إعلان

الترامادول والحل الأمني

دكتور حامد محمد حامد

الترامادول والحل الأمني

10:33 ص الأربعاء 25 فبراير 2015

جميع الآراء المنشورة تعبر فقط عن رأى كاتبها، وليست بالضرورة تعبر عن رأى الموقع

بقلم - دكتور حامد محمد حامد:

''عشان الواحد يقدر يعيش في البلد دي لازم يشتغل الطاق طاقين، ده اللي بيخلينا ناخد الترامادول''، هكذا لخص أحد الأشخاص علاقته الترامادول ، وهو رأي شرائح واسعة من متعاطيه لا ترى في الترامادول سوى ''منشط'' لا أكثر ولا أقل .

الترامادول في واقع الأمر هو أحد مشتقات المورفين، تم استحداثه في المانيا سنة 1977، كمسكن للآلام الحادة والمزمنة، وظل لسنوات طويلة يتم تداوله في مصر كمسكن عادي، إلى أن تم ضمه للجدول الثاني منذ نحو 10 سنوات - وأدوية الجدول الثاني يتم صرفها بموجب روشتة طبية عادي ، وأخيراً تم نقله للجدول الأول منذ أول سبتمبر 2009 م ، لتبدأ المشكلة الحقيقية اعتباراً من هذا التاريخ .

وأصل المشكلة يرجع إلى تعقيد منظومة صرف الأدوية المخدرة، فالصيدليات تحجم عن استلام حصصها من الأدوية المخدرة (أدوية الجدول الأول)، وذلك تجنباً للمشاكل، حيث تخضع الصيدليات التي تستلم أدوية الجدول لتفتيش مستمر من وزارة الصحة، وأي نقص في عهدة الأدوية المخدرة يضع الصيدلي تحت المسئولية القانونية .

أما الأطباء فقانوناً، يجب أن يتم كتابة الأدوية المخدرة على دفتر روشتات خاص يتم صرفه من وزارة الصحة، بحيث تكون الروشتة من نسختين، نسخة يسلمها الطبيب لوزارة الصحة، والنسخة الثانية يحتفظ بها الصيدلي بعد أن يطابق الاسم الذي عليها ببطاقة الرقم القومي للمريض، ويحتفظ بصورة ضوئية منها !.

وبين الأطباء الذين يتجنبون استلام دفاتر الروشتات من وزارة الصحة، والصيادلة الذين يرفضون تسلم حصص الأدوية المخدرة، لا يجد المرضى أمامهم سوى الترامادول الصيني كحل وحيد .

أي أن تعقيد منظومة صرف الأدوية المسكنة المخدرة هو الذي حوّل هذه الأدوية، وأهمها الترامادول، من أدوية يمكن مراقبتها عن طريق متابعة الصيدليات التي تصرف حصصاً مبالغ فيها من هذه الأدوية ، إلى ''سلعة مهربة'' يتم تداولها بشكل غير رسمي وبشكل واسع كأي سلعة أخرى من التي نراها على أرصفة العتبة مثلاً .

وعلى مدار الست سنوات الماضية ، أصبح الترامادول الغائب الحاضر دائما، وبحسب إحصاءات صندوق مكافحة الإدمان عن نسب تعاطي المواد المخدرة ،يشكل إدمان الترامادول أعلى نسبة بين أنواع المخدرات المختلفة، فلتأثيره يخفي الشعور بالألم والتعب مؤقتاً، اتسعت شرائح مستخدميه بصورة لم يسبق لها مثيل في تنوعها، ابتداءً من العمال و أصحاب الحرف اليدوية الشاقة ، مروراً بالسائقين، والموظفين والمدرسين وطلبة المدارس و الجامعات، كما تستخدمه شرائح واسعة من المتزوجين لعلاج سرعة القذف، وبلغ انتشار الترامادول درجة أن هناك ربات بيوت وأمهات موظفات يتناولنه باستمرار، لكي يستطعن ممارسة أعباءهن المنزلية بالإضافة إلى وظائفهن، وما أن ينتهي تأثيره يشعر الشخص بآلام مبرحة فلا يجد أمامه سوى أخذ جرعة أخرى، وهكذا يدخل إلى دائرة التعود ثم الإدمان.

وبين ليلة وضحاها صدر ''قرار ما'' يقضي بمنع وجود الترامادول الصيني تماما، يذكرنا بقرار آخر مشابه في منتصف 2010 ، اختفى على إثره مخدر الحشيش كلياً، مثل هذه القرارات لا يُعرف أبداُ من وراءها ولا ما مصلحته في ذلك، ولا يمكن أبداً أن تكون نتيجة لنشاط مفاجئ لمكتب مكافحة المخدرات، بدليل توفر أنواع المخدرات الأخرى باستثناء الترامادول!.

والخلاصة أن أزمة الترامادول الحالية ليست إلا استمرارا لمسلسل الحلول الأمنية الخرقاء، بدون أي أي تنسيق مع وزارة الصحة مثلا لتسهيل صرف الترامادول بصورة شرعية للمرضى، أو دراسة للأسباب الاجتماعية والثقافية التي تدفع لتعاطى الترامادول تحديدا، أو توفير دعم نفسي أو برامج علاجية أو حتى خط ساخن لمدمني الترامادول الذي تقدرهم الدولة بعدة ملايين شخص، خاصة مع توافر أنواع أخرى من المخدرات أشد خطورة من الممكن جداً أن يلجأ إليها مدمن الترامادول كبديل لغيابه ، مما ينذر بكارثة حقيقية على الأبواب.

لمتابعة أهم وأحدث الأخبار اشترك الآن في خدمة مصراوي للرسائل القصيرة للاشتراك ...اضغط هنا

إعلان

إعلان

إعلان