"اطلبوا الهندسة ولو في مصر".. حُلم كويتي هجّرته حرب سوريا بين 3 جامعات
-
عرض 10 صورة
-
عرض 10 صورة
-
عرض 10 صورة
-
عرض 10 صورة
-
عرض 10 صورة
-
عرض 10 صورة
-
عرض 10 صورة
-
عرض 10 صورة
-
عرض 10 صورة
-
عرض 10 صورة
كتبت - نانيس البيلي:
الأربعاء الماضي، بينما تستمر المرحلة الأولى من تنسيق الثانوية العامة بهندسة القاهرة، وقف الشاب الكويتي "خالد الفريح" أمام المسلة الفرعونية المميزة بمدخل الكلية بسعادة كبيرة، أخذ يلتقط الصور التذكارية برفقة زملائه بعدما انتهوا لتوهم من مناقشة مشروع التخرج في قسم "المدني". بزهو كبير وقف ابن الـ26 عام يستعيد ذكريات من الجهد والمثابرة طوال 9 سنوات مضت، تسببت الحرب السورية في تنقله بين 3 جامعات لدراسة الهندسة، انتهاءً بجامعة القاهرة، وتكللت بحصوله على بكالوريوس الهندسة بتقدير جيد جداً.
من طالب بمدرسة "جوهرة الصالح" الثانوية بمنطقة الراجعي في محافظة الجهراء بالكويت، حصل "خالد" على نسبة 97% بالقسم العلمي ليصنف الأول على مدرسته "كانت أعلى نسبة على تاريخ المدرسة، و"قبلها حصلت على لقب الطالب المثالي" يقول الشاب الكويتي لمصراوي، ويضيف أنه بدأ بعدها في ترتيب رغبات الكليات التي يرغب في الالتحاق بها داخل إحدى الجامعات السورية كمنحة من دولته، من بين 3 خيارات توفرها البلاد لأي طالب متفوق "إما أن يقدم في جامعة بالكويت على حساب الحكومة، أو ياخد منحة داخلية بجامعة خاصة بالكويت، أو منحة في بلد يقدم عليه الطالب ويكون من حق الدولة الموافقة أو الرفض وفقًا لعدة اعتبارات".
الارتباطات العائلية التي يفرضها المجتمع الكويتي على الشاب الذي يتخطى عمر 18 عام، دفعت "خالد" لحسم قراره باختيار منحة السفر بالخارج، ليلقي عن كاهله تلك المسؤولية في ظل التحاقه بإحدى كليات القمة "لو محضرتش مناسبات العائلة يجيلك نوع من العتب والتقصير"، ويضيف أن تجارب الأصدقاء والمعارف دعمت لديه ذلك القرار "كانوا مقيدين، ولم يحسنوا التوفيق سواء في الواجبات الاجتماعية أو التفرغ للاستذكار".
من الطب إلى الهندسة، تغيرت وجهة الشاب العشريني بشكل قدري "نصيبي جابني هندسة لسبب أو لآخر"، يقول خالد، ويوضح أنه وضع كلية الطب في أول رغباته بالجامعة السورية، ليفاجأ بقبوله بكلية الهندسة التي وضعها لاحقًا "ناس كتير مجموعهم أقل مني وجالهم طب"، يصمت قليلاً ويشير إلى عشقه لمهنة الطب التي جاءت من معاناة عاشتها أسرته مع شقيقه الأصغر الذي ولد بثقب في القلب بسبب خطأ طبي "كنت بشوف معاناته فعايز أساعد الأطفال اللي من النوع ده"، وأنه كان يشاهد شغف وحب صغيرهم لطبيبه المعالج فتمنى أن يصبح طبيب وينال ذلك الشعور من مرضاه.
سعادة كبيرة انتابت والدي "خالد" بعد قبوله بكلية البترول بجامعة البعث السورية، فيشير إلى أنهم لم يروق لهم فكرة عمله بمهنة الطب، فبينما يرى والده الذي يعمل ضابطًا في الشرطة الكويتية أن مهنة الطب تحتاج مجهود كبير ومواكبة في الدراسة طوال الوقت، كانت والدته متأثرة بالصورة الذهنية التي تصدرها الدراما العربية عن الطبيب "كانت بتقولي دكتور يعني غلطتك تتحسب عليك وممكن تعمل عملية غلط ويغتالوك أهل المريض"يضحك الشاب الكويتي، ويضيف أنه طوال عام ونصف سارت الأمور بصورة طبيعية، ينتظم في كلية البترول الواقعة في منطقة دير بعلبك بمدينة حمص والمعزولة عن باقي مباني جامعة البعث في منطقة بابا عمرو، ويعود في إجازات الدراسة إلى أهله بالكويت.
مع أوائل شهر فبراير عام 2011، انطلقت الشرارة الأولى للثورة السورية بمحافظة درعا من خلال مظاهرات محدودة، وانتقلت صداها لباقي المحافظات السورية قبل أن تشمل كل المناطق "عشنا الخضة والرعب وإحنا بنسمعه قبل ما نشوفه" يقول "خالد"، ويضيف أن النظام بدأ ينشر آلياته العسكرية بالمناطق التي يشعر فيها بحركة ثورية "خلال ذهابي للجامعة يوميًا كنت أشاهد دبابة عند كل ميدان وكل تقاطع وكل باب في المدينة.. كانت عملية تخويف وإرهاب بصري لقمع الشعب الثائر" يصف "خالد" المشهد.
ولَع بالسياسة منذ الصغر ومتابعة عن كثب لمشكلات العالم العربي، استغله الشاب العشريني في النقاش مع الشباب السوريين في خضم الحرب الدائرة دون أن يكون طرفًا في النزاع "كنت بتناقش كنوع من الاستكشاف ولكي أفهم المشكلة من أفرادها"، ويشير إلى زيادة وتيرة الأحداث في عدد من المدن السورية من بينها حمص "بدأوا يثورون من داخلهم بسبب ما يحدث في إخوانهم بدرعا".
ظل أهل حمص مكبلين الأيدي يشعرون بالغضب دون أن يقوا على فعل شيء، بحسب "خالد"، حتى تاريخ 13 أبريل من العام ذاته بعدما تمكنوا من اعتقال عميد كلية البترول بالجامعة "عملوله كمين وقدروا يمسكوه مقابل إطلاق أسرى من الثوار"، ويضيف أن الجامعة أعلنت بعدها إيقاف الدراسة رسميًا بسبب الأحداث، ليتخذ قراره بالعودة إلى الكويت لحين هدوء الأوضاع.
"قلت إن ده سفر مؤقت وشهرين والدنيا هتهدى وهتبقى زي ثورة تونس ومصر وهرجع تاني" يقول الشاب العشريني عن اعتقاده في ذلك الوقت، يصمت قليلاً ويضيف أن زملائه بسوريا أبلغوه بعد أيام قليلة بفتح الجامعة واستئناف الدراسة مرة آخرى بينما كانت الحرب مستمرة وتدور رحاها بضراوة، ليقع في حيرة من أمره ما بين التضحية بفترة 7 أشهر درسها بالسنة الثانية والمكوث في الكويت أو العودة لحمص مرة آخرى والانتظام بالامتحانات ليكون أنهى عامين دراسين "اخترت أن أعود جامعتي بسوريا رغم معارضة أهلي".
بينما كان الشاب العشريني يؤدي امتحاناته داخل كلية البترول، كانت أصوات الرصاص تدوي في محيط منطقة دير بعلبك لتثير الفزع في القلوب "تعايشت مع الوضع فترة شهر و10 أيام حتى أنهيت الامتحانات ونجحت"، ويضيف أنه عاد مرة آخرى إلى الكويت آملاً في العودة مع بدء العام الدراسي وهدوء الأوضاع "من وقتها ما رجعتش سوريا، لم أتوقع السيناريو الإجرامي الذي آلت إليه الأمور".
قرابة 3 أشهر مضت منذ عودة "خالد" إلى الكويت، بدأ بعدها العام الدراسي الجديد بينما أصبح الوضع أكثر سوءً داخل سوريا وامتدت عمليات القصف العشوائي إلى مدينة حمص حيث تقع جامعته، بصورة لم تترك أمامه مجالاً للتفكير "مكنش ينفع أخاطر بحياتي" ويقرر البقاء ببلدته إلى آجل غير مسمى.
"تلك الديار التي يحن القلب لها والعين تهواها.. أصدقائي جامعتي ذكرياتي لا و لن أنساها" كلمات كتبها الشاب الكويتي بعد مغادرته سوريا، يلتقط أنفاسه ويقول إنه يرى حمص إلى اليوم هي جنة الله في الأرض، وأنه عهد شعبها طوال عامين قضاهم هناك كشعب راقي ورائع ومتحضر.
حالة من الملل أصابت طالب هندسة البترول بعد تغير نمط حياته إلى النقيض، من جهد وضغط كبير يبذله في الدراسة إلى خلو يومه من أي نشاط يذكر "دخلت في دوامة فراغ كامل أوصلتني لحالة نفسية سيئة"، ويشير إلى أن ذلك دفعه إلى التفكير في مليء ذلك الفراغ بأنشطة مفيدة، ليقرر الالتحاق بإحدى الجامعات بالكويت للحصول على دبلومة في مجال الهندسة لمدة قصيرة لحين استكمال شهادته من من الجامعة السورية "قلت يكون فيه هدف عايش عشانه"، ويكمل أن ذلك لم يملئ فراغ يومه بصورة كبيرة، ليلتحق بالعمل في إحدى الشركات الهندسية بوظيفة "مشرف موقع"، بجانب الانتظام في إحدى صالات الألعاب الرياضية.
"نقطة تحول" كما يصفها الشاب الكويتي حدثت خلال دراسته بالترم الثاني من دبلومة الهندسة، عندما فاجأه والده باقتراح بنصيحة من أحد أصدقائه بالذهاب إلى مصر لدراسة الهندسة "الفكرة مكنتش مطروحة لأن دراستي بسوريا كانت معلقة"، يقول "خالد"، ويضيف أن الأمل تجدد لديه مرة أخرى، ليهُم باتخاذ الإجراءات اللازمة والسفر إلى مصر قاصداً أحد مكاتب التسجيل بالقاهرة التي ستتولى مسألة إنهاء أوراق التحاقه بإحدى الجامعات الخاصة "جيت مكنش عندي صورة عن أي جامعات حكومية، لأن محيط معارفي التحق في مصر بجامعات خاصة".
حالة من اليأس للمرة الثالثة على التوالي واجهته في مصر، بعدما وجد جميع الأماكن محجوزة بالجامعات الخاصة "كان وقتها الثورة بدأت في اليمن وليبيا، فاصطحب رجال الأعمال أسرهم وأموالهم وقصدوا مصر، ومن هنا امتلأت الكليات الخاصة بهؤلاء الوافدين"، يقول "خالد"، ويضيف أنه عقد العزم بالعودة إلى الكويت، قبل أن تحدث مفارقة تفتح أمامه أفقًا جديداً باستكمال حلمه، خلال سيره مع أحد أصدقائه وصادفهم صديق للثاني وهو سوري يدرس بمصر "اداني خيار جديد أنا مكنتش عارفة، قالي متجرب التنسيق الحكومي".
"عمل معي جميل مش هنساه في حياتي"، يقول "خالد"، ويوضح أن الشاب السوري اصطحبه إلى مقهى للانترنت ودخلوا على موقع التعليم العالي المصري وبدأ يسجل له الرغبات ويرفقها بالأوراق الرسمية المطلوبة، يتذكر الشاب العشريني حالة الفرح التي شعر بها بعد ظهور نتيجة التنسيق في منتصف شهر أكتوبر 2012 "مقبول بكلية الهندسة جامعة القاهرة، مكنتش مصدق حالي".
صعوبات في الدراسة واجهها الشاب الكويتي خلال أول عام بهندسة القاهرة، يبررها بوجود مواد إضافية درسها طالب الهندسة المصري بمرحلة الثانوية "بكون بدرس مواد لم أدرسها بالمرحلة الثانوية في الكويت"، ويضيف أن العناء الذي قابله على مدى سنوات للالتحاق بكلية الهندسة بجانب شغفه بالمجال كانا دافعان قويان أمامه للجهد والدأب "أحببت المجال واستهواني بشدة، وجدته ممتع ويتيح لي الإبداع داخل موقع العمل".
فيديو قد يعجبك: