لم يتم العثور على نتائج البحث

إعلان

 ڤيتامين دال .. بين الحقيقة والخيال

ڤيتامين دال .. بين الحقيقة والخيال

د. سامر يوسف
09:07 م الإثنين 22 أكتوبر 2018

جميع الآراء المنشورة تعبر فقط عن رأى كاتبها، وليست بالضرورة تعبر عن رأى الموقع

بين عشية وضحاها اجتاحت المجتمعات الراقية في مصر مؤخراً - وبالأخص بين الجنس اللطيف- موضة جديدة اسمها "ڤيتامين د" (Vitamin D)، وفجأة أصبح نقص هذا الڤيتامين تحديداً هو المتهم الرئيسي في الإصابة بأمراض القلب والسكر والسرطان وأمراض المناعة، وكذلك الإرهاق وقلة النوم وسقوط الشعر وآلام المفاصل. وحققت معامل التحاليل الطبية والصيدليات وشركات الأدوية أرباحاً طائلة من كثرة الإقبال على إجراء تحاليل "ڤيتامين د" وشراء الأدوية المحتوية عليه حتى بلا طلب من الأطباء، حتى أصبحوا يقومون بعمل عروض عليه بإجراء تخفيضات على تحاليله أو دمجها مع بعض التحاليل الأخرى بسعر إجمالي مخفض، وكأننا في سوبر ماركت أو محل بقالة.

وأصبحت من لم تقم بإجراء هذا التحليل حتى الآن تخجل من سؤال الهوانم من صديقاتها لها عنه مخافة وصمها بأنها دقّة قديمة وديموديه، وأنها ستلاقي الويل بسبب إهمالها في حق نفسها لأنها لم تجر التحليل الخاص به للآن، بل واقتنع الكثيرون من الرجال أيضاً بأن التمتع بنسبة طبيعية من "ڤيتامين د" كفيل بأن يجعل الصحة حديد والعزم شديد، ويقرب البعيد ويجلب الحبيب ويفك المربوط !!

كل هذه الأقوال وغيرها أصبح الواحد منا يسمعها من أصدقائه وأقربائه ومعارفه في كل التجمعات والمناسبات، فما هي الحقيقة وما هي الأوهام المتعلقة بهذه الموضة الجديدة ؟ دعونا نناقش هذا الموضوع بصورة علمية ولكن مبسطة حتى يفهمها الجميع، عن طريق الإجابة عن بعض الأسئلة المتعلقة به والمنتشرة بين الناس هذه الأيام:

١- ما هو "ڤيتامين د" وما فائدته للجسم ؟

هو مادة ضرورية للجسم بنسبة معينة ضئيلة لامتصاص عنصر الكالسيوم من الأمعاء وضبط نسبته هو وعنصر الفوسفور في الدم وهو مهم جداً لصحة العظام عامة، وهو واحد من أربعة أنواع من الڤيتامينات التي تذوب في المواد الدهنية الموجودة في الجسم وليس في الماء كباقي الڤيتامينات.

٢- هل هناك أمراض تنتج عن نقص هذا الڤيتامين ؟

الأمراض المؤكدة الناتجة عن نقصه هي أمراض العظام، حيث ينتج عن نقصه مرض الكساح (Rickets) في الأطفال، ولين العظام (Osteomalacia) في الكبار.

٣- هل يؤدي نقصه إلى هشاشة العظام (Osteoporosis) المنتشر في كبار السن خاصة بين السيدات ؟

نقص "ڤيتامين د" ليس هو السبب المباشر لهشاشة العظام، إلا أن "ڤيتامين د" والكالسيوم من المواد الضروري توافرها - بالاضافة لأدوية أخرى أساسية- لعلاج هشاشة العظام عند حدوثها.

٤- ما هي المصادر الغنية بهذا الڤيتامين ؟

المصدر الأول له هو بعض أنواع الأغذية مثل الأسماك السمينة كالسالمون والماكريل والتونة، وكذلك اللبن ومنتجات الألبان، والمشروم والحبوب الغذائية (مثل قشور الذرة) .

والمصدر الثاني والمهم للغاية هو التعرض لأشعة الشمس باعتدال، حيث يتم تصنيع الڤيتامين طبيعياً في خلايا الجلد من مادة الكولستيرول الموجودة في الجسم بمساعدة الأشعة فوق البنفسجية. وأفضل الأوقات للتعرض للشمس لهذا الغرض من الساعة الحادية عشرة صباحاً إلى الرابعة عصراً ولمدة تتراوح من ربع إلى نصف ساعة حسب درجة سُمرة البشرة، وتعتبر الشمس مصدراً كافياً لتكوينه في فصل الصيف وليس في فصل الشتاء. والتعرض للشمس يجب أن يكون في الهواء الطلق وليس من وراء زجاج وبدون استخدام كريمات الحماية من أشعة الشمس (sunblock)، ولكن الهوس بالتعرض الزائد لأشعة الشمس بدون حماية كافية بالكريمات اللازمة أو الإفراط في استعمال الأشعة فوق البنفسجية الصناعية (tanning beds) فمن الممكن أن يؤدي إلى الإصابة بسرطان الجلد (Melanoma).

