لم يتم العثور على نتائج البحث

إعلان

ميراث الحرب والعجز..!

مآسي الحروب

ميراث الحرب والعجز..!

10:17 ص السبت 05 سبتمبر 2015

جميع الآراء المنشورة تعبر فقط عن رأى كاتبها، وليست بالضرورة تعبر عن رأى الموقع

بقلم- محمد أحمد فؤاد:

يحمل أول سبتمبر من كل عام ذكرى أحد أفظع جرائم البشر على الإطلاق "الحرب العالمية الثانية"..! تاريخ مآسي الحروب أزلي وممتد، لكن تتفرد تلك المأساة بأنها الأبشع من حيث النتائج، فمعاركها أبادت ما يفوق 62 مليون من القتلى مدنيين وعسكريين، وهو رقم مروع قياساً على تاريخ الحروب، وتقول مصادر أن عدد الضحايا بين قتلى وجرحى ومشردين تراوح بين 50 و 85 مليوناً، أي ما يعادل 2.5 في المئة من سكان العالم حينها، ناهيك عن ما خلفته من ويلات اجتماعية واقتصادية، ودمار ألاف المنازل والأفدنة ومئات المدن والقرى التي حصدتها نيران حرب لم تعرف للشفقة معنى على مدار ستة سنوات ويوم واحد..!

 التاريخ يتجلى اليوم ليعيد مآسي الحروب بصورة أو بأخرى، ربما أكثر إيلاماً لأنها تمس كرامتنا نحن دون غيرنا.. اختلف مسرح الأحداث، وتبدلت هويات الضحايا، لكن يبقى صناع الحروب متسمرون إلى عروشهم لا يهتزون ولا يتحرك لهم ساكن.. ويستمر العرض المبتذل إلى أجل لا يعلم مداه حتى الشيطان نفسه.. لا داع لأن ننبش كثيراً في تاريخ صناعة الحروب، ولكن فقط دعونا نحاول اكتشاف أوجه التشابه بينها، فهذه حرب عالمية مباشرة انتهى أطرافها لخراب ودمار شامل طال الجميع حينها، لكنهم تداركوا الأمر قبل فوات الأوان، وتلك حرب حالية غير معلومة المدى تدار بالوكالة لصالح نفس الأطراف، وتزداد مآسيها يوماً بعد يوم في غفلة ممن كانوا يوماً أصحاب اليد العليا في المنطقة.. ومن يدري؟ ربما بموافقتهم..!

 ألمانيا اجتاحت بولندا عام 1939، واسقطت باريس 1940، وغزت الاتحاد السوفيتي 1941.. كان تطور الأحداث حينها مخيفاً، ومال في البدايات لمصلحة النازي ودول المحور، فتجرأت اليابان وهاجمت القاعدة البحرية الأمريكية في بيرل هاربور ديسمبر 1941، وكانت قد أعلنت الحرب قبلها على الصين في يوليو 1937، مما حدا بالولايات المتحدة الأمريكية دخول الحرب مباشرة لتحتل مقعد القيادة، ولتشتعل خارطة العالم في أوروبا والمحيط الهادي وشمال افريقيا ووسط أسيا وبحر الصين، وتتبدل دوائر المصالح والنفوذ بالتبعية. بعيداً عن نتائج ربما قُتِلَت بحثاً، وجب الانتباه جيداً أمام مسالة صعود أنظمة وهبوط أخرى بشكل أثر على توجه الطموحات السياسية حينها، وأظنه ما زال يلقي بظلاله على المشهد الحالي، فسنجد مثلاً في مقابل سقوط نازية هتلر وفاشية موسوليني وديكتاتورية هيروهيتو، حدث صعود موازي لديموقراطية روزفلت وشيوعية ستالين واشتراكية شيانج كاي شيك..!

 وبخلاف ما طرأ على ملامح خارطة العالم السياسية على إثر نتائج الحرب، كان انحسار نفوذ القوى الأوروبية كنتيجة مباشرة لها هو علامة تاريخية فارقة، فخروج دول عديدة منكسرة من الحرب، حتى بريطانيا وفرنسا المنتصرتين مع جيش الحلفاء، كان بمثابة تمهيد لبداية الحرب الباردة التي عاشتها أوروبا لاحقاً، وسنوات المعاناة بالأخص لألمانيا وإيطاليا وفرنسا تحت وطأة اضطرابات وضغوط اجتماعية كثيفة واكبت مراحل اعادة البناء والتأسيس للمستقبل؛ فهل كان هذا الأمر محسوماً بين الاتحاد السوفيتي والولايات المتحدة قطبي الاستعمار في مراحل ما تلى الحرب؟ وهل كان إخراج أوروبا من المشهد السياسي أمر متفق عليه ولو بصورة غير معلنة؟ نظرة عابرة على ما سرده التاريخ من أحداث لاحقة يوحي حتماً بأن مقاليد السيطرة والسيادة لم تخرج أبداً عن كلا القطبين حتى جاءت تسعينات القرن الماضي، وتغيرت المعادلات السياسية نوعاً ما، وقام الاتحاد الأوروبي الذي ضم 28 دولة بعد مخاض صعب عام 1992 على أساس الاتفاقية المعروفة بمعاهدة ماستريخت، وهنا يجدر بالذكر أن أهم مبادئ هذا الاتحاد كان نقل صلاحيات الدول القومية إلى المؤسسات الدولية الأوروبية لتكوين نواة تكتل اقتصادي وسياسي قوي يستطيع المنافسة من جديد، لكن دون تسمية فيدرالية، لهذا يمكن اعتباره نموذج للتحرر الاقتصادي والسياسي فريد من نوعه.

 لنترك التاريخ قليلاً ونعود للمشهد المعاصر ولغة المصالح، تجارة السلاح وحمى السيطرة على مسارات التجارة العالمية ومنابع النفط والتوسع في ايجاد أسواق تجارية جديدة كبديل شرعي للمستعمرات كانت وستظل الهاجس الأكبر في صراعات الكبار من عصابات سادة العالم.

 يتجدد الصراع مع نشاط الاتحاد الأوروبي بقيادة ألمانيا وطموح العودة للمشهد بقوة، فيحمل لواء معاقبة روسيا بقسوة على طموحاتها التوسعية بعد تفكك معسكر الشرق، ويتجه أغلب الدول الأعضاء إلى استراتيجية منافسة الولايات المتحدة في تجارة السلاح والتكنولوجيا بنظام حرب الأسعار وإيجاد البدائل المغرية في ظل اشتعال دوائر الحروب المحلية في الشرق الأوسط وأفريقيا أكبر أسواق السلاح على الإطلاق، وينتعش اقتصاد أوروبا نسبياً مستفيدين من تدني غير مسبوق في أسعار النفط المترتب على نتائج الحروب في دول المنابع.

 مع تبدل قواعد اللعبة السياسية أصبحت المواجهة شبه حتمية، لكن ليس بالضرورة بصورة مباشرة، فتغيرت تشكيلة التحالفات، وتم نقل ساحة الصراع بعيداً عن العمق الاستراتيجي. مناطق نفوذ جديدة يتم تقسيمها بصورة ممنهجة لتصب في صالح نفس القوى سالفة الذكر، لكن الأن بواسطة وكلاء محترفون، بعضهم كجماعات الإرهاب من المرتزقة المدربين على القسوة المفرطة والوحشية في التعامل مع أصحاب الأرض. والبعض الأخر دول تحكمها أنظمة عميلة تتحكم في مصائر شعوبها بطريقة الفرز العنصري واضطهاد الأقليات كدولة الاحتلال الصهيوني وتركيا وبعض البلدان العربية مع الأسف.

 للقارئ الكريم مطلق الحرية في المقارنة بين المشهدين؛ مشهد حرب عالمية وتبعاتها أدت لصعود جديد لحضارة أوروبا، ومشهد حرب شرق أوسطية حالية تتحلل بفعلها حضارتنا. في كلا المشهدين الجاني مشترك مع اختلاف الضحية. وظني أن النهايات المأساوية الحالية بين دمار وتشريد وتقسيم قد جمعتنا على واقع واحد مؤلم؛ فهل حان الوقت للاستفاقة والاعتراف بمسئوليتنا جميعاً شعوباً وأنظمة حاكمة عن هذا العجز الشامل. عجز عن استرداد الحقوق أو التحرر من سيطرة المستعمر، عجز عن إنصاف شعوبنا وحماية مستقبل أبنائنا، عجز عن حفظ وحدة هويتنا ولغتنا أمام طوفان من الحداثة يدفعنا دون أن ندري للعودة لعصور الجهل والظلام. وأخيراً العجز التام عن فهم قيم ومعاني الحرية حتى أن البعض يظن من يطالب بها قليل الأدب..!

إعلان

إعلان

إعلان