مقامرون حول طاولة الوطن

بقلم – أحمد نصرة:

المتابع بعمق للحالة المصرية في أعقاب ثورة 30 يونيو، لن يجد أمامه سوى مجموعة من المشاهد شديدة الغرابة والتعقيد، فالصراع الحالي في ظاهره هو صراع ينحصر بين طرفين أساسيين ،الإسلام السياسي من جهة في مواجهة المؤسسة العسكرية والقوى المدنية من جهة أخرى، ولكن الواقع يؤكد أن هناك صراعاً آخر خلف الستار ،أطرافه عديدة وأوراقه متشابكة،هو أشبه بحرب باردة تمارس فيه الضغوط في ظل حرص كل طرف على عدم تصعيد الصراع إلى السطح على الأقل في الوقت الحالي.

بالتدقيق في المشاهد الموجودة حالياً، سنجد أنه من الخطأ البالغ تحليلها من زاويتها الخارجية فقط ، فكل مشهد له وجه آخر يمكن قراءته من خلاله وما يظهر على أنه سلاح أو ورقة ضغط لطرف ما، ربما كان يحمل في باطنه جانباً من الفائدة أو القوة لصالح طرف آخر أو أكثر.

على سبيل المثال، فالحشود المتواجدة برابعة العدوية ورغم ما تمثله من ضيق للقوى المدنية التي تريد حسم معركتها تماماً خشية حدوث تحول مفاجيء في مجرى الأحداث ، فهذه الحشود هي في حد ذاتها أكبر ضامن لبقاء هذه القوى متوحدة ،وهي التي لم تكن لتتوحد سوى لتواجد عدو مشترك أثبتت التجربة استحالة هزيمته في ظل ما كانت عليه من صراع وتشرذم ،ولكن ما أن يختفي هذا العدو ستعود الخلافات بشدة بل وربما بشكل أكبر مما كانت عليه فالأمر سيتعلق حينئذ بمغانم توزع .

المؤسسة العسكرية هي الأخرى ، رغم ما تشكله تلك الحشود من قلق بالغ لها على الصعيدين الداخلي والخارجي، فلا يخفى على قادتها ما تلعبه هذه الحشود من دور غاية في الأهمية يصب بالتأكيد في صالحها.

ففي هذه المرحلة، لا يستطيع الجيش الاستغناء عن التيارات المدنية التي تمثل له الغطاء الشرعي أمام العالم لما قام به من عزل لمرسي ، ولكنه في نفس الوقت لا يستطيع أن يأمن مكر هذه التيارات ولا يخفى عليه رغبتها الأكيدة في إبعاده وتقليم أظافره وتهميش دوره تماماً ،لذلك فهو يستخدم الإسلاميين كوحش مقيد بأغلال يرهب به الآخرين دون أن يطلقه من يده .

ففي ظل الظروف العادية لم يكن ليمر الإعلان الدستوري بهذا الشكل الخالي من الصدام- اللهم بعض الاعتراضات الشكلية المستأنسة- لولا فزاعة الرابضين برابعة العدوية ، نفس الأمر بالنسبة للدستور المعطل والقبول بتعديله بدلاً من تغييره برمته بما يحقق رغبة الجيش وهدفه في الحفاظ على مكتسباته من دستور الأخوان خصوصاً ما يتعلق بالوضع المالي وأشكال الرقابة المالية على تلك المؤسسة.

وإذا ما انتقلنا للمتواجدين برابعة ،فسنجدهم وبرغم حنقهم الشديد على القوى المدنية، والتي استطاعت قلب الطاولة على رؤوسهم في سيناريو لم يتوقعه أكثر المتشائمين ، إلا أن قادتهم يدركون حق الإدراك أن في استمرار هذه القوى بفاعلية على الساحة ضمان لبقاء الإسلام السياسي وحماية له من بطش المؤسسة العسكرية ،التي لن تتوانى عن إعادة أصحابه إلى حالتهم ما قبل 25 يناير إذا ما دانت لها السيطرة وانفردت بمقاليد الأمور.

فالوضع الأمثل للإسلاميين أن يظل التيار المدني والجيش كلاهما في وضعية التجاذب دون أن تحسم المعركة لصالح أي منهما ،ففي هذه الحالة فقط يستطيع ان يلتقط أنفاسه ويلملم اوراقه أملاً في عودة قريبة .

باختصار شديد إن الحالة المصرية الآن قد باتت أشبه بطاولة قمار يجلس عليها ثلاثة لاعبون يحاول كل منهم أن يجعل الطرفين الآخرين خاسرين دون أن يفلس أي منهما ذلك أن خروج أحدهما يترتب عليه إنهاء اللعبة مبكراً وربما خسارته هو الآخر.

على نفس الطاولة، يجلس طرفاً رابعاً تستطيع تمييزه بلحيته الكثيفة، لايشارك في اللعبة ولكنه يحاول اللعب على الجميع، فتارة يكشف أوراق هذا، وتارة يغمز لذاك، طمعاً في اقتسام الارباح مع الفائز أياً كان من هو.

وعلى أريكة خلفية تستطيع أن تلمح أحد الخاسرين في وقت سابق وقد استطاع استعادة بعض من إمكانيته السابقة بما يؤهله للعب مرة أخرى، ويبدو في حالة تحفز شديدة انتظاراً لإفلاس أياً ممن على الطاولة ليحتل مكانه في اللعبة .