٥- هل هناك أضرار من زيادة "ڤيتامين د" في الجسم ؟

بالقطع فإن زيادة "ڤيتامين د" بدرجة كبيرة عند تعاطيه بجرعات زائدة قد يحدث تسمم للجسم بڤيتامين د (Hypervitaminosis D)، وهذا سوف يؤدي إلى زيادة مرضية كبيرة في نسبة الكالسيوم في الدم، مما قد يؤدي إلى تكلس الأنسجة اللينة في الجسم كبطانة الشرايين والخلايا العصبية وإتلافها بصورة نهائية وحدوث مضاعفات خطيرة، قد ينتج عنها تصلب الشرايين وانسدادها وتلف خلايا المخ.

٦- هل نقص "ڤيتامين د" موجود بصورة وبائية كما تصور لنا كثرة التحاليل التي تجرى له ؟

تعتبر بعض الجهات الطبية- على غير أساس علمي- أن مستوى الڤيتامين الطبيعي في الدم هو فوق ٣٠ نانوجرام في الملليلتر، رغم أن هذا غير صحيح، لأن المستوى الطبيعي حقيقة هو فوق ٢٠ نانوجرام في الملليلتر، وقد أدى هذا مع عدم دقة هذه التحاليل أصلاً في كثير من المعامل وتضارب وسائلها إلى اعتبار العديد من الأشخاص الطبيعيين وكأنهم مرضى بنقص ڤيتامين د وبدأوا في تعاطي أدويته بينما هم طبيعيون تماماً. ولا يعتبر الشخص مريضاً بنقص هذا الڤيتامين وبحاجة إلى علاج إلا إذا نقص مستواه لديه عن ١٢ نانوجرام في الملليليتر، وهذا طبعاً بافتراض أن التحاليل تجرى بصورة دقيقة.

٧- هل ينصح بإجراء تحليل روتيني لكل الناس (screening tests) لهذا الڤيتامين ؟

تنص التوصيات الطبية الحديثة على أنه لا ينصح بإجراء هذا التحليل بصورة روتينية للعامة. وبصفة عامة لا يجب أن يجرى هذا التحليل إلا في حالة وجود أعراض مرضية متعلقة بالعظام أو نقص شديد في الكالسيوم في الجسم أو وجود أعراض نقص امتصاص الدهنيات أو عند المرضى الذين يتم إجراء عمليات سمنة لهم مثل عمليات تحويل المسار.

علماً بأنه لم يثبت علمياً وجود أي تأثير علاجي جيد لهذا الڤيتامين في حالات الاكتئاب أو الإرهاق العام أو تآكل الغضاريف، كما لم يثبت له أي تأثير وقائي من أمراض السرطان والسكر وأمراض القلب والكسور كما كانت تروج لذلك بعض وسائل الاعلام بسبب أن هذا الموضوع تحول إلى تجارة مربحة لجهات متعددة كما سبق ذكره.

٨- في حالة ثبوت وجود حالة مرضية تتطلب العلاج بڤيتامين د حسب نصح الطبيب (وهي حالات غير منتشرة)، فما هي الجرعات التي يوصى بها ؟

الجرعة المناسبة في البالغين تتراوح ما بين ٦٠٠-٨٠٠ وحدة دولية في اليوم، وتخطي هذه الجرعة بصورة معقولة مسموح به أيضاً. ولكن هناك من يتعاطى جرعات عالية يومياً في حدود ١٠٠٠٠ وحدة دولية أو قد تصل إلى ٥٠٠٠٠ وحدة يومياً ولمدد طويلة، وهذه الجرعات سامة بالتأكيد ويجب تجنبها. كما يجب متابعة تحاليل الكالسيوم والفوسفور في الدم أثناء العلاج، وفي حالة ارتفاع نسبة أي منهما يجب إيقاف العلاج فوراً والرجوع للطبيب المختص.

وبصفة عامة فإن التغذية المتوازنة تؤدي إلى تكوين "ڤيتامين د" غير النشط بكميات جيدة في الجسم، وأشعة الشمس هي العامل الأساسي لتحويله إلى الصورة النشطة له والمفيدة للجسم. كما تحتوي الأنسجة الدهنية في أجسامنا على كميات مختزنة من هذه الصورة غير النشطة من الڤيتامين لأنه يذوب في الدهون، كما ذكرنا سابقاً، لذلك فإن من يستطيع التعرض لأشعة الشمس الطبيعية بصورة يومية سيكون قد حصل على كفايته من هذا الڤيتامين من مصادر طبيعية لا تؤدي لأي أعراض جانبية أو سُمّية من زيادة نسبة الڤيتامين المصنع على صورة أدوية. وبالطبع فإن جميع الفحوصات الطبية لا يجب أن تجرى إلا بطلب من الطبيب، وكل الأدوية لا يجب صرفها وتعاطيها إلا بروشتة من الطبيب المختص وليس بناءً على الشائعات ونصائح الأصدقاء فقط، وذلك لكي نحيا حياة سعيدة متمتعين بالصحة والعافية بإذن الله.

إعلان

إعلان

إعلان