جواب في العزل.. كيف خفف زملاء ممرضة شابة تجربتها مع كورونا؟
كتبت- شروق غنيم:
رسوم- سحر عيسى:
تمر الأيام ببطء داخل غُرفة مي منسي، للمرة الثانية تختبر تجربة العزل في مستشفى قها بالقليوبية، بعدما أُصيبت بفيروس كورونا مُجددًا. تتشابه تفاصيل الأيام مع بعضها، تتلهّف لأي فرصة تتواصل بها مع عائلتها، تحّن للقاء رفاقها في العمل، لكن ثمة لحظات أذابت ثقل التجربة، نست معها مرارة العُزلة.
بينما تستقبل مي حصتها من المأكولات والعصائر اليومية بشكل اعتيادي، برزت ورقة بجوارهما، ظّنت أنها إرشادات طبية أو موضوعة بالخطأ "بشوف الورقة لقيتها جواب من زمايلي اللي شغالين في أمن المستشفى؛ لأن صعب يطلعوا يطمنوا عليا".
كان للجواب مفعول السحر، رغم بساطة كلماته، بعناية كتب رجال الأمن عبارات تدعم مي خلال تجربتها "بالغ أسفي أنَّكِ أُصبتِ بهذا المرض الملعون"، فيما يكمل دعواته بشفاء الشابة في أسرع وقت "دي كانت أول مرة أستقبل جواب، وأجمل حاجة إنهم كتبوه بخط إيديهم وبشكل عفوي جدًا".
تعرف مي صعوبة التجربة، مرّت بها سابقًا في مايو من العام الماضي، وتعايشها في كل مرة تدخل إلى غرفة مريض لتطبيبه "اللي بيخففها أنك تتواصل مع حبايبك وعيلتك". ثاني يوم استقبلت من طبيب زميل لها بالمستشفى كتابًا ليخفف عنها الملل، في بداية الكتاب ترك لها إهداءً "إلى مي؛ حروب تبني الدرب".
التاريخ لا يمُحا من صفحة الكتاب وكذلك عقل الممرضة الشابة، تتذكره رفقة محاولات عائلتها للتخفيف عنها خلال رحلتها مع الإصابة بالوباء العالمي، رويدًا رويدًا تُمحا آثار الفيروس من جسدها وتنسحب، فيما تبقى فقط تلك التفاصيل، التي مسحت عن نفسها وحشة التجربة.
في مايو من العام الماضي؛ كانت التجربة الأولى لإصابة مي بفيروس كورونا، كانت قد عادت للتو من المستشفى والعودة لها مُجددًا بعد 15 يومًا في دورة العمل التي كان مُعمولًا بها بالموجة الأولى للفيروس. داخل المنزل هاجمتها الأعراض "كل العائلة ساكنة في نفس العمارة، فعزلت نفسي في البيت الأول ومنعت أي حد ييجي وخبيت على ولادي إني معاهم في العمارة، خوفت ييجوا أو يقفوا قدام الباب".
اخذت مي كل سُبل الوقاية، أوصدت أبواب المنزل والنوافذ، لم يكن سبيلًا لعائلتها للتواصل سوى مكالمات فيديو كل يوم من أجل الاطمئنان عليها "الموضوع كان مُربك ولسة ميعرفوش تفاصيل إزاي يتعاملوا مع الموضوع، وكانوا هيتجننوا إزاي بنتنا في نفس البيت ومش عارفين نكون جنبها؟".
في التجربة الأولى، أدركها أيضًا لُطف الله، كانت تصرفات شقيقها تُنسيها مرارة التجربة. مع حلول المساء وحين يطمئن الأخ بأن أبناء الممرضة الشابة قد غرقوا في النوم "كان بينزل قدام شباك البيت، يخبط عليا ونبدأ ندردش سوا"، لم تكن تفتح مي النافذة رغم إلحاحه، من خلفها كانت الأحاديث تدور، يطمئن عليها، يحكي لها تفاصيل يوم صغارها، انتظارهم لعودتها "وأوقات كان بيشغل لي أغاني ونقعد نسمع سوا لحد ما النهار يطلع".
في الصباح؛ ابتكرت مي برفقة شقيقها لغة تواصل للاطئمنان عليها دون أن يدري صغارها "وهو طالع البيت يبدأ يكُح بطريقة مميزة، وأنا أرد عليه بكحة برضو عشان يعرف إني بخير، لأني كنت بخاف عبدالله وسهيل يعرفوا إني معاهم في البيت". وحين تختفي مي عن الرد، يسري القلق في قلب شقيقها "بيكلمني على التليفون بشكل هيستيري عشان يطمن عليا، لأني لما مبردش بيبقى الأعراض شدّت عليا".
في التجربة الثانية، قضت الممرضة الشابة شهرًا وعشرة أيام في غرفة العزل بالمستشفى، لم تتركها عائلتها. يوميًا يأتي صغارها أمام أبواب المكان، لا يغادرون العربة، تطل رؤوسهم من النافذة، وينادون بأعلى صوتهم "يا ماما بنحبك". مكالمة هاتفية من والدتها تعرف مي أنهم قد وصلوا، تخرج لهم من نافذة الغرفة، ويتحادثون عبر الهاتف "من أول ما اليوم يبدأ كنت ببقى مستنية اللحظة دي، إنهم ييجوا ويشاورا لي وأشوفهم قدام عنيا".
أيام صعبة مرّت بها مي خلال التجربتين؛ تحاول تجاوز أثرهما الجسدي والنفسي، تتذكر كيف كان يُرسل لها المرضى أنفسهم برسائل مع زملائها من طاقم، فيما تكرر استقبالها للجوابات من زملائها "يكتبون لي أنتِ بطلة وهتعدي منها زي المرة الأولى"، ذات مرة أرسلت لها صديقة باقة ورد للغرفة "الناس بطرق مختلفة حاولوا يتواصلوا معايا، بجواب أو كتاب، أو دعوة حلوة.. تفاصيل ربنا كان بيهون وبيطبطب عليا بيها".
فيديو قد يعجبك: