لم يتم العثور على نتائج البحث

إعلان

ثقافة الكلمات المتقاطعة

ثقافة الكلمات المتقاطعة

محمد شعير
09:01 م الخميس 26 أكتوبر 2017

جميع الآراء المنشورة تعبر فقط عن رأى كاتبها، وليست بالضرورة تعبر عن رأى الموقع

كنا صغارا. مكتبة أبي متاحة لنا: كتب الفقه والتفسير والسيرة، وقصص الأنبياء ومعاجم اللغة. نقرأ ما نشاء وقتما نشاء، المهم أن نقرأ. تكونت لدينا حصيلة لا بأس بها من المعلومات، التي كنا نستعرض بها على أصدقاء الطفولة. كنا نتفاخر بأننا نعرف اسم البئر التي أُلقي فيها يوسف الصديق، أو اسم كلب أهل الكهف، او اسم فيل أبرهة؟

ونستطيع أن نجيب على الأسئلة التي لا يعرف إجابتها كثيرون: هل فرعون موسي هو رمسيس الثاني أم الوليد؟ الأرض التي نزل إليها آدم؟ واسم الحية التي تسببت في طرده ولونها؟ اسم الكبش الذى افتدي به إسماعيل؟ ومئات غيرها مما تمتلئ به كتب التراث.. وتكشف عن عقلية مولعة بالعجائبي والساحر. كانت معلومات لا فائدة منها سوى الاستعراض، تصلح لحل الكلمات المتقاطعة أكثر من كونها تشكل منهجا أو طريقة في التفكير. 

ولأن مساحة المكتبة كان أصغر من أن تستوعب كل الكتب، وضع أبى الكثير منها في كراتين ودفع بها أسفل سرير نومه، كانت الكتب "الممنوعة" أو بالأحرى المخبأة أكثر إثارة بالنسبة لنا من الكتب المتاحة، لذا كنا نتسلل –شقيقي وأنا– لنمزق جزءا من هذه الكراتين لمحاولة معرفة سر هذه الكتب. 

شاهدنا ذات مرة، فقرر أن يقوم هو بإخراجها وفرزها.. وناولني– ولم أكن تجاوزت العاشرة- كتب "أهل الكهف" لتوفيق الحكيم، و"شجرة البؤس" و"دعاء الكروان" لطه حسين، و"خان الخليلى" لنجيب محفوظ، و"نداء المجهول" لمحمود تيمور، وروايات مترجمة نزعت أغلفتها فلم نعرف عناوينها.. قرأنا هذه الكتب بشغف، ثمة متعة أخرى في هذا العالم، طرق أخرى للتفكير والكتابة والمساءلة.. تحررنا من ثقافة الكلمات المتقاطعة والشغف بها. انفتحت بالنسبة لي طاقات أخرى مختلفة عن قراءات الطفولة ومجلاتها.

الآن أضحك كثيرا، وأنا أشاهد رجال دين، شيوخ طاعنين في السن، وهم يقتحمون حياتنا في برامج الفتاوى وهم يتحدثون عن فرعون موسي.. وتنشغل دار الافتاء بحقيقته، وشيوخ آخرون يختلفون حول اسم كلب أهل الكهف.. واسم فيل أبرهة. يبدو أن الشيوخ يحتاجون ان يفتشوا في خزانة كتبهم بحثا عن كتب أخرى مفيدة، لعلهم يكبرون كما كبرنا!

إعلان

إعلان

إعلان