إعلان

أنماط استهلاك الأخبار في العالم: هل نحتاج قناة أخبار جديدة كما أعلن الرئيس؟

محمد حلمي

أنماط استهلاك الأخبار في العالم: هل نحتاج قناة أخبار جديدة كما أعلن الرئيس؟

محمد حلمي
09:00 م الجمعة 17 نوفمبر 2017

جميع الآراء المنشورة تعبر فقط عن رأى كاتبها، وليست بالضرورة تعبر عن رأى الموقع

أعلن الرئيس عبدالفتاح السيسي خلال منتدى شباب العالم إنشاء محطة تليفزيونية إخبارية مصرية، ذات مستوى عالمي. وعزا الرئيس تأخر إنشائها للتكاليف المادية الضخمة المصاحبة لإنشاء مثل هذه المحطة.

لست هنا بصدد الحديث عن جدوى هذه المحطة الإخبارية، في ظل إعادة صياغة المشهد الإعلامي في مصر خلال السنوات الثلاث الماضية، أو عن النموذج الذي ستتبعه، هل ستكون مثل هيئة الإذاعة البريطانية المستقلة ماديًّا وتحريريًّا عن الدولة البريطانية وفق مرسوم ملكي منذ عام 1927؟ أم ستكون نسخة من القنوات العربية المبهرة في شكلها، والتابعة في مضمونها بشكل صريح لتوجهات دولها٬ المتحكم الرئيس في مصادر دخلها؟

ما لفت الانتباه أن الإعلان الرئاسي جاء متزامنًا مع إعلان معهد تومسون رويترز، بالتعاون مع جامعة أوكسفورد البريطانية العريقة، أن العام الماضي شهد للمرة الأولى هبوطًا حادًّا في معدلات مشاهدة القنوات الإخبارية على مستوى العالم، بعد عقود طويلة من الازدهار.

فيسبوك، بدوره نشر في تقريره السنوي للعام الماضي، أن نسب مشاهدة الفيديوهات عبره زادت بنسبة 75٪، مقارنة بعام 2015، لتصل إلى 8 مليارات مشاهدة يوميًا.

تقرير "رويترز" الذي يعد الأكبر والأكثر تعقيدًا في عالم الأخبار، بعينة شملت 50 ألف شخص، في 26 دولة من مختلف دول العالم المتقدم والنامي، أشار بشكل واضح إلى أن الأكثر تهديدًا لوجود شبكات الأخبار العالمية هو اتجاه المشاهد لمواقع التواصل الاجتماعي للحصول على المعلومة، خاصة خلال الأحداث الكبرى.

أثناء اعتداءات باريس، في 13 نوفمبر 2015، استخدم أحد المارة، ويدعى ستيفان هاناش، خاصية Facebook Live لتصوير الاعتداء، بعد أن تصادف مروره أمام مسرح الباتاكلان، أحد مواقع الاعتداءات. هاناش، استطاع جمع أكثر من 100 آلف مشاهدة خلال خمس دقائق فقط من بدء تصويره.

تلك الصدفة التي قادت أحد المارة، تلقفتها مراكز أبحاث الإعلام في العالم، كأحد أكبر الدعاية لقدرة التطور التكنولوجي على كسر شوكة هيمنة وسائل الإعلام التقليدية، خصوصًا في تغطية الأحداث الكبرى. هيئة الإذاعة البريطانية نشرت 175 مقطع فيديو عن الاعتداءات خلال أسبوع من وقوعه، إلا أن أيًا منها لم يصل لربع التأثير أو الوصول الذي حظي به فيديو هاناش.

في سبتمبر 2014، حاولت شبكة الجزيرة التغلب على اضطرابات شديدة أصابتها بعد تقليص عدد العاملين فيها، وإغلاق خدمتها الأمريكية، وازدياد الانتقاد لدورها في الشرق الأوسط. دشنت الشبكة صفحة على فيسبوك تحت اسم AJ+ دون موقع إلكتروني، فقط صفحة على فيس بوك. ونشرت الشبكة في رؤيتها لخدمتها الجديدة أنها ستوجّه محتواها بشكل كامل إلى مواقع التواصل الاجتماعي، فيسبوك، وتويتر، وإنستجرام، ويوتيوب، معتبرة أن المشاهدة على هذه المنصات فقط، هو التطور القادم في استهلاك الأخبار.

