إعلان

فاطمة..!

د. أحمد عمر

فاطمة..!

د. أحمد عبدالعال عمر
07:00 م الأحد 23 يناير 2022

جميع الآراء المنشورة تعبر فقط عن رأى كاتبها، وليست بالضرورة تعبر عن رأى الموقع

ما أجمل هذا الاسم، وما أعظم تأثيره وإيقاعه في الأذهان، وما أثرى مضامينه ودلالاته الدينية والثقافية والإنسانية، وما أعمق ارتباطنا به، حتى صار أكثر أسماء النساء جمالًا وحضورًا في قلوب وبيوت المصريين على مدار تاريخهم، رغم أننا هجرناه في العقود الأخيرة.

وبشكل شخصي فإن اسم "فاطمة" لأسباب عديدة هو أحب أسماء النساء إلي قلبي، وأكثرها ارتباطًا بكل سمات الجمال والجلال في المرأة، حتى صرت أظن أنه "مفهوم" يخص سمات الكمال في المرأة، أكثر منه اسماً لامرأة.

أول تلك الأسباب أنه اسم ابنة رسولنا الكريم، فاطمة الحنون أم أبيها وقرة عينه، وزوجة الإمام علي بن أبي طالب، كرم الله وجهه، وأم الحسن والحسين حفيدي رسولنا الكريم، وسيدي شباب أهل الجنة.

أما السبب الثاني، فإنه اسم عمتي التي رحلت وأنا طفل صغير، لكني رغم ذلك أتذكر جيدًا وجهها الهادئ الجميل، ومحبتها لنا، وكرمها معنا، وفرحتها بنا عندما كنا نذهب لبيتها القروي.

ولأنها في يوم رحيلها - الذي جسد أول زيارة للموت في عائلتي بعد أن أصبحت أملك من الوعي ما يجعلني أشعر بثقل حضوره، ووجع الفقد الذي يسببه - كنت أجلس بين أعمامي، وكان أبي يحكي كيف شعر بخفتها عندما حملها ونزل بها للقبر، ووضعها في مستقرها الأخير.

وذكر أبي كذلك، أنه بعد أن عاد من الجبانة قد غفى ساعة ليستريح، فرآها في نومه مطمئنة مبتسمة بوجه يملؤه النور، وقد اقتربت منه لتحضنه وتشكره.

وما زلت أتذكر ذلك الحوار الذي سمعته وأنا طفل صغير، وكأنه حدث اليوم. وأتذكر معه دهشة اكتشاف عالم وحكايات الموتى وملكوت الروح، ووجه عمتي فاطمة المطمئن الجميل الذي عاد لأبي بعد رحيلها، والذي كنت أراه دائمًا كذلك.

أما السبب الثالث لمحبة اسم فاطمة فقد جاء من عالم الشعر، خاصة ما كتبه الشاعر الراحل نزار قباني، عندما قال:

يا فاطمةَ الفاطِماتْ

أيُّها السيفُ المرصَّعُ بأجمل الآياتْ

أيُّها اللغةُ التي ألغَتْ جميعَ اللغَاتْ..

أيَّتُها العربيّةُ التي ينقِّطُ العَسَلُ الأسودُ من عينيْها

نُقْطَةً.. نُقْطَهْ..

ويُنقِّطُ الشِعْرُ من شَفَتها السُفْلى

قصيدةً.. قصيدَهْ.

ومن بعد نزار قباني كتب الصديق الشاعر محمد زايد الألمعي، يتغزل في فاطمة أخرى، فقال:

أيتها الفاطمات الكثيرات

هل تركت بعضهن

ليُضحكنني في وحدتي

أو يراضينني عندما أشتكيك...

يا نبيذ النساء الذي شق روحي

وأسكنني ملكوتك ما بين زهو الرجال وغُبن الملوك

رتبي لي القبيلة في بدني الجبلي

وقولي اصطفيتك

كي لا أخونك، بل اشتهيك.

وهذه الأبيات أيقظت في روح المرء منذ أن قرأها محبة كل الفاطمات الغائبات، حتى صارت تلك المحبة مثل نار المجوس غير قابلة للانطفاء، وصار المرء يُردد معها دائمًا: مين اللي ميحبش فاطمة؟!

إعلان