- إختر إسم الكاتب
- محمد مكاوي
- علاء الغطريفي
- كريم رمزي
- بسمة السباعي
- مجدي الجلاد
- د. جمال عبد الجواد
- محمد جاد
- د. هشام عطية عبد المقصود
- ميلاد زكريا
- فريد إدوار
- د. أحمد عبدالعال عمر
- د. إيمان رجب
- أمينة خيري
- أحمد الشمسي
- د. عبد الهادى محمد عبد الهادى
- أشرف جهاد
- ياسر الزيات
- كريم سعيد
- محمد مهدي حسين
- محمد جمعة
- أحمد جبريل
- د. عبد المنعم المشاط
- عبد الرحمن شلبي
- د. سعيد اللاوندى
- بهاء حجازي
- د. ياسر ثابت
- د. عمار علي حسن
- عصام بدوى
- عادل نعمان
- علاء المطيري
- د. عبد الخالق فاروق
- خيري حسن
- مجدي الحفناوي
- د. براءة جاسم
- عصام فاروق
- د. غادة موسى
- أحمد عبدالرؤوف
- د. أمل الجمل
- خليل العوامي
- د. إبراهيم مجدي
- عبدالله حسن
- محمد الصباغ
- د. معتز بالله عبد الفتاح
- محمد كمال
- حسام زايد
- محمود الورداني
- أحمد الجزار
- د. سامر يوسف
- محمد سمير فريد
- لميس الحديدي
- حسين عبد القادر
- د.محمد فتحي
- ريهام فؤاد الحداد
- د. طارق عباس
- جمال طه
- د.سامي عبد العزيز
- إيناس عثمان
- د. صباح الحكيم
- أحمد الشيخ *
- محمد حنفي نصر
- أحمد الشيخ
- ضياء مصطفى
- عبدالله حسن
- د. محمد عبد الباسط عيد
- بشير حسن
- سارة فوزي
- عمرو المنير
- سامية عايش
- د. إياد حرفوش
- أسامة عبد الفتاح
- نبيل عمر
- مديحة عاشور
- محمد مصطفى
- د. هاني نسيره
- تامر المهدي
- إبراهيم علي
- أسامة عبد الفتاح
- محمود رضوان
جميع الآراء المنشورة تعبر فقط عن رأى كاتبها، وليست بالضرورة تعبر عن رأى الموقع
إهــــداء
إلى روح أستاذ الأجيال/ د. حامـــد عمار
مقدمة:
منذ أن نجح الإنسان القديم في اختراع حروف الكتابة وعلامات العد والحساب، والحضارة الإنسانية تشهد تطورات وقفزات متكررة في مجال المعرفة وتحسين شروط الحياة يوماً بعد آخر.
وبفضل هذا التطور المعرفي للإنسان، نشأت المحاولات الأولى للتفلسف كما نشطت الدعوات الدينية في مناطق الحضارات الكبرى، أو ما كان يطلق عليها لدى علماء الحضارات والأنثروبولوجيا "بالمثلث الحضاري الذهبي" الذى يمتد بقاعدته من مصر وسواحل الشام مروراً ببلاد الرافدين وانتهاءً بالهند والصين.
ولأن التعليم يجرى بين أطفال في سن التشكل والتكوين، ولأنه يجرى وسط بيئة اجتماعية وسياسية وحضارية معينة، فلم يكن أبداً محايداً أو مقطوع الصلة بسياقه الاجتماعي، وطبيعة توزيع الثروة والنفوذ في بيئته، وهكذا تأثر التعليم في مضامينه وأهدافه بهذه البيئة الاجتماعية المحيطة، كما أثر فيها عبر عملية تفاعل معقدة ومركبة وفريدة.
وكما نرى ونعيش في عالمنا المعاصر، بكل سماته المعرفية وثوراته الاتصالية وفضائه المفتوح على كل الأجواء والثقافات، فإن التعليم بدوره الذى كان في الأساس قاعدة بناء كل هذا النسق الحضاري الجديد هو أيضاَ محلاً للمفعول به، من أطراف هنا وهناك.
وهذه الدراسة محاولة لرصد التغيرات التي طرأت على بعض جوانب التعليم في مصر خلال القرن الماضي، متأثرة بطبيعة التغيرات التي جرت في التركيبة الاجتماعية والتوجهات السياسية في المجتمع والدولة المصرية خلال فترات تاريخية مميزة وحاسمة، في محاولة للتعرف ليس على التغير في مضامين التعليم ذاته فحسب ، وإنما في طبيعة القوى الاجتماعية والطبقية التي تدفع به في هذا الاتجاه أو ذاك ، وتداعيات هذا الدفع على إعادة فرز اجتماعي واسع النطاق، ودرجة تأثيرها مستقبلاً على الحراك والتفاعل السياسي والثقافي في المجتمع المصري، سواء في تصاعد وتيرة الصراع والتناقض أو العكس.
نحن هنا وفى هذه المرحلة الجديدة إزاء ملامح مختلفة تماماً لمسار حركة قطاع التعليم في مصر، تختلف تماماً عما قبلها وقد تعادى ما بعدها.
أولا: نشأة وتطور نظام التعليم في مصر (1805– 1974)
تؤكد المصادر التاريخية أن مصر لم تعرف النظام التعليمي بالمعنى الحديث، إلا بعد عام 1805 حينما تولى "محمد على باشا" حكم البلاد، وقبلها لقرون طويلة سابقة كان التعليم أقرب إلى حلقة دراسية بين الأستاذ الذى هو غالباً الكاهن أو الفيلسوف- وتلامذته الذين كانوا بدورهم من أبناء طبقة رجال الدولة والحكم والإدارة (1).
وهكذا تحددت ملامح النظام التعليمي القديم الذي ارتبط أساساً بطبقة الملاك والحكام من ناحية مضمونة الاجتماعي، وبنمط ديني وفلسفي من ناحية أهدافه ومحتواه وفلسفته (2).
ولم يختلف الأمر كثيراً في العصر الوسيط، وفترة انتشار الديانة المسيحية حيث تحلق التلاميذ بالكنائس لتلقى علوم الديانة المسيحية وبعض العلوم الطبية وغيرها (3) ، وكانت أول مدرسة مسيحية تلك التي أنشأها بمدينة الإسكندرية القديس "مار مرقص" عام 58 ميلادية.
كما لم يختلف الأمر كثيراً بعد دخول المسلمين بقيادة "عمرو بن العاص" لمصر عام 641 ميلادية (30 هجرية) ، فأنشئت أول مدرسة إسلامية لتعليم القرآن وفروض الإسلام بمدينة الفسطاط (مصر القديمة حالياً) ، وإن كان البعض يؤرخ للمدارس الإسلامية منذ عام 1156 ميلادية (المقابل لعام 546 هجرية)، حينما أنشأ الوزير "ابن السلاء" مدرسته، وتبعه من بعده الوزير "بهاء الدين على بن محمد" عام 1265 ميلادية، المقابل لعام 654 هجرية، والتي أطلق عليها المدرسة "الصباحية البهائية" ثم جاءت مدرسة الظاهر بيبرس عام 1270 ميلادية، المقابل لعام 660 هجرية.
وعندما أنشأ القائد الفاطمي جوهر الدين الصقلي الجامع الأزهر عام 972 ميلادية (الموافق 361 هجرية) ظل المسجد لسنوات طويلة مجرد مكان للعبادة والصلاة، وشيئاً فشيء تحول على يد الوزير الفاطمي (ابن كلس) إلى معهد للدراسة والعلم بجانب كونه مكاناً للعبادة ، وبهذا أصبحت جامعة الأزهر من أقدم الجامعات في العالم، حيث كانت أولى الجامعات التي أنشئت في أوروبا هي جامعة بولونا في القرن الحادي عشر، ثم جامعة أكسفورد في إنجلترا في القرن الثاني عشر، وجامعة نابولي بإيطاليا في نفس القرن، ثم نشأت جامعة "سلمانيكا" في إسبانيا وجامعة باريس في القرن الثالث عشر، وأن ظل العلم في جامعة الأزهر قاصرا على العلوم الشرعية والدينية المرتبط بالعقيدة الإسلامية ومذاهبها المختلفة.
وتعكس نظرة عالم العمران العربي الشهير "عبدالرحمن بن خلدون" (1332- 1406م) الموافق (732- 808 هجرية)، وترتيبه للعلوم من حيث أهميتها، المفهوم السائد بين العرب والمسلمين في ذلك الحين حيث تأتى في المقدمة العلوم الشرعية والدينية ، تليها العلوم الفلسفية، ثم العلوم الطبيعية مثل الكيمياء والفيزياء والهندسة والحساب، وأخيراً تأتى العلوم المساعدة للعلوم الفلسفية وفى مقدمتها علم المنطق. (4)
إذن في الجوهر ظل التعليم في مصر لقرون طويلة يدور حول العلوم الدينية- الإسلامية أو المسيحية أو اليهودية- من حيث المحتوى والمضمون، ولأبناء القادرين من أبناء التجار والحكم والإدارة، وارتبط أكثر من حيث المكان بالمساجد والكنائس والمعابد ، ثم بالمبادرات لأهل الخير لإنشاء "الكتاتيب" وهي مكان محدود مخصص لتعليم وتحفيظ الأولاد والبنات القراءة والقرآن الكريم ، مقابل مبلغ محدد أو حصة من المحاصيل أو الأغذية لصاحب الكتَاب وعادة لا يزيد عدد التلاميذ الملتحقين بالكتَاب على 20 تليمذاً، وكذلك فعل أصحاب الوقف الإسلامى أو المسيحى.
1) تجربة محمد على والنظام التعليمي المدني الحديث:
وبقدوم الحملة الفرنسية بقيادة "نابليون بونابرت" إلى مصر والشام في عام 1798 اصطدمت هذه البيئة العربية والإسلامية التقليدية والمتسمة بالجمود بتحدٍ حضاري شديد العنف، فكشف لدى أبناء الشرق ورجال الدين والحكم فيه عن مقدار التخلف الذي يعيشون فيه، وهكذا جاء التفاف الشعب المصري حول ذلك الضابط الألباني الطموح "محمد على" لإخراجهم من هذه المحنة الحضارية.
وقد استدعت طموحات الرجل ومشروعه ضرورة إقامة بنية صناعية وعسكرية حديثة، ومن ثم أهمية وجود نظام تعليمي مدنى حديث، فأرسلت البعثات العلمية إلى أوروبا- وخصوصاً فرنسا- وتأسست عشرات المدارس من أبرزها مدرسة المهندسخانة (1816) ، والمدرسة الحربية بأسوان ( 1820)، ومدرسة السواري (1821) ومدرسة المدفعية (1821)، ومدرسة الزراعة (1823)، ومدرسة أركان حرب (1825) ثم مدرسة الطب (1827)، ومدرسة الصيدلة (1829)، ومدرسة المعادن (1834)، ومدرسة المحاسبين (1837) ومدرسة الطب البيطري عام (1838).
وبإدخال العلوم الحديثة إلى النظام التعليمي المصري استدعى الأمر إنشاء لجنة شورى المدارس (1836) وديوان المدارس (1837) الذي أصبح فيما بعد نظارة المعارف، وقد بلغ عدد المدارس التي أنشأتها الدولة في عهد محمد على حوالى 1500 مدرسة، وأصبح تمويل التعليم جزءاً من النشاط المالي للدولة، وهكذا نشأ بالضرورة قطاعان تعليميان غير متكاملين هما:
■ نظام التعليم الديني والأهلي المتمثل في الكتاتيب.
■ النظام التعليمي المدني الحديث.
وقد أدى انهيار تجربة محمد على النهضوية، وفرض القوى الاستعمارية القائمة وقتئذ (إنجلترا وفرنسا والدولة العثمانية) شروط معاهدة "بالمة آطة" عام 1838، ثم الشروط القاسية لمعاهدة "لنـدن" عام 1840- أدى إلى انهيار النظام التعليمي المدني الحديث، وقام "الخديوى محمد سعيد" و "الخديو عباس كامل" خلفاء محمد على باشا، بإغلاق المئات من هذه المدارس، فانخفض عددها من 1500 مدرسة عام 1838 إلى حوالى 114 مدرسة عام 1860 (5)
ويلفت النظر أن هذه الفترة من هبوط وانهيار مشروع محمد على باشا هي نفسها التي شهدت زخماً في نشاط الإرساليات الكنسية الإنجيلية (البريطانـية تحديداً)، وبداية إنشاء أول مدرستين في القاهرة عام 1833 تتبع مباشرة لتلك الإرساليات الإنجيلية، ومن بعدها بدأ زحف واسع النطاق للأنشطة الكنسية والإرساليات الأجنبية والذى انتهى باحتلال مصر عام 1882 (6).
وبرغم المحاولة الجادة من جانب الخديو إسماعيل (1863 – 1878) لنفخ الروح في مشروع التحديث وبناء عشرات المدارس الحديثة التي بلغ عددها عام 1875 حوالى 4500 مدرسة، وتأسيس أول مدرسة لتعليم البنات (المدرسة السنية) (7)، فإن استغراقه في الديون، وغياب مفهوم الفصل بين جيب الخديو الخاص وخزنة الدولة قد أديا به إلى العزل، وأودى بمصر إلى الاحتلال البريطاني عام 1882، ومعه انهار مرة أخرى النظام التعليمي المدني الحديث، ولم يبق للمصريين البسطاء سوى "الكُتًاتيب"، أما أبناء طبقة الملاك فقد نجحوا في إرسال أبنائهم للتعلم في أوروبا.
وتكشف مذكرات سعد باشا زغلول- ناظر المعارف- عام 1907 مقدار تواضع البنية التعليمية المصرية واعتمادها على الكتاتيب، وتدنى مستوى المعلمين والمدرسين المصريين في ذلك الحين (8).
ووفقاً لتقرير المندوب السامي البريطاني لمصر عام 1908 (المستر جورست) عن الإدارة المالية والحالة العمومية في مصر والسودان في ذلك العام نكتشف الحقائق التالية:
1- إن عدد الكتاتيب في مصر قد بلغ عام 1898 حوالي عشرة آلاف كتاب تضم حوالي 200 ألف طفل (معظمهم طبعاً من الذكور)، ولكن حال هذه الكتاتيب كانت سيئة جداً بحيث لم يكن لها قيمة تعليمية، فهي بلا قيد ولا نظام، ويتولى إدارتها غالباً أناس بسطاء، يكادون يكونون أميين، وتقتصر على مجرد تحفيظ آيات القرآن.
2- وضعت نظارة المعارف نظاماً لإعانات مالية لهذه الكتًاتيب منذ عام 1897 حتى تصبح تحت رقابة وإشراف الحكومة.
3- ولهذا زاد عدد الكتًاتيب التي تتلقى إعانة مالية من الحكومة من 301 كُتَابا عام 1898 (منها 110 كتَاتيب تنال إعانة سنوية قدرها 500 جنيه مصري)، وكان مجموع تلامذتها 700 ولد و600 فتاة، وفى عام 1908 زاد عدد هذه الكتًاتيب المعانة إلى 3679 كُتَاباً (منها 2949 كتاب تحصل على 20ألف جنيه سنوياً) وعدد تلامذتها حوالي 174 ألفاً منهم 14 ألف فتاة.
4- كما كان المعلمين في هذه الكتاتيب يتلقون دروساً مرتين أسبوعياً في فنون التعليم وغيرها.
5- كما أن النظارة تدير مباشرة 144 كُتَاب يتولى ديوان الأوقاف نفقاتها، ويعمل بها 353 معلماً، و52 معلمة، وتضم حوالى 12369 تلميذاً (منهم 3563 فتاة).
6- يضم كل كُتَاب من هذه الكتَاتيب التي تشرف عليها النظارة 145 تلميذاً.
7- وكانت أمراض الرمد منتشرة بنسبة 90% بين هؤلاء التلاميذ عام 1898 فإذا بها- من جراء الفحص الدوري مرتين أسبوعياً- تنخفض إلى 70% فقط من التلاميذ.
8- وقد جرت عملية تنشيط لحركة إنشاء الكتاتيب وتجديدها من ذوى البر والمحسنين، وبلغ ما تبرع به هؤلاء 90 ألف جنيه، ومجموع ما أوقفه المتبرعون على هذه الكتاتيب 1222 فداناً من الأطيان الزراعية، فقيمة ما تبرعوا به من مال وأطيان تعادل 160 ألف جنيه تحقق ريعا سنويا قدره 9 آلاف جنيه مصريا.
9- أما المصروفات الحكومية المصرية على الكتَاتيب والتعليم، فقد زادت من 2933 جنيهاً مصرياً عام 1898، إلى 69 ألف جنيه عام 1909 هذا بخلاف مصروفات إنشاء المباني الجديدة.
10- وخلال هذه الفترة (1898- 1909) زاد عدد كتَاتيب الحكومة من 55 كُتَاباً (تضم 2933 تلميذاً)، إلى 144 كُتَاباً (تضم 12369 تلميذاً)، وزاد عدد الكتَاتيب الأهلية التي تحت المراقبة لنيل الإعانات الحكومية من 301 كُتَاب (تضم 7536 تليمذاً) إلى 3679 كُتَاباً (تضم 174542 تليمذاً) (بمتوسط 47.5 تلميذ لكل كُتَاب).
11- وأنشئ كذلك 4 مدارس لتدريب المعلمين، ومدرسة لتدريب المعلمات تضم (373 رجلاً و60 سيدة) وأنشئت فرق تعلم مرتين في الأسبوع لتحسين حال المعلمين في 35 مركزاً من مراكز التعليم في القاهرة والمديريات يتعلم فيها 2355 معلماً.
12- وزيد عدد المفتشين من خمسة وكلاء مفتشين إلى 36 وكيلا مفتشا خلال نفس الفترة. (9)
************
إذن، هذه هي صورة الوضع التعليمي في مصر عشية بداية الحملة لإنشاء جامعة أهلية مصرية عام (1908)، 200 ألف تلميذ ينخرطون في عشرة آلاف كُتًاب (بمتوسط 20 تلميذاً لكل كُتًاب)، لا يتعلمون سوى حروف الأبجدية وحفظ آيات القرآن الكريم، ولولا دعم ومساندة أهل الخير ودعم الحكومة لحوالي ثُلث هذه الكتاتيب ما كان لها أن تستمر.
والسؤال: هل تحسن هذا الوضع البائس، بعد مرور أكثر من خمسة وثلاثين عاماً (عشية إصدار حكومة الوفد عام 42/1943) القانون رقم (46) باعتماد المجانية في التعليم الابتدائي الذي لم يكن عدد طلابه يزيد على 40 ألفًا؟!
إعلان