إعلان

الحمل خارج رحم الأوطان

خليل العوامي

الحمل خارج رحم الأوطان

خليل العوامي
07:00 م الإثنين 27 سبتمبر 2021

جميع الآراء المنشورة تعبر فقط عن رأى كاتبها، وليست بالضرورة تعبر عن رأى الموقع

هدأت، ولو نسبيًا، تغطيات الصحف الإقليمية والعالمية للهزيمة المدوية لجماعة الإخوان في المغرب ممثلة في حزب "العدالة والتنمية"، الذي تقلص نصيبه من 125 مقعدا في البرلمان الحالي إلى 12 مقعدا في الانتخابات الأخيرة ليتراجع ترتيبه بين القوى السياسية إلى المركز الثامن.

ومع هذا الهدوء الظاهري، تبدأ مرحلة البحث عن أسباب هذه الهزيمة الكبيرة، وتقييمها بصورة واقعية من ثلاث جهات على الأقل.

الجهة الأولى: الشعب المغربي الذي منح هذا الحزب الفرصة كاملة، وانتخب مرشحيه ليحصل على أكثرية في البرلمان دورتين متتاليتين شكل بموجبهما الحكومة وأدار شئون البلاد عشر سنوات كاملة.

الجهة الثانية: حزب "العدالة والتنمية" الذي خابت خططه وحساباته، وانكشف على حقيقته أمام الشارع المغربي، حيث جردته الممارسة الفعلية للسلطة من غطاء الوطنية المصطنع، وفضحت شعاراته الزائفة، وعرت أكاذيبه الدينية والوطنية التي طنطن بها عقودًا لدغدغة المشاعر.

إنها شعارات واحدة، وطريقة واحدة، استخدمتها جماعة الإخوان بكل فروعها في كل الدول.

الجهة الثالثة: هو التنظيم الأم للإخوان، الذي خرج من السنوات العشر الأخيرة غير ما بدأها تماما، فقد صعد التنظيم بقوة في أعقاب ثورات الربيع العربي، وحقق مكاسب لم يحققها طيلة عقود في العديد من الدول، وها هو يختتم العشرية بخسارته المغرب بعد خسارة تونس ومصر والسودان.

وللتوضيح فقد انخرطت الجماعة في الحياة السياسية المغربية بصورة كاملة، وحصلت على كل الفرص الممكنة، منذ اندساسها ومعها فصائل إسلامية أخرى في حزب "الحركة الشعبية الدستورية الديمقراطية" الذي تم تغيير اسمه إلى حزب "العدالة والتنمية" عام 1997.

ومنذ هذ التاريخ خاض الحزب كل الجولات الانتخابية، وحصد عددًا من المقاعد، زاد مع كل استحقاق انتخابي، حتى حصل على أكثرية نيابية في انتخابات 2011 و2016، مما مكنه من تشكيل الحكومة في المرتين.

ولأن الجماعة في المغرب استغلت نفس "الأسطوانة المشروخة" عن حماية الدين والاستقلال الوطني، ولأنها بالغت في الكذب عن مشروعها المتأسلم المعتدل للإصلاح والتنمية وتحسين حياة المواطنين، فقد كان العقاب لها قاسيا أيضا بهذا الإسقاط الانتخابي المذل، بعدما تأكد الشعب المغربي أنه لا إصلاح تم، ولا تنمية تحققت، ولا حياة الناس تبدلت للأفضل. فالكذب نهايته معروفة وحتمية، مهما طال به الوقت.

فمنذ نشأة جماعة الإخوان عام 1928 عاشت وتغذت على فكرة المظلومية، زاعمة أن إبعادها عن المنافسة السياسية هو ما يحول بينها وبين تنفيذ أجندتها السماوية العادلة الراشدة، مما أكسبها تعاطفا محليا.

وفي الوقت ذاته، قدمت نفسها للغرب في صورة البديل الآمن للأنظمة الحاكمة في المنطقة، فمارس الغرب ضغوطا كبيرة لتمكين الجماعة، قبل ثورات الربيع العربي، وبعدها.

ومع تغير أوضاع المنطقة برياح الربيع العربي، بدأت لحظة الاختبار الفعلي للجماعة، من جانب، والفرز الحقيقي للشعوب، فقد تبدل الحال بالجماعة، وتمكنت في الحكم، ودانت لها السلطة في أربع دول عربية مهمة، كما تعاظمت قوتها في دول أخرى، ولكن وكما قال أبو تمام "السيف أصدق إنباء من الكتب" فكانت السنوات العشر الأخيرة بين 2011-2021 تكاد تكون الأكثر سوادًا على الجماعة نفسها، حيث خرجت طريدة منبوذة موصومة بالإرهاب.

ولا شك أن هذه هي النهايات المنطقية، فالحمل خارج الرحم لا يمكن أن ينتج عنه طفل طبيعي، وجماعة الإخوان كانت ولا تزال "حمل خارج رحم الأوطان"، ولهذا فبمجرد وصولها للسلطة اصطدمت بفكرة " الدولة الوطنية ".

إن هذه الدولة المقصودة كما نعرفها وفي توصيفها المبسط لها ثلاثة مكونات أساسية (إقليم - شعب - سيادة) وكلها بعيدة عن عقيدة وأدبيات الجماعة، التي لا تؤمن بوحدة الإقليم وحدوده الجغرافية، لأن مشروعها قائم على مبدأ "الأمة المسلمة" ذات الأقاليم، وهو ما يقضي بالتبعية على فكرة "السيادة".

كما لا تعترف الجماعة بأن الشعب هو مصدر السلطة ومحركها، لأن السلطة عندهم "هبة" تأتي من أعلى للمرشد، ويخلف فيها من يشاء، وما الشعوب إلا رعايا مسخرون لتنفيذ هذا الحكم والانصياع له بقوة ولي الأمر، أو قوة السلاح، أيهما أقرب.

إعلان