أول سيدة تخطف طائرة.. 53 عامًا على "حكاية ليلى": "لا زلت أحلم ببرتقال حيفا"
-
عرض 5 صورة
-
عرض 5 صورة
-
عرض 5 صورة
-
عرض 5 صورة
-
عرض 5 صورة
- مارينا ميلاد
في مَطبخ يبدو من أثاثه أننا في فترة الستينات، التقى الطرفان: الأول وديع حداد، القيادي بالجبهة الشعبية لتحرير فلسطين، والثاني فتاة عشرينية تدعى ليلى خالد، أحد أعضاء الجبهة.
لا مُقدمات لدى "وديع" ليُفاتح "ليلى" فيما استدعاها لأجله. سألها مباشرة: "مُستعدّة تموتي؟"؛ فأجابت بنعم. طرح سؤالا آخرا: "مُستعدّة تتسجني؟"، فلم تُغير إجابتها. ثم كان الأخير: "مُستعدّة تخطفي طائرة؟"، لتضحك حينها. فتقول "ما تخيلته في تلك اللحظة أنني سأحمل طائرة فوق كتفي وأركض بها". ورغم استغرابها الحديث، فأبدت موافقتها على كل شيء.
لم تكن "ليلى" تمزح أو تستعرض شجاعة غير حقيقية.. فقد أصبحت بعد هذا اللقاء بزمن قصير أول سيدة في التاريخ تشارك في خطف طائرة، الواقعة التي حدثت في مثل هذا اليوم عام 1969. ولم تكن المرة الأخيرة لـ"ليلى".
ماضي "ليلى" هو ما دفعها إلى تلك اللحظة التي قبلت فيها الموت والسجن بأريحية شديدة.
فالفتاة المولودة في حيفا بفلسطين عام 1944، لم تنعم بسنوات هادئة وسعيدة في حياتها سوى سنواتها الأربعة الأولى. عندما كانت طفلة تلهو بين الحدائق المحيطة ببيتهم حتى انقلب كل شيء حولها.
وقعت "النكبة" للفلسطينيين وأقيمت "دولة" للإسرائليين عام 1948.. لم تتذكر "ليلى" عن هذا الوقت إلا القليل ككلمة والدتها: "سنرحل"، كذلك اشتباكات تدور حولهم، ودَرج يهبطون من عليه ليستقل 8 من أفراد أسرتها سيارة واحدة ويهربون.
هذا الطريق الذي سلكوه نحو لبنان، كانت تلازمه سعادتهم بالذهاب إلى هناك في وقت الاجازات. وفقا لما تحكيه "ليلى" في إحدى لقاءتها التلفزيونية. لكن هذه المرة، اختلف موعد ذهابهم، تبددت السعادة، بكت الأم، ومعها أطفالها دون أن يدركوا السبب.
"ليلى" التي تقول إنها لم تتذكر شَكل بيتها بدرجة كبيرة، تتذكر جيدًا مرور الناس بجانبهم على الطريق وهم يحملون حقائبهم ويغادرون فلسطين.. هؤلاء كانوا أكثر من 700 ألف فلسطيني رحلوا عن أرضهم بين نهاية عام 1947 وبداية عام 1949، ووصل العدد الآن إلى أكثر من 6 ملايين فلسطيني في الشتات، حسب إحصائيات الأمم المتحدة.
كانت تلك أولى مشاهد الدراما في حياة "ليلى"، التي لم تنخلع من ذاكرتها.
وصلت الأسرة إلى مدينة صور اللبنانية، حيث بيت عائلة والدة "ليلى" الذي يتضمن بستانا لأشجار البرتقال. جَرت "ليلى" وإخوتها نحوها ليقتطفوه لكن والدتهم صرخت بوجههم قائلة: "هذا البرتقال ليس لكم.. ما يخصنا هناك في حيفا".
تقول "ليلى": "ظل هذا الموقف في عقلي يذكرني بأن ليس لدينا شيء هنا.. وكل ما نملكه تركناه في فلسطين".
لم تترك أسرة "ليلى" البرتقال فقط، إنما بيت كبير ومقهى والدها الذي كان يدر عليهم دخلا جيدًا. ليتحول مسكنهم الواسع إلى غرفة، ويتقلص دخلهم إلى مجرد مساعدات بعد تأسيس منظمات الإغاثة لاحقًا، ويصبح مكان تعليمها وأخوتها في "خيمة" بدلا من مدرسة.
تحكي "ليلى" أنها لم تكن تحب هذه الخيمة، وأن يومًا شتويًا اشتدت فيه الأمطار، فسقطت فوق رؤوسهم.
