إعلان

"صديقة الشيطان".. رفيقة الوجع والتمرد.. الشاعرة هناء المريُض: إمرأة الحسم والصلابة (حوار)

08:41 م السبت 10 يونيو 2023

تطبيق مصراوي

لرؤيــــه أصدق للأحــــداث

أجرى الحوار: د. سمير محمود

لدى الشاعرة الليبية هناء محمد المريُض شغف بالقراءة وكتابة الشعر، إذ تؤمن إيماناً مطلقاً بأن الشعر ليس هواية يمكن صقلها، فلا أحد يستطيع أن يعلمك أن تحس أو يزرع الإحساس بداخلك أو يعلمك أن تأخذ موقفاً وترفض أو تتمرد، ودائمًا ما تردد: أنا مؤمنة إيماناً تاماً بأن الشعر والكتابة احتياج وليس هواية - أحتاج إلى أن أكتب لأن الكتابة هي صوتي خاصة في لحظات الحزن والغضب والرفض والتمرد، وبشكل واضح ينبع وضوحه من صدقه، لهذا يتصور البعض أن ردات فعلي حادة، الحدة هنا ليست العداء ولكنها الوضوح وهذا حقيقي.

صدر لها ديوان (صديقة الشيطان) عن دار الكون للنشر والتوزيع – القاهرة، وعكست قصائده ملامح شخصيتها الحاسمة، فهي صادقة فيما تكتب، حروفها تشبهها، وتعكس وضوحها وهذا نتاج شجاعة، تصفها بقولها: لا يليق بي الوقوف في منطقة الضباب وإمساك العصا من المنتصف، حتى وإن رأى المجتمع في ذلك دبلوماسية وشطارة، أنا أرى ذلك هشاشة وخداع، وأعتقد أن تربيتي لها دور في وضوحي ومواقفي غير المائعة، وإن خسرت البعض بسبب هذا الوضوح، فلا أعتبر ذلك خسارة، لأنني ربحت نفسي وحافظت على ما أؤمن به من مبادئ.

الشاعرة الليبية هناء المريُض

وتضيف، نحن تراكم تجارب وبفضل التربية والنشأة الصارمة جاء الديوان بهذا العنفوان، لأن التربية تعكس أفكارنا ورغباتنا وأحلامنا وأهدافنا، التي لا تتعارض مع إنسانيتنا. الشاعرة هناء المريُض مهندسة زراعة، معها إجازة في اللغة الإنجليزية عن أكاديمية كامبردج، رئيسة سابق وحدة المخطوطات بالهيئة العامة للثقافة، وعضو لجنة المراقبة على المطبوعات، عملت مساعد سابق لمكتب وزير المواصلات بحكومة الوفاق الوطني، عضو مؤسس للمنظمة الليبية الاقتصادية والاجتماعية والثقافي، مُعِدة ومقدمة لبرنامج (شذر القصيد) على أثير إذاعة صوت طرابلس، شاركت في العديد من الأمسيات والأصبوحات الشعرية، أهمها أصبوحة اليوم العالمي للشعر بدعوة من الجمعية الليبية للآداب، ومعها كان لنا هذا الحوار.

صوت جدير بأن يُسمع

- صديقة الشيطان هذا عنوان دال لديوان الشاعرة هناء المريُض.. ماذا تريد أن تقول للقارئ؟

ماذا تريد أن تقول صديقةُ الشيطان ... هو بدءًا من العنوان وانتهاءً عند النص مروراً بالغلاف كل فكرة (صديقة الشيطان) هو الحَث على الخروج عن القولبة وعن اعتياد الحكم المسبق الذي غالباً ما يكون مجحفًا وظالمًا، الذي ما أن ندرك حقيقة الأشياء حتى يختلف حكمنا عليها ومنظورنا بشمولية أكبر بما يعطي الشيء حقه .. ففي صديقة الشيطان لا يمكنك أن تحكم على الديوان أو حتى أن تستنبط فكرته دونما قراءته (القراءة هنا هي منح الحق للطرف الآخر بأن نسمعه ونرى وجهة نظره، التي حتماً ستظلمها الأحكام المسبقة).. يمكنك القول إن (صديقة الشيطان) هو صوت يَطلب حقه في أن يُسمع.

الكتابة رفيقة الوجع

- الإهداء أيضًا لافت: أو الخيبات تُهدي؟ هل نقول إن خلاصة الديوان مجموعة من الخيبات أو التجارب القاسية للشاعرة في صورة قصائد أم ماذا؟

لأن الكتابة هي حقيقتنا على الورق، ولأن الكتابة هي براحنا الذي لا حدود له، نمارس فيه وبه تمردنا ونعلن عبره رفضنا ونضحك بها أيضاً على سذاجة الفرص، لأن الكتابة تعرف تماماً ماهيتها، تكون دائمًا رفيقًا وعضدًا أثناء الوجع والخيبة والتمرد، و تغيبُ كليا آوان الفرح .. لا أظن أن هناك من يكتب أو يستطيع أن يكتب في أوقات فرحه، لحظات الفرح هي أوقات تحترم فيها الكتابة احتياجنا له، فتغيب .. وتعود كمنقذ لنا حينما ألمٌ أو أذية. هي خُلاصة أوقاتٍ تتجلى فيها ذواتنا ونعترف حينذاك بضعفنا الذي لولاه ما كانت القوة، أيصلح العبور أن يكون إهداءً؟ هذا العبور الذي نحن قبله حتماً لن نكون كما بعده.

- متى كانت البدايات الأولى لك في كتابة الشعر؟

لن أقول (كانت) بل سأقول (ما زالت) وستبقى بدايات الشعر لا نهاية لها إلا بالموت.. لا أعني هنا موت الشاعر، بل موت قراءاته، قرأت يوماً عبارة تقول (إقرأ ثم أقرأ ثم إقرأ ثم اكتُب).. ما أن تتوقف القراءة حتى تَنْضُبَ الكتابة، البداية لم تكن إلا نتيجة بديهية للقراءة و(الاحتياج) كل منهما يعزز الآخر، كان ذلك في العام 1997م والنص (نبوءة) الذي اكتمل تنقيحه بعد عام من كتابته وأحببت جداً أن يكون مُضمَناً ضمن نصوص صديقة الشيطان.

كان للصحافة الليبية فضلٌ أيضاً إذ كان لقصائدي متسعاً من النشر على صفحات جريدة الشمس وجريدة الفجر الجديد، وصولاً إلى عام 2001 حيث فتحت لي الجامعة براحاً أوسع بأن كنتُ مسؤول قسم الشعر والخاطرة في (مجلة الجامعة) التي تصدر شهرياً عن جامعة طرابلس (جامعة الفاتح سابقاً)، وتُعنى فقط بالطلبة الساري قيدهم بالجامعة وتمنع الاشتراك والمساهمة عن الخريجين.

كانت الانطلاقة الفعلية اسماً وحضوراً عند عام 2015، بدفعٍ من السيدة الإعلامية الكبيرة فريدة طريبشان ودعوة من الجمعية الليبية للآداب في أول أمسية شعرية، كانت عقب إعدادي وتنفيذي لبرنامج (شذرُ القصيد) الذي بُثَّ عبر أثير إذاعة صوت طرابلس.

الشاعرة الليبية هناء المريُض

نحن رهن النص

- قصيدة النثر مقابل شعر التفعيلة والوزن والقافية.. أين تجد هناء المريُض نفسها في هذه الأنماط الشعرية؟ وهل قصيدة النثر أيسر لك فنيًا ومن حيث براح المعاني والصور؟

الشعر وإن اختلفت ألوانه فهو واحد، هو حالة إنسانية بحتة هذه الحالة هي التي تفرض كينونتها وشكلها وتوقيتها أيضاً، أتحدث هنا عني شخصياً لا أختار كيف للنص أن يكون وكيف ماهيته، لطالما آمنتُ أننا من نكون رهن النص لا العكس، هو من يختار كيف له أن يكون بكامل حالته وحقيقتها المطلقة.. هنا سنجد أنفسنا واقفين على حقيقة واحدة ليس هناك ما هو أسهل وما الأصعب.. الصعوبة الوحيدة هي (اختلاق) نص كاذب لا يكتُبنا ولا نشبهه نثرا كان أو عموداً، تفعيلة أو كان نصا حرا. الشعر صورة، متى ما تمكنت واكتملت و(صَدُقَتْ) كانت شعراً.

الشاعرة الليبية هناء المريُض

جغرافيا القبول والرفض

- كيف تلقى القارئ والناقد الليبي والعربي ديوان صديقة الشيطان... هل قوبل بما يستحق من نقاش في الأوساط الثقافية؟

كان وليدا غير مرغوبٍ فيه إنما أصرت أمه أن يرى النور، فجاء بولادة عَسرة، فشكك الكثيرون في استطاعته الحياة. كان مرفوضا منذ كان فكرة، وقوبِل بالمنع إذ أنه أول كتاب يصدر بغلاف خالٍ من أي عنوان يعتليه أو أي دلالة تنبئ عما بداخله. قال البعض إنه مجرد (فانتازيا) فيما أكد آخرون أنه لا ينال حظوة في حضور المعارض الدولية للكتاب.

هنا عليَّ أن أحيي وأثمن وأشكر جهود دار الكون للنشر والتوزيع وصاحبها الأستاذ فتحي بن عيسى الذي كان من القلة القليلة التي آمنت بفكرة الاختلاف ومنح (صديقة الشيطان) حقه في أن يرى النور، وبعد عام كامل من الجهود الحثيثة حصل الديوان على الموافقة بالطباعة والنشر والتداول متوفراً بذلك في أغلب منافذ البيع في ليبيا ومصر والعراق وعبر بوابة إلكترونية تمنح إمكانية ابتياعه في أوروبا ودول الخليج العربي وأمريكا.

كان لصديقة الشيطان حظاً وفيراً في التنقل مع كل إصدارات دار الكون للنشر والتوزيع، بحضوره لمعرض القاهرة الدولي للكتاب لعامين متتاليين ومعرض اسطنبول الدولي للكتاب ومعرض الشارقة ومعرض الدار البيضاء، وبعد انقضاء المدة القانونية لحقوق النشر مع دار الكون للنشر والتوزيع، جادت ليَ الحياة بفرصة ثمينة وهي أن منحتْ شبكة المدار الإعلامية الأوروبية لـصديقة الشيطان مكاناً ثابتا دائماً، يتاح عبره اقتناء الكتاب مجاناً لكل القراء وبفضل الاستاذ عبد السلام بن مسعود والأستاذ على عوكل تم ذلك بالفعل منذ مطلع عام 2021.

أما كيف قُوبل من قبل القراء ، فهذا لا يزال بين قبول ورفض ،وهي الطبيعة الإيجابية لأي إنتاج فكري، هذا التفاوت الصحي في القبول من عدمه ما هو إلا دلالة وصول، وإن كانت دلالات القبول تظهر على فئة معينة من المجتمع فيما لاتزال ترفضه الأغلبية، مع الأخذ بعين الاعتبار أن القبول والرفض مرهون بجغرافيا الرفض أو القبول، وهنا يكون صديقة الشيطان قد آتى أُكله في أن يكون حجراً حرك مياها لطالما ركُدت، الأمر الذي من شأنه خلق ولو دائرة بسيطة وسطى يجتمع فيها القبول والرفض لعلها بذلك تكون بداية حقيقية لمفهوم قبول الاختلاف.

وقد حظيَ الديوان بقراءة نقدية ضمن الورقة النقدية المقدمة في معرض القاهرة الدولي للكتاب عام 2019 من الكاتب والناقد الليبي يونس الفنادي.

- هل هناك تجارب شعرية وكتابية أخرى في الطريق؟

نعم .. سيكون بإذن الله لي ديوان ثانٍ بعنوان (إنما الحب خدعة) وثالث بعنوان (وِنْــكَا).

الشاعرة الليبية هناء المريُض

الخيار الوحيد

- الديوان بقصائده هو بمثابة محاولات مستميتة للانتصار للمرأة أو محاولة لذلك؟

المنتصر هو من لا يرى الانتصار نتيجة، بل خياره الوحيد، ذلك ما يفرض على الآخرين الإيمان به. لن أقول إنه محاولة للانتصار، بحجم حقيقة أنه صوت كان لابد له أن يُسمع، نجاحه في ذلك لم يكن إلا خياره الوحيد. في الحياة المنتصر الوحيد هو الذي ربح نفسه.

- في قصيدة وجوه نحن أمام لوحة مفاهيمية ثرية: الرحيل، المجاملة، المقامرة، الشيزوفرينيا، الضجيج، المكابرة، الفشل، اللهفة، الحرية، النضج والاعتراف.. هل هذه رؤيتك للعالم بأبجديتك الخاصة، تصوراتك للناس والحياة والوجوه والمواقف مع تقديم الشاعرة لنفسها باعتبارها حاسمة وصاحبة قرارات؟

وجوه ... نعم. أرأيتَ منتصف سؤالك؟ ذاك هو الإجابة (الحَسْمُ). وجوه، هو حقيقتي على الورق. ولأن الإنسان منا لا يتسنى له الإدراك إلا من نقطة العجز عن الإدراك، لا تتجلى له حينها الحقائق حوله فحسب بل والحقائق فيه أيضًا. ولأننا نتاج نُضْجِنا، وصقل منعطفات الحياة لنا، هذه المنعطفات التي لولا إدراكنا في لحظات حاسمة لصرنا وجبة لذيذة للهاوية.

كنا في مرحلة من هذا العمر نعيش وفق مفاهيم مغلوطة أو مجحفة بسطحيتها، بينما علمتنا الحياة مفاهيم أخرى حينما كان عمقها هو الحقيقة، فتجلت بذلك الوجوه وتغير معيار التقييم في نفسي واعتدل بذلك إلى حد كبير جداً ميزان عيني.. فرأيتُ أن التشرد بعيد جداً عن مفهوم المسكن والمأكل والمبيت واللحاف ودفئه؛ قد يحظى الإنسان منا بأرغد العيش لكنه يحي مشرداً.. قد يرحل لكنه أبداً بعيدٌ جداً عن مفهوم الرحيل فـ(الرحيل أن تهجرَ ما يسكنك لا مَسكنك) وحيث ما كانت المقامرة كانت المغامرة.. نحن الموبؤن بالمفاهيم الحارمون أنفسنا من منطقة وسطى، نتقبل فيها اختلافنا لنتعايش نحن المنقادون إلى هاوية الحكم المطلق المسبق (أنت لستَ معي إذاً فأنت ضدي)، ما نحن؟ ما نحن غير تراكم الأمس؛ الذي شكّلَ فينا مفاهيم الوجوه وملامحها التي تختلف باختلاف التجربة وشدة انحدار المنعطف، الذي يُحدِّدُ (فينا) السقوط أو استطاعة النجاة التي لن تتأتى لنا ونحن نهيم في غياهب الضباب نمسك كالبهلوان العصا من المنتصف ونخاف الحسم.

الشاعرة الليبية هناء المريُض

.. احتياج مُطلق

- قصيدة نبوءة في الديوان ترى فيها هناء المريُض أن الشعر هو وجع الكتابة هل ما زالت تلك رؤيتك للشعر؟ وكيف ترين الشعر؟

لنقف قليلاً عند وصفك (الشعر هو وجع الكتابة)، لأسألكَ بدوري (هل هناك ما هو فرحُ الكتابة؟)، ستصعب الإجابة وفق هذا التصنيف، لأن الشعر احتياج مطلق ليس للتعبير عن الوجع فحسب بل عن الرفض والتمرد؛ هو نداءات الشوق وفرصُ التجاوز؛ هو مساحات الغفران وأبواب النسيان، الشعر ليس رواية يرتع فيها الخيال وإن كان أهم أدواته الصورة التي لا سقف لها، والمجاز ومداده التفاصيل إلا أنه صوت الحقيقة وصورة الواقع.

أما عن نبوءة.. فكانت صوتاً يستنكرُ وضعا معينًا يصر المجتمع أن يقولب فيه وضع المرأة، حتى بات هناك خلل في قبول المفاهيم بين الانفتاح والانحلال وغياب المفهوم الحقيقي للحرية، وفق ضوابط هذا القالب الذي يغيب عنه أن حقيقة الحرية مسؤولية وأن كنهها هو الفكر.

- لكل شاعر طقوسه في الكتابة وتجربته الشعرية الخاصة فماذا عنك؟ بمعنى هل أشعارك هي أصداء لتجاربك في الحياة؟

لطالما كنتُ على رهن الكتابة ولم تكن هي يوماً على رهني، وحيثما شاءت أن تكون فهي وحدها من تحدد طقوسها مكاناً وزماناً، وإن تشابهت معالم هذه الطقوس فهي تتوافق في أمر واحد بأنها لم تزرني يوماً في أوقات الفرح.

- الديوان به قصائد قديمة قبل ربع قرن وأخرى حديثة جدًا؟ وهناك انتقالات في الأماكن بين ليبيا وتونس؟ فما خلفيات صدور الديوان؟

صَدَرَ الديوان عام 2020 عن دار الكون للنشر والتوزيع - القاهرة، وحوى نصوصاً منذ بداياتي في الكتابة عام 1997_ 1998، وأبداً لم تكن مسيرة متعثرة، كانت اثنان وعشرون عاماً مع الشعر فجاء الديوان خلاصة نضج، نضج القراءات؛ ونضج الرؤى؛ ونضج القرارات، فبين الفكرة والتنفيذ ثلاثُ سنوات منها عام كامل مُنِعَ فيه الديوان من منح الإذن بالطباعة، وهذا ما أخَّرَ إصداره إلى العام 2020، كنتُ خلال هذا العام في مطالبات لمنحه رقم إيداع (ريدمك) ليبي وبالفعل تم ذلك نهاية عام 2019 ليكون الديوان مطلع 2020 متاحاً للتداول في ليبيا وخارجها.

قبل ذلك وكما أجبتك سابقًا كان لي مشاركات نشرت في الصحف الليبية منها صحيفة الشمس كما كنت رئيس قسم الشعر والخاطرة في جامعة طرابلس (الفاتح سابقاً).

الشاعرة الليبية هناء المريُض

مواجهة الخلل.. والمطالبة بالإنصاف

- المرأة في الشعر والرواية والمسرح والدراما تقُدم بطرق ما؟ لكن في ديوان صديقة الشيطان رأيت امرأة أخرى، لما أرى السلعة ولا الجسد، بل لحم ودم وعقل وقلب وقرار.. رأيت امرأة قوية صلبة في مواجهة الحياة وهذا في نظري انتصار للحياة وليس فقط للمرأة.. ما تعليقك؟

عليَّ أولاً أن أكون منصفة جداً حينما أشيد بقراءتك للديوان، فالحكم الحقيقي على النص يتطلب قارئاً بذائقة شاهقة مثلك يقف على مرمى المعنى بعينه. المرأة في صديقة الشيطان هي نموذج لتربية مجتمع محافظ جداً، حتى وإن كانت متمردة على الظلم فيه؛ إلا أنها في ذاتها هي إحدى نتائجه؛ فما كانت تطالب فيه سوى بالإنصات لصوتها محاوِلَةً (استرداد) مكانة سلبتها منها كل المتغيرات المجتمعية المستحدثة، والتي لم تكن في سابق عهد هذه المجتمعات، التي كانت تحظى فيها المرأة بمكانة أعلى وأشرف من المكانة التي هي عليه الآن. (صديقة الشيطان) بالمفهوم الفعلي للعنوان هو تصحيح المفهوم الحقيقي للحُكْم المسبق، الذي قد ننظر له بنظرة خاطئة فيما لو صححنا النظر إليه لاكتشفنا حقيقة الخلل فينا.

فإذا كنا نعترف أن أصل المجتمع، امرأة؛ فكيف يصلح هذا المجتمع وأصله منتزع الإرادة ومحكوم عليه بالمسبق؟ تُلبِسه المفاهيم والمعتقدات ثوب الاتهام وتدينه غياباً وتنتزع منه حق المطالبة بالإنصات. كان صوت الطفلة والأم، العاملة وربة البيت، المراهقة والجدة التي لم تتنصل و - لن - من اعتزازها بانتمائها لمجتمعها المحافظ، إنما فقط تطالبه بالإنصاف، لتنتصر به ولأجله.

صديقة الشيطان هي المرأة التي وصلت إلى أصعب ما قد يُوصَلَ إليه، بأن يعرف الإنسان ذاته؛ هنا فقط حيث يكمن الحق والنصر.

- خاتمة الديوان غير تقليدية فيها تقولين: حتمًا ستدرك حجم الفرق بين انتزاع الحرية وفرضها، حتمًا ستدرك كيف يستحال الضعف قوة حتى وان أشار لها بالبنان إنها صديقة الشيطان؟

بدءًا من عدم وجود عنوان على غلاف الديوان، وفكرة الغلاف، وبالوقوف على عدم وجود مقدمة لعدم اقتناعي بفكرة رؤية الأمور بعيون مستعارة، مروراً على النص وانتهاء عند الخاتمة.. كانت صديقة الشيطان تتخلل كل هذه التفاصيل التي تبوح بأنها تريد بقدر الإمكان الخروج عن قالب المعتاد.

الخاتمة، كانت نبذة مختصرة جداً عن ماهية صديقة الشيطان، والأسباب التي ساهمت في تكوينه وحتى لا يحيد القارئ عن المفهوم والمعنى والمغزى الحقيقي الذي كان لأجله الديوان، فكان لابد للخاتمة أن تكون هي من يمد له حبل انتشاله من احتمال الفهم المغلوط، وإن كنت مؤمنة أن الأمر الوحيد الذي له أن يقوم بذلك هو القراءة الثانية للديوان، إنما حاولت بالخاتمة أن أوضح ماهية ودلالة المقصد من كل تفاصيل فكرة "صديقة الشيطان" فكان لابد لها أن تكون كما كانت عليه.

هذه بعض من جوانب حوار شخصية أدبية ورمز ثقافي بارز، له حضوره المميز في المنتديات الثقافية العربية، وبانتظار الدواوين الشعرية الجديدة لها، والتي تلقي بها أحجار حريرية في مياه الأفكار الراكدة، والأحكام المسبقة والأنماط الجاهزة.

اقرأ أيضا:

مصراوي ينفرد بالحوار مع الروائي العُماني الفائز بالبوكر: الأفكار الإنسانية تصنع أدبا يُحفر بالذاكرة

جديد "جويدة" وشهادة "أدونيس" في ختام النسخة العربية الأولى من "أقرأ"

فيديو قد يعجبك:

إعلان

إعلان