إعلان

بعيدًا عن الجُبن والشجاعة.. مواقف محفوظ في أعماله الروائية وحدها

بعيدًا عن الجُبن والشجاعة.. مواقف محفوظ في أعماله الروائية وحدها

محمود الورداني
09:00 م الخميس 23 أغسطس 2018

جميع الآراء المنشورة تعبر فقط عن رأى كاتبها، وليست بالضرورة تعبر عن رأى الموقع

كنتُ حاضرًا في الندوة التي سبقت توقيع كتاب الرواية المحرمة لمحمد شعير، وسمعتُ اتهام د. سيزا قاسم أستاذة الأدب وصاحبة أول دكتوراه عن الثلاثية لنجيب محفوظ بالجُبن، ومع هذا لا أميل إلى أن آخذ كلامها مأخذ الجد، ولا أظن أنها تقصد ما قالته، ولم تدلل على رأيها، ولم تذكر دليلاً واحدًا يؤكد ما تقوله، وكل ما في الأمر أنها أضافت أن هناك كتابًا آخرين جبناء أيضا دون أن تذكر أسماءهم. وعندما تحدث بعدها الناقد والأستاذ الجامعي د. حسين حمودة غاضبًا ورافضًا بشدة هذا الاتهام، وذكر أن محفوظ تعرض للذبح حرفيًا بسبب روايته التي لم يتنازل عنها مع ذلك، لم تعقّب عليه على الرغم من أن الفرصة كانت متاحة أمامها.

لكن المهم في كل هذا أن هناك عشرات من النقاد والكتاب من كل الأجيال دافعوا عن محفوظ وعن مواقفه، وهاجموا قاسم بكل قوة. وهكذا كسب محفوظ معركته على الرغم من أنه غاب عنا منذ أكثر من عشرين عامًا.

محفوظ ليس قديسًا لا يأتيه الباطل، ومثل أي كاتب له أخطاء بالطبع، ومن حقنا وواجبنا أن نختلف معه. صحيح أنه كان معروفًا بالدماثة وعدم الصدام في مواقفه، وربما أخطأ إلى هذا الحد أو ذاك في تصريحاته وحواراته الصحفية، وربما كان مراوغًا في بعض الأحيان، لكن أعماله الروائية ظلت بمنأى عن أي مراوغة أو التفاف.

وفي كتاب شعير يمكن التقليب قليلا لنكتشف أن الرواية المحرمة لم تكن وحدها هى التي تعرضت للهجوم. وعندما حمل روايته الأولى "عبث الأقدار" -1939 إلى بيت أستاذه في الفلسفة مصطفى عبدالرازق هاجمه مشايخ الأزهر. وروايته "رادوبيس" 1943 رفضتها الرقابة، وأحيل للتحقيق بسبب روايته" القاهرة الجديدة" 1945، ورفض مجمع اللغة العربية روايته "السراب" 1948 عندما تقدم بها لنيل جائزة المجمع..

الوقائع لا تنتهي، فقد أرسل له عبدالحكيم عامر سيارة محملة بالجنود والضباط لإلقاء القبض عليه مرتين، الأولى بعد أولاد حارتنا والثانية بعد ثرثرة على النيل، وفي المرتين أوقف عبدالناصر القبض عليه وأعاد السيارة. ولطالما تحرش به الضباط مثل كمال الدين حسين وغيره، وكانت علاقته شائكة بالنظام طوال الوقت على الرغم من دماثته والتفافه.

ومع كل ذلك لا يمكن أن نغفل أنه شارك توفيق الحكيم وغالي شكري ويوسف إدريس وغيرهم في التوقيع على بيان المثقفين الشهير عام 1972 وتعرض بسببه للفصل والمنع من الكتابة.

أما تأييده بعد ذلك لمعاهدة كامب ديفيد (بالمناسبة أنا هنا لا أدافع عن موقفه لأنني ضدها بكل قوة) لم يكن نفاقًا أو ممالأة للسادات.

محفوظ ليس قوميًا ولا عروبيًا، وهذا حقه. هو ابن ثورة 1919 بقيمها الليبرالية، وشأنه شأن طه حسين والحكيم وحسين فوزي ولويس عوض وغيرهم من القامات الشامخة، كان لهم موقفهم مما يسمى بعروبة مصر إلى هذا الحد أو ذاك، ورأى بعضهم أننا ننتمي لحضارة المتوسط، وموقفهم ليس ممالأة لأحد، وليس خيانة أيضا.

موقف محفوظ لم يكن خافيًا بل كتبه في مقالات وصرح به في مؤتمر دعا إليه هيكل مع العقيد القذافي.. كل تلك الوقائع وغيرها وثّقها وحققها محمد شعير في كتابه الهام.

أود أن أشير أيضا في النهاية إلى أن محفوظ تعرض للذبح - أكرر للذبح - ولا أقل بسبب رواية كتبها ورفض المساس بحرف منها، حتى بعد نجاته بمعجزة، وإن كان ظل متأثرًا بها عضويًا بشدة حتى رحيله. ومنذ أول رواية كتبها وحتى آخر رواية، اختار الرجل أن يكتب هذا النوع من الروايات المشتبكة مع الواقع والتي تعالج قضايا الوجود الإنساني والحرية والعدل.

إعلان

إعلان

إعلان