إعلان

اكتشافات إنسانية

د. أحمد عمر

اكتشافات إنسانية

د. أحمد عبدالعال عمر
07:00 م الأحد 26 سبتمبر 2021

جميع الآراء المنشورة تعبر فقط عن رأى كاتبها، وليست بالضرورة تعبر عن رأى الموقع

مع التقدم في العمر والنضج ومواصلة رحلة الحياة وتراكم التجارب والخبرات، تتغير يا صديقي رؤيتنا للحياة والناس. كما تتغير أولوياتنا وأهدافنا، ونكتشف حقائق إنسانية تنير لنا الطريق، وتُساعدنا على فهم أنفسنا وغاية وجودنا ومعنى حياتنا وتأسيس علاقات جديدة مع البشر والعالم من حولنا.

أول تلك الاكتشافات يا صديقي، معرفتك أن الرحلة التي تعمقت فيها بحثًا عن نفسك وأحلامك، كانت هي ذاتها الغاية، وأنها صنعتك وجعلتك ثريًا بما كسبت من معارف وخبرات، وأنها أعادت صياغتك داخليًا وخارجيًا، وأعطت لحياتك معنى ولوجودك قيمة.

وإن مدينة "ايثاكا" فردوسك المفقود، التي خرجت تبحث عنها، هي معنى حي بداخلك، وإن لها تجليات إنسانية وجغرافية كثيرة عليك أن تواصل لنهاية عمرك البحث عنها، حتى وإن لم تصل إليها، عملًا بوصية شاعر الإسكندرية الشهير قسطنطين كفافيس، عندما قال:

لتكن ايثاكا في روحك دائمًا

الوصول إليها قدرك

لكن لا تتعجل إنتهاء الرحلة

الأفضل أن تدوم سنوات طويلة

وأن تكون شيخاً حين تبلغ الجزيرة

ثريا بما كسبته في الطريق

غير آمل أن تهبك ايثاكا ثراءً

ايثاكا منحتك الرحلة الجميلة

لولاها ما كنت شددت الرحال.

كما سوف تكتشف يا صديقي أن عدوك الأول في رحلتك بدروب الحياة والمدن والناس والأحلام، هو التشويش الذي يأتيك من الخارج عبر مصادر متعددة.

وأن هذا التشويش قد أفقدك - باستسلامك له - صفاءك الروحي والفكري وبوصلتك الداخلية، وألقى بك في "متاهة" سوف تضيع فيها، إن لم تُسرع باستعادة ذاتك ووضوح رؤيتك، وقدرتك وشجاعتك القديمة على مواصلة الرحلة كما تريد أنت لا كما يفرض عليك.

أما أكبر هذه الاكتشافات الإنسانية يا صديقي، فهي حقيقة واضحة للبشر، لكنهم يتجاهلونها تمامًا، ويتخبطون بتجاهلهم لها في دروب الحياة لآخر يوم في عمرههم، ويفقدون الرضا والسعادة.

وجوهر تلك الحقيقة، أن الإنسان يعيش مرة واحدة حياة قصيرة هي أشبه ما تكون بحلم عابر. وأن سعادته الحقيقة في تلك الحياة تتحقق بتوفر الصحة والستر، وترتبط بقناعاته الشخصية ومبادئه، وقدرته على الرضا والاكتفاء والاستغناء، وعيش الحياة ببساطة وعمق واستمتاع بفعل ما يُحب، وصحبة مَن يُحب، وليس لها علاقة بأي مظاهر مادية خارجية.

إعلان