إعلان

يُخرجون الفرحة من قلب الدمار.. نجوم غزة للسيرك حاضرون بعد العدوان

11:53 م الخميس 10 يونيو 2021

كتبت-إشراق أحمد:

بينما ينشغل أهالي غزة بالنجاة من الصواريخ الإسرائيلية طيلة 11 يومًا، كان ماجد المسلمي ورفاقه يجهزون برامجهم وأدواتهم للحظة توقف القصف، ينشغلون بيوم يخرجون فيه إلى المناطق المدمرة لتقديم الدعم النفسي للأطفال، يتهيأون لإدخال السرور على قلوب صغيرة زلزلتها الطائرات الحربية وأصابتها بسوء لا يمر سريعًا. هذا دورهم الذي ارتضوه بعد حرب عام 2014، ولأجله تأسست "مدرسة نجوم غزة للسيرك".

في العشرين من مايو المنصرف، دخل اتفاق وقف إطلاق النار حيز التنفيذ بوساطة مصرية. ود المسلمي وسبعة من زملائه أن ينطلقوا في شوارع غزة لكنهم تمهلوا؛ ما كان لهم أن يرتدوا ملابس المهرجين ويقيمون الألعاب ويطلقون الأغاني ومازالت بيوت غزة تودع 254 شهيدًا -حسب آخر إحصاء لوزارة الصحة الفلسطينية-، فيما يبحث أخرون عن أبناء لهم تحت الأنقاض.

فضل المسلمي ورفاقه الانتظار، يعلم الشاب العشريني صعوبة الرجوع للحياة العادية بعد الحرب إلا بعد سنوات وعلاج نفسي، لكن أهالي القطاع المحاصر غير "أحنا شعب بيحب الحياة. على طول بيدارك المساويء والأزمات اللي بيمرق فيها ويعيش".

1

بأزياء مهرجين، ألعاب خفة، واستعراضات حركية، توجه المسلمي وفريق "نجوم غزة للسيرك" إلى المناطق المدمرة، دخلوا مدارس الإيواء التابعة لوكالة غوث اللاجئين "أونروا"، التي احتمى بها أهالي غزة ممن فقدوا بيوتهم في القصف الأخير، التقوا الصغار وذويهم. أطلقوا المرح في الأرجاء بفقرات متتابعة بما يشبه حفل يقدمه المسلمي.

يخفف المسلمي و"نجوم غزة للسيرك" على الأطفال، وتحظى نفوسهم بنصيب من الدعم حين ترتسم الابتسامات على وجوه جمهورهم الصغير، لكن جولاتهم هذه المرة شهدت شيئًا مختلفًا "اتفاجئنا بردود فعل الكبار اللي كانوا يجيوا على العرض. كانوا يتفاعلوا معانا زي الصغار"، يبتسم المسلمي حين يذكر لمصراوي أن كثيرًا ما سمعوا من بالغين تتجاوز أعمارهم الأربعين تعليقات مثل "أنا كمان بدي أشارك، بدي ألعب".

لم يسبق أن شاهد المسلمي رد فعل مماثل للكبار، حينما بدأت الفرقة وكانت مبادرة لهواة من المهرجين يقدمون أنشطة حركية وترفيهية لإسعاد الأطفال بعد حرب 2014، ما وجدوا إقبال من الأهالي "كانت شيء جديد بالنسبة لهم لكن حب الأطفال إلنا زاد قناعة أهاليهم أن ما نقدمه شيء حلو"، يتذكر الشاب العشريني انتظار الصغار لعروضهم، وفرحتهم عند قدومهم مرة أخرى.

2

كبر صيت "نجوم غزة للسيرك"، من مبادرة تجمع الأصدقاء إلى فرقة كيانها 25 شخصًا "صرنا نقدم ألعاب خفة وجمباز وألعاب سيرك"، لم يكن هناك وجود لأدوات السيرك في غزة بإمكاناتهم البسيطة، تكفل المسلمي ورفاقه بصناعتها بأيديهم. خطوة تلو الآخرى وأقبل عليهم شباب وصغار يريدون تعلم المهارات والعروض التي يقدموها، فأصبح في غزة مدرسة لتعليم فنون السيرك.

توسع نشاط الفرقة القائمة في الأساس للتخفيف على الأطفال "وكبر همنا كمان أننا لازم نوصل لأكبر عدد ممكن مقابل الإمكانيات الضعيفة جدًا الموجودة". لم يستسلم المسلمي ورفاقه، حاولوا البحث عن دعم حتى استطاعوا أن يدخلوا فقرات للحيوانات وهو شيء غير مسبوق في غزة المحاصرة، كما حصلوا قبل عام على خيمة قيد انتظار التجهيز لتضم فرحة الصغار، وتكون أول سيرك في القطاع المحاصر.

3

في مثل هذه الأوقات يستشعر المسلمي دوره، يذكر كيف بدأ حبه لفنون الترفية والسيرك، حينما انضم عام 2007 وهو صغير لجميعة تقيم معسكرات للأطفال في الصيف، انجذب لتلك العروض ومساعدة الشباب الأكبر منه في التعامل مع الصغار، تعلق بهم حتى لفت أنظار من حوله "صار الكل يحكي لي عندك قدرات حلوة في الترفية عن الأطفال"، لازمه التشجيع حتى أنه انضم لفرقة الدعم النفسي للصغار بعد حرب 2014 وهو في المرحلة الثانوية، ورغم دراسته للإقتصاد إلا أنه غادره وتفرغ للعمل في مؤسسة للطفولة بجانب عمله التطوعي في مدرسة نجوم غزة للسيرك.

15 عامًا شهدت فيها غزة 4 حروب، آخرها 11 يومًا من القصف الذي وصفه المسلمي بـ"العشوائي الجنوني"، لدرجة أن العيون تجافت عن النوم "اذكر في إحدى الليالي 50 دقيقة والقصف شغال"، يتخيل الشاب العشريني لو استمر القصف أيام أكثر لكان تعداد الضحايا يزيد عما شهدته الحروب الثلاثة السابقة كما يقول.

في كل مرة بعد العدوان الإسرائيلي، يخرج المسلمي ليقابل الصغار، غير أن اللقاء بعد القصف الأخير جاء مختلفًا "اللي شوفناه في الأطفال2021 غير حرب 2014. الأطفال هاي المرة كانوا أكثر طاقة لكنها سلبية لدرجة أنهم مش قادرين يقعدوا". لمس مدير مدرسة نجوم غزة للسيرك تفاعل مرهق يرجعه لتأثير القصف من جانب، وما فرضته أوقات العزل التي عايشها الأطفال في غزة فترة تفشي فيروس كورونا، إذ لم يذهبوا للمدارس أو يمارسوا أي نشاط إلا لنحو شهرين فقط منذ العام المنصرف.

4

داخل المدارس وفي ساحات يحيطها الدمار. تجمع الأطفال حول "نجوم غزة للسيرك"، ضحكوا مع عروض الخفة والمهرجين، وانضموا للمسابقات، لعبوا ورقصوا على الأنغام. أطفال كثر، لكن لا ينسى المسلمي هؤلاء الأخوة الأربعة المقيمين في مدرسة الإيواء الذين فشلت كل محاولاته للفصل بينهم وقت اللعب "كل ما نختار واحد منهم يطلع معانا لمسابقة ميطلعش. لازم يكونوا مع بعض". تأمل الشاب المشهد طويلاً، لا يتيح المرح مجالاً لحديث الصغار عما لاقوه، لكن المسلمي يعرف ما تتركه الحرب في النفوس "أكيد لما انقصف طلعوا مع بعض بخوف. وحتى الآن مش قادرين يسيبوا بعض".

تعلو ضحكات المسلمي ورفاقه بين الصغار، لكنهم ليسوا بأقل منهم تأثر "الحرب بتدمرنا نفسيًا"، إلا أنهم قرروا تناسى الألم بطريقتهم، وكذلك يواصل أهل غزة كما يقول مدير مدرسة نجوم غزة للسيرك. يتتبع الشاب المسار منذ حرب 2008 "كانت المدة وحجم الدمار أكبر. لأول مرة يصير حرب بهاي الشكل. بيوت كتير اتدمرت وانعكس على الناس بشكل سيء"، لذا يرى أن "أصعب فوقة" لأهل غزة في تلك الفترة، وذلك خلاف 2012 التي كانت الحرب فيها سريعة، وعاد "الغزاويون" لحياتهم بعد نحو 5 أيام.

أما 2014 رغم أنها كانت الأطول والأكثير صعوبة، لكن أهل غزة "كان أكثر حنكة. صار عنده خبرة في الهروب والتأقلم" كما يصف المسلمي مبتسمًا، يعتبر الشاب أن ذلك نتيجة طبيعية "بلد مافيش شهر بيمرق (يمر) عليه في السنة إلا وفيه شهيد"، لذلك يجد أن الصدمة في العدوان الأخير كانت أقل رغم عنف القصف، وهو ما رآه بعودة الحياة في شوارع المدينة المحاصرة بعد أقل من أسبوع من توقف القصف.

حتى اللحظة، قام المسلمي ورفاقه من نجوم غزة للسيرك بنحو 10 جولات، فيما يخططون لأربعة أخرى. يوقن الشاب العشريني أن "كل واحد في غزة حاليًا محتاج الدعم النفسي سواء صغير أو كبير"، يبذل مع الفريق جهدهم بما ملكت أيديهم لنشر البسمات في الطرقات الحزينة، لا يؤمن المسلمي بأن ثمة حياة طبيعية تعود بعد الفقد "نضحك على حالنا لو قلنا بنرجع زي ما كنا. خاصة الناس اللي فقدت دارها ولا حدا من أهلها. الزلمة اللي فقد كل ولاده عمره ما هيرجع لحياته الطبيعية. في شيء فقده العمر كله. مفيش حياة طبيعية ولا عادية بعد ما راح له ابن ولا أم ولا أخوه. بس بيتأقلموا ويستمروا"، ولهذا لا ينقطع إيمان المسلمي بمواصلة رسم البسمة علها تعين على المضي.

5

تابع قصص الملف

عاد للعمل على الأنقاض.. مرحبًا بك في صالون هاشم المدمر بغزة

1

"بيوت أهل غزة عمَار".. قصة "خليل" في إيواء المتضررين أثناء وبعد الحرب

2


100 سيدة تقدمت لمبادرتها.. "روزان" تدعم أهل غزة المتضررين من القصف الإسرائيلي

3

من كورونا إلى القصف الإسرائيلي.. "فلافل السوسي" باقية رغم الخسائر

5

بالصور- الحياة بعد القصف... غزة تكره الحرب لكن لأجل الوطن "ينسقي العُليق"

6

فيديو قد يعجبك:

إعلان

إعلان