إلى المرسل عبر نفس الوسيلة الاتصالية".

هنا التفاعلية التي تتحرك بها الوسائط الاجتماعية تعبير عن الحتمية التكنولوجية التي نحياها، ودفعتنا إلى تغيير كثير من عاداتنا في التلقي والقراءة والتواصل في الحياة نفسها.

ودفعت إلينا بأنماط تفكير وظواهر ما زال العالم يضع لها تفسيرات وإيضاحات لا تنتهي ومختلفا عليها، فلا يوجد تعريفات نهائية؛ لأن التراكم مستمر ومتدافع، ولن يستطيع العالم في ظل التطور المتسارع أن يدركها، يحاول فقط الاقتراب كي يفهمها.

الاختلاف من أجل الخلاف في التعليق على بوستات الفيسبوك، لا يعني رفضنا فكرة الاختلاف، بل دعوة لنتأمل في نمط التعليقات التي تلاحقنا، فمثلا هناك من يشتبك مع الرسالة نفسها وآخر يشتبك مع الشخص وليس الرسالة، وثالث يراها من باب ضرورة أن تقدم لها شروحا وهوامش لإيضاح فكرتك رغم أن الوسيط لا يحتمل الأمر، ورابع يعلق في شأن آخر لا علاقة له بما تكتب، وخامس وسادس... إلخ.

1

قد تكتب عن الرياضة فيشير أحدهم إلى أنه من الواجب أن تتناول عن مشكلات المجتمع أو أزماته، أو تتجه إلى الجاد من الأمور فيبحث آخر في تعليقه عن ضرورة التوقف عن الحديث الجدي والبحث عما يسلينا، كثرا ما أرى أن عبارة "لكل مقام مقال" حفرية في زمان الفيسبوك.

بالطبع هنا طابع الاتصال هو تبادل المعلومات والآراء بصورة متكافئة نسبيا، وليس الإقناع، فنحن لا نخطب في الجماهير، ولا نسيطر على شاشة لكي نوجه جمهورنا دون مشاركة، علينا أن نحترم خصائص الوسيط، ونلتزم بسماته لكي نتصرف بمعقولية.

الإحساس بالقرب الاجتماعي سمة للتفاعل على الفيسبوك وغيره من وسائط التواصل، ولهذا لا بد أن نعي ما يحرك الناس والجماعات، وبيان أسبابه؛ سواء لاكتشاف الأشخاص والأفكار وتبادل المعلومات والآراء والمراسلة والحصول على الحافز الاجتماعي وتبادل التهاني والتعازي والاهتمامات المشتركة والترويج أو غيره مما تتيحه مواقع التواصل الاجتماعي.

تفاعلنا ينبئ عن شخصياتنا وأسلوب حياتنا وسمات طبقتنا الاجتماعية وأهدافنا ورغباتنا الشخصية والعامة أيضا، إذا كانت هناك أهداف عامة.

هناك أيضا ما هو أهم، هو حاجتنا للإدراك كمؤشر لقياس أدائنا على مواقع التواصل الاجتماعي خصوصا الفيسبوك، أي ميلنا للانشغال بالتفكير والاستخدام، فمنا من يملك رغبة عارمة في الإدراك، هؤلاء يبحثون عن المعلومات بانتظام وكثافة، ويتفاعلون معها، في حين يميل آخرون لديهم حاجة أقل في الإدراك إلى التركيز على مظاهر هامشية للرسالة أو التعليقات، أى بمعنى آخر منصرفون لا يرغبون في التفكير.

في نمط التعليق على بوستات الفيسبوك، صنوف وألوان، تتنوع وتختلف وتتباين من شخص لآخر فيها فهناك من يعتبرها محفزا على الاختلاف، وآخرون يرون بضرورة الاختلاف الاستعراضي أو إثارة الخلاف، وفريق ثالث يرغب في التفاعل المفضي إلي قيمة، ورابع يدرك أن التفكير عقوبة تهدد تصوراته عن الماضي وقناعاته الذاتية.

البوست ليس سردية كبرى أو فصلا فى كتاب.. البوست مجرد رأي أو فكرة تولدت بعد خاطرة فى الواقع.. فلا نحملها ما لا تحتمل ولا نطلب من كاتبها شرحا وتفسيرا أو هوامش للإيضاح ولا نطلب منه الإجابة عن أسئلة وجودية ولا تذكيره بما لم يتضمنه البوست.

البوست عابر، وتفاعل معه سواء بالاختلاف أو التأييد أو حتى الحياد دون جدل أو استدراج لخلاف أو سفسطة، لنجعله نقاشا أو حتى تسلية منضبطة، لدينا جميعا قناعاتنا التى تحركها خلفياتنا الفكرية والثقافية والاجتماعية، فلنحترم الجاد، ونضحك مع الساخر غير المسيء، ونتقبل اختلافنا ونلتزم بالمساحة التى يتيحها وسيط التواصل الاجتماعي.

وسيظل الأمر مفتوحا للنقاش بدون فرض لرأي أو سطوة لأحد، الفضاء رحب يلزمه فقط مدونة سلوك شخصية لكي لا تغرق في الوسيط، بل تقود قاربك فيها بحكمة حتى لا تبتلعك لوحته وتعيش في الفقاعة.

ولعل السؤال المتداول كأحد أغبى الأسئلة على "جوجل": الإنسان يلد أم يبيض؟ يمكن أن يفسر كثيرا مما نراه على الخط الزمني لمواقع التواصل، فهناك فارق كبير بين الولادة للأفكار ووضع البيض افتراضيا.

في رواية ابنة الحظ لإيزابيل الليندي، "تاو تشين" الصيني الذى رافق البطلة حتى النهاية، كان يخاف أن يذهب إلى العالم الجديد "أمريكا" فتتوه روحه إذا فارق الحياة، ولا تستطيع العودة إلى مسقط رأسه حسب الأسطورة الصينية القديمة، بعضنا ذهب للافتراضية وانفلت زمام نفسه، وتاهت روحه، ولا تجد طريقا للعودة مثلما كان يخشى تاو تشين!

إعلان