كسرت AJ+ كل قوالب إنتاج التقارير الإخبارية المعروفة. أنتجت مقاطع فيديو لا تزيد على 90 ثانية، حتى لا تصيب المشاهد بالضجر، وكتبت عناوين كبيرة الحجم على خلفيات زاهية الألوان، دون تعليق صوتي، لأن معظم المشاهدات تتم على الهواتف الذكية وسط أجواء صاخبة كالمواصلات العامة.

استطاعت هذه الخدمة الوليدة إعادة تعريف مشاهدة الفيديو عبر مواقع التواصل الاجتماعي في العالم، بعد أن تسببت في زيادة نسب مشاهدة الفيديوهات عبر فيسبوك 500 مرة خلال ستة أشهر فقط من انطلاق الصفحة، وتجاوزت مشاهدة الصفحة، المليار، بعد أقل من عام واحد فقط، والآن يبلغ إجمالي مشاهدة فيديوهات AJ+ أكثر من 12 مليارًا، بمتوسط مشاهدة زاد عن المليون للمقطع الواحد.

وترفيهيًا، فاستحداث منصات مثل Netflix و Amazon TV بمفهوم مشاهدة المحتوى المفضل في الوقت المفضل، قلل كثيرًا من نسب مشاهدة قنوات الأفلام في العالم، وصناعة الترفيه بشكل عام.

ما يعطي نفسًا أخيرًا للقنوات الإخبارية أن الغالبية العظمى من مستخدمي الإنترنت حتى الآن يفضلون قراءة الأخبار، وليس مشاهدتها لأسباب أهمها على الترتيب، أن القصة المكتوبة أسهل وأسرع من المرئية، والإعلانات التي تسبق عرض الفيديو تصيب المشاهد بالملل، والفيديوهات تأخذ وقتًا طويلاً في التحميل، وحجم شاشة الهاتف ليس مناسبًا للمشاهدة، والفيديو لا يضيف شيئًا للقصة المكتوبة، والخوف من نفاد باقة الإنترنت على الهاتف.

وعلى الرغم من ذلك، فانتشار الهواتف الذكية بشاشات عالية الجودة، وانتشار برامج التصوير والمونتاج البسيطة على الهواتف، بالإضافة لهبوط أسعار الإنترنت في المنازل، وباقات الإنترنت على الهواتف ساعد كثيرًا على انتشار مشاهدة وقراءة الأخبار عبر الإنترنت، ما جعل 79٪ من رؤساء مجالس إدارات كبريات المؤسسات الإعلامية في العالم ينتوون خلال عام 2018، الاستثمار أكثر في الفيديوهات المخصصة لمواقع التواصل الاجتماعي، لزيادة التواصل والارتباط مع المشاهد.

هذه الاتجاهات موجودة أيضًا في مصر، ولكن دون دراسات بحثية تعطي نتائج مباشرة عن احتياجات الجمهور المصري، فعلى سبيل المثال لا توجد إحصاءات دقيقة حول عدد مستخدمي الإنترنت في مصر، وعدد مستخدمي الإنترنت عبر الهاتف الذكي، وكم من هؤلاء المستخدمين يقرأ الأخبار، وما هي نوعية الأخبار المقروءة، وما هي أعمارهم، وأين يتمركزون جغرافيًا في محافظات مصر، وكم منهم يستخدم حواسب سطح المكتب، وكم يستخدم الحواسب المحمولة، وما هي أنواع الهواتف الذكية المستخدمة في قراءة الأخبار، وكم يبلغ سعرها، وهل يعتمدون على مواقع التواصل الاجتماعي في قراءة الأخبار، أم يدخلون مباشرة على المواقع؟

الوصول لإجابات حول هذه التساؤلات، وتجميع إحصاءات دقيقة حولها، سيوضح بشكل علمي كاشف اتجاهات الجمهور المصري وأنماط مشاهدته. وهو أسلوب، في اعتقادي، يخدم توجه الدولة، الداعمة للدراسة والتدقيق فبل الحديث، وكان من الأولى اتباعه قبل إعلان رئاسي عن أنماط مشاهدة تقليدية، بدأ العالم، حتى الدول الفقيرة، في التشبع منها والعزوف عنها، وتكلف الدولة أعباء إضافية ضخمة هي في غنى عنها، ودون الوصول إلى التأثير المستهدف منها.

* باحث في مجال الصحافة الرقمية مقيم في بريطانيا
mohamedhelmymohsen@yahoo.com

إعلان

إعلان

إعلان