إعلان

خالد داود يكتب ..وزير داخلية تحت الطلب - (مقال)

خالد داود يكتب ..وزير داخلية تحت الطلب - (مقال)

05:18 م الأحد 28 يوليه 2013

جميع الآراء المنشورة تعبر فقط عن رأى كاتبها، وليست بالضرورة تعبر عن رأى الموقع

بقلم - خالد داود:

كان استمرار وزير الداخلية محمد إبراهيم ليوم واحد في منصبه، بعد فضيحة "حمادة المسحول" أمام قصر الاتحادية قبل ستة أشهر فقط ، فضيحة في حد ذاتها، وتأكيد على ضرورة استمرار ثورة 25 يناير لأن أهدافها لم تتحقق بعد. نعم، الأحداث كثيرة ومتلاحقة، والدماء تفيض وليس فقط تسيل، وآخرها مأساة مقتل 72 من المواطنين المصريين من مناصري الإخوان في الساعات الأولى من صباح السبت في بالقرب من نصب الجندي المجهول. القلب يدمي لمقتلهم، وخالص العزاء لأمهاتهم وأسرهم، تماما كما كان العزاء واجبا لمقتل 57 مصريا معظمهم في سن الشباب أمام مقر الحرس الجمهوري في 8 يوليو.

ولكن واقعة "المسحول" بقيت، بالنسبة لي، لحظة فارقة ونموذج يقترب إلى حد العبث والخيال الروائي في كشف المدى الذي يمكن أن تذهب له الدولة السلطوية، لتبرير ما لا يمكن تبريره، خصوصا مع بقاء وزير الداخلية في منصبه رغم كل ما شهدناه من تغيرات مؤخرا. كما كانت حادثة "حمادة" تأكيدا لا لبس فيه أن الدولة الإخوانية لم تكن ترغب في بناء ديمقراطية أو حرية كما يزعم ويتباكى قادة الإخوان في رابعة الآن. ودعونا لا ننسى جميعا كيف سعى محمد البلتاجي وصحبه في تبرير واقعة "حمادة" بالقول أن هذا المواطن المطحون كان "بلطجي" يتم استئجاره للمشاركة في مظاهرات تأييد المخلوع وجماعة "إحنا آسفين يا ريس."

الإخوان، ببساطة، كانوا يريدون أن تقوم وزارة الداخلية وأجهزة الدولة بقمع معارضيهم، تماما كما كانت تفعل تلك الأجهزة في عهد المخلوع مبارك وعلى مدى العقود الستة الماضية. لسان حال الرئيس السابق مرسي وقادته في مكتب الإرشاد، بعد أن أقروا تعيين وزير الداخلية الحالي ووثقوا فيه، كان: كنتم تقمعون المعارضين لرئيس ديكتاتور وتزورون له الانتخابات. اما أنا جئت عبر الصندوق، وبالتالي يجب عليكم أن تكون اكثر إخلاصا في قمع المعارضين لي لأنهم يعارضون رئيس شرعي منتخب. يا له من فهم للديمقراطية!.

لم يعتذر الوزير ابراهيم أو يستح أو يستقيل على الفور بعد حادثة "حمادة،" بل قرأ لنا بوجه جامد، واثق بيانا رسميا يريد به أن ننكر عقولنا ونكذب عيوننا لنصدق أن حمادة هو الذي اعتدى على قوات الأمن المركزي بالضرب، وهو الذي خلع ملابسه في إطار أنه مواطن منحرف. وزاد ابراهيم الطين بلة بقيامه بإصدار الأوامر لكبار رجال الأمن باصطحاب كاميرات التلفزيون الرسمي إلى المستشفى حيث يرقد المسحول ليتم تصويره محاطا باللواءات، مبتسما، سعيدا، شاكرا مهللا لأن وزير الداخلية أنقذه من شرور نفسه وسيئات أعماله.

أنصحكم بقراءة رواية الكاتب الإنجليزي الشهير "جورج أوريل" 1984 عن "الأخ الأكبر"، أو الحاكم الديكتاتور المطلق، وكيف كان يتم تزييف وإعادة كتابة التاريخ وفرض الروايات الرسمية على المواطنين حتى لو كانوا شاهدوا بأنفسهم وأعينهم واقعا مخالفا تماما. ستجدون في تلك الرواية الهامة شخصية تكاد تنطق باسم اللواء ابرهيم، وزير داخلية كل العصو بكل كفاءة.

اللواء وزير الداخلية الحالي كان لا يستطيع حضور جنازات ضباطه الذين يسقطون في مواجهات يومية مع المجرمين والبلطحية في عهد مرسي، خاصة ممن كانوا يقتلون في سيناء بدم بارد، لأن الأوامر التي كانت صادرة لهم من "الرئيس المنتخب" كانت تقضي بعدم مواجهة "الإخوة" في الجماعات الجهادية في سيناء بعد أن بايعوا الرئيس الإخواني. ولذلك فور أن رحل مرسي، ووفقا لتصريحات الدكتور البلتاجي الشهيرة، عاد الإرهابيون للقتل على نطاق واسع "تعبيرا عن الغضب من عزل الرئيس الشرعي."

رحل مرسي، وبقي اللواء ابراهيم ليثير ذلك الكثير من التساؤلات حول سر استمرار هذا الرجل الذي كان يطالب المعارضون في عهد الإخوان بإقالته، لأن قواته قتلت شهداء أبرار كمحمد الجندي ومحمد كريستي وعمرو سعد، ولتقاعسه التام عن تحريك أي دعاوى للتحقيق في اعتداءات ميليشيا الإخوان على المتظاهرين السلميين أمام الإتحادية، وقتل الشهيد الحسيني أبو ضيف في ديسمبر العام الماضي، ولاحقا الاعتداء على الناشطين أمام مقر الإرشاد السابق في المقطم وعدم الاكتراث بإلقاء القبض على نشطاء الإخوان الذين يصدر لهم أوامر ضبط وإحضار. وبالترتيب والتنسيق مع النائب الخاص (العام) السابق الذي عينه مرسي، لم يبد اللواء ابراهيم أي ممانعة أو معارضة لاستخدام أجهزته الأمنية لقمع معارضي الرئيس السابق الذي قام بتعيينه.

وظهر أمس، اضطررنا للاستماع لوصلة أخرى طويلة من السخف والعبث في مؤتمر صحفي (كلاكيت تاني مرة) للوزير. اللواء خرج أيضا بوجه صارم، بل واستهتار وابتسامات مستفزة، لتبرير سقوط هذا العدد الضخم من القتلى من المواطنين المصريين في مواجهات طريق النصر الدموية. سيادة اللواء زعم، وأراد اقناعنا، أن قوات الأمن المركزي لم تستخدم سوى الغاز المسيل للدموع، وأن القتلى، الذين لم يشر حتى لعددهم أو يترحم عليهم، ماتوا لأسباب غير معلومة في اشتباكات مع أهالي والمنطقة. بس خلاص. واللي مش عاجبه يشرب من البحر.

اليوم صدر تقرير مبدئي من مستشفى التأمين الصحي، يفيد بأن الـ 31 جثة الذين تلقتهم المستشفى لقوا مصرعهم جميعا تقريبا بطلقات نارية في الرأس والصدر. إذن من أطلق الرصاص؟ الوزير يقول أنهم أهالي المنطقة، ولكن هؤلاء كانوا يقفون جنبا إلى جنب بجوار قوات مكافحة الشغب كما رأينا في معظم الفيديوهات. أين مسئولية قوات الداخلية إذن في حماية أرواح المصريين، بغض النظر عن توجههم السياسي؟.

أنا أدافع عن حق كل المصريين في الحياة، رغم معارضتي الشديدة للإخوان وذلك لإدراكي وتيقني أن "الأخ الأكبر" الكامن في قلب وزارة الداخلية والأجهزة الأمنية ما زال باقيا، جاثما. وما وزير الداخلية الحالي إلا قمة جبل الثلج الظاهر من رأس "الأخ الأكبر." هو وزير كل العصور، وزير تجت الطلب، ولا تكفي فقط إٌقالته. بل لابد من العودة لمطلب أساسي من مطالب ثورة 25 يناير نتمنى أن تعطيه الحكومة الجديدة الأولوية: إعادة هيكلة أجهزة الأمن، وترسيخ ثقافة احترام ارواح وحقوق البشر.

الدرس التاريخي الذي تعلمناه نحن في مصر جيدا من حقبة التسعينات وإرهاب الجماعة الإسلامية وتنظيم الجهاد، هو أن الدماء والاستهتار بأرواح وحقوق البشر، لا يأتي إلى بمزيد من الدماء، خاصة إذا كان قادة جماعة الإخوان يمنحون مفاتيح الجنة لأنصارهم ويقنعونهم أنهم إذا قاموا بأعمال القتل، أو لقوا مصرعهم في مواجهة مصريين آخرين، فهم مجاهدون أو شهداء. لا يجب منح تجار الدين فرصة للمتاجرة بدماء أنصارهم، وما يقوم به وزير الداخلية الحالي من عبث هو مساعدتهم في تحقيق هذا الهدف.

إعلان

إعلان

إعلان