إعلان

هبة البنا تكتب: راحة ضمير بجنيه

هبة البنا

هبة البنا تكتب: راحة ضمير بجنيه

01:41 ص الأربعاء 17 ديسمبر 2014

جميع الآراء المنشورة تعبر فقط عن رأى كاتبها، وليست بالضرورة تعبر عن رأى الموقع

اترك ما بيدك.. جيد.. ابحث بأطراف أصابعك في قاع الحقيبة أو المحفظة أو درج السيارة أو حتى جيبك، ممتاز، الآن أخرج ما تجده من قطع معدنية وألقه بهذه الكف المتسخة الممدودة أمامك بإزعاج، الآن انتهى الوجع، تشعر بتحسن كبير أليس كذلك؟ ولم يكلفك الأمر سوى جنيه واحد أو أقل يا لها من صفقة.

هذا ما تفعله غالبا ببساطة عندما ينجح أحدهم باستثارة غريزة العطف لديك، قد تزيد الكلفة إذا صاحب العطف أعراض للشعور بالذنب والتقصير، لكن لا تقلق لن يحتاج الأمر إلا إلى جنيه آخر، وهو في الغالب يعرف كيف يوجعك لأقصى درجة كي تتخذ القرار بأقصى سرعة للتخلص من الوجع.

أما إذا أردت مميزات إضافية كاستبدال وخز الضمير، بالشعور بالأبهة والسطوة، فهنا قد يصل الثمن إلى عملة ورقية أقل فئة تتوافر فيها هي الخمس جنيهات، ولكن ”الغالي ثمنه به”، فأنت إذا تهورت وأخرجتها من جيبك، ستستمع بسيل من الدعوات والتضرعات لأجلك، وربما محاولة لمسح السيارة، مما يعطيك فرصة للتواضع والابتسام والتكرم بكلمات رقيقة، بل ورفض مسح السيارة مقابل الجنيهات، وهنا تصل لذروة الإحساس، فيتأكد لك أنك رجل كريم، وطيب ومعطاء وخير، وتفعل كل ما عليك تجاه الله والمجتمع، وتذهب إلى بيتك قرير العين والبال لتستمع بصحتك وما أوتيت من نعم.

هل بدا لك أي شيء غريب في تلك المقدمة الطويلة، هل استغربت النبرة أو شعرت فيها بالسخرية، إذا كان راودك هذا الشعور، فأنت إنسان طبيعي والحمدلله، أما إذا لم يراودك، فأقترح أن تراجع نفسك في معتقداتك وقناعاتك.

ربما ليس لدى بعضنا سوى هذه السبل ليشعر بقدرته على المشاركة، ولكني حقا أرى هذه الطريقة هي الأسوأ والأرخص والأقل فاعلية، صحيح أنني لم أجد طريقة بديلة تتناسب مع نمط حياتي حتى الآن، إلا أنني ألوم نفسي بعد كل مرة أستسلم فيها للتخلص السهل من وخز الضمير تجاه المعذبين بالأرض من فقراء ومرضى ومشردين وأطفال مساكين.

لا أقول أن الصدقات شيء سيء، البعض فعلا يحتاج إلى المعونة العاجلة، لكي يسد جوعه أو يحصل على دوائه، ولكن إن ظللنا نعتمد في تكافلنا الاجتماعي على التصدق، فلن ينتهي وخز الضمير أبدا، ولا أعتقد أن الإنسان الذي ربط أطراف العالم بمجموعة من الألياف الضوئية، وربط الأرض بالسماء، بأسطح عاكسة، لا أتصور أبدا أن لا يكون لديه حل نهائي للفقر، أو حتى تدريجي، حل يقضي على هذا الوحش المقزز الذي نراه يوميا ونتعايش معه وكأننا مرغمين.

ألم رؤية فقير أو معذب، لا يقل درجة عن ألم الجوع نفسه أو التعذب، فكيف لك أن تستمتع بـ”ساندويتش” وأنت ترى من ينظر إليك وعينه كلها شوق للتعرف على ما تأكله، كيف يمكن أن تتدثر بمعطفك باستمتاع، وأنت تمر بمنتهى البساطة على شريد نائم شبه عار على الرصيف تحت الأمطار والعواصف والثلوج التي تكاد تتساقط، وقد تزايدت هذه المشاهد مؤخرا.

لا اقتراح لدي الحقيقة، لكني فقط أطرح الموضوع للتساؤل، هل هناك من يؤنبه ضميره مثلي في حال أعطى أو لم يعط؟

هل هناك من يفكر في أنه في كل مرة يتصدق لطفل مثلا فإنه يصنع منه عاطلا مستقبليا، وكيف إذا لم نعطه، هل نضمن أنه لن يموت جوعا في هذا البلد، أو يحدث ما هو أسوأ؟

هل تفكر في الرجل المعافى الذي يمد يده أو حتى العجوز، الذي قد يجمع مئات الجنيهات في ساعة بدون وجه حق، حينما يكدح من هو أضعف منه لساعات في البناء والحمل والأعمال الشاقة من أجل عشرات الجنيهات لا تكفي الطعام وحده؟

هل وقعت يوما في الاختيار بين هل أفسد هذا السائل وأصنع منه شحاذا محترفا، أم أتركه لتعبث به الأقدار وهو ونصيبه، وهل لو توصلت لقرار وامتنعت لاقتناعك بأن من لا يعمل لا يستحق، هل تضمن ألا يفسد غيرك ما حاولت إصلاحه؟

هل يحتاج هذا البلد، ضمن إعادة البناء، إعادة بناء وعي جمعي لكي ”نقعد مع بعض ونتفق” ماذا سنصنع بهذه القضايا الإنسانية التي تبدو صغيرة بجانب ما يطرح تحت مسمى أمن قومي؟؟

أسئلة لا أبحث لها عن إجابة بقدر ما أسعى أن تطرحها أنت على نفسك، وتخرجها للسطح، فقد نحتاج للتحاور فيها قريبا، ربما يحدث تغيير حقيقي في أي شيء ونحتاج لرأيك.. شكرا لتفكيرك مقدما.

لمتابعة أهم وأحدث الأخبار اشترك الآن في خدمة مصراوي للرسائل القصيرة للاشتراك ...اضغط هنا

إعلان

إعلان

إعلان