لكن بين أرجاء تلك الخيمة، تعلمت "ليلى" الكثير عن تاريخ فلسطين، باعتبار أن مدرسيها كانوا لاجئين فلسطينيين أيضًا. كبرت القضية الفلسطينية يومًا بعد يوم ومعها "ليلى"، التي التحقت بالجامعة الأمريكية في بيروت ورغم ذلك داومت على الخروج في مظاهرات ثابتة سنويًا: ذكرى إعلان دولة إسرائيل، ذكرى وعد بلفور (دعم وزير الخارجية البريطاني لتأسيس وطن قومي لليهود في فلسطين)، ذكرى تقسيم فلسطين إلى دولتين.
تنقلت "ليلى" بين أماكن عدة، عَملت لفترة بالكويت كمعلمة ثم عادت إلى لبنان.. أضيفت مشاهد ومشاعر سيئة أخرى لسجلاتها بعد هزيمة مصر من إسرائيل عام 1967.. كل ما مرت به كطفلة وشابة ظل يرافقها؛ وهو ما جعلها لا تفكر كثيرًا عندما سألها وديع حداد عن استعدادها لخطف طائرة وما يمكن أن يتبعه من موت أو سجن.
كانت الطائرة أمريكية WTA تحمل رقم 840 وستقل شخصية إسرائيلية هامة لم يتم الإعلان عنها لـ"ليلى" حينها– حسبما تروي. تدربت في الجبهة على العملية، كذلك الشخص الذي سيشاركها "سليم العيساوي"، لكن كل منهما بمفرده. كما تلقا شرحًا عن أهداف العملية وأبرزها هو التفاوض على خروج المعتقلين الفلسطينيين.
تقول "ليلى" عن تلك اللحظات: "تحمست كثيرًا.. ولم أكترث كثيرا لما قد يحدث لي".
مَسار الطائرة بدأ من نيويورك ثم روما ثم أثينا لينتهي في تل أبيب.. ووفقا لخطة الجبهة، ستصعد "ليلى" رفقة "سليم" من روما لتسيطر على الطائرة.
نجحت الفتاة النحيلة قصيرة القامة وصغيرة السن في أن تسيطر على الطائرة بسلاح وقنبلة تحملهما. أجبرت قائدها على التحليق فوق فلسطين.. كانت تشعر وقتها "وكأن قلبها يحلق أيضًا"- كما تصف، فتقول: "عندما رأيت الساحل الفلسطيني رأيت وجه أبي ونسيت حالي تمامًا للحظات".
ذلك قبل أن تحول مَسارها إلى دمشق، وتنزل ركابها وتُفجّرها.
باتت "ليلى" من أخطر المطلوبين وملأت صورها المطارات. فاضطرت إلى إجراء عملية لتغيير ملامحها. ثم كررت عملية خطف طائرة أخرى بعد عام واحد فقط. هذه المرة، الطائرة إسرائيلية "العال"، وهي واحدة ضمن أربعة طائرات حاولت الجبهة الشعبية لتحرير فلسطين اختطافهم.
لكن العملية فشلت في مطار هيثرو، قُتل رفيقها باتريك أرغويو، فيما ألقت السلطات البريطانية القبض على "ليلى". ترى "ليلى" أن السبب في إخفاقهما هو أن الطائرة كانت تحتاج إلى أربعة ليسيطروا عليها وليس اثنين فقط مثل المرة السابقة. إذ كان عليها أكثر من 6 مسلحين.
رغم ذلك شعرت "ليلى" بـالسعادة - كما تقول - لإثبات قدرتهم على اختراق منظومة الأمن الإسرائيلية فيما يخص مجال الطائرات، فتشير إلى أن الضابط الذي قام بتفتيشها إسرائيليًا.
وفي سبتمبر عام 1970، جلست "ليلى" ذات العيون القاتمة في مركز شرطة شديد الحراسة غرب لندن وترتدي خاتمًا عليه رصاصة. حيث قالت ذات مرة: "أنا مخطوبة للثورة". ذلك المشهد الذي نقله تقرير لصحيفة نيويورك تايمز في هذا الوقت.
فالطائرة – كما يذكر هذا التقرير - كانت متجهة إلى نيويورك وعلى متنها 145 راكبًا. وقالت "ليلى" آنذاك تعقيبا على ما فعلته: "في ثورتنا، يكون للمرأة دور كبير مثل الرجل.. العالم يجب أن يعرف أننا شعب وله حقوق".
قضت "ليلى" ثمانية وعشرين يومًا في حجز بريطاني – بحسب ما أورد تقرير قديم لبي بي سي- وذكرت أن أقسى ما واجهته أثناء تلك الأيام هو سماع نبأ وفاة الرئيس الأسبق جمال عبد الناصر: "لم أتخيل أن عبد الناصر مات إلى أن أسمعوني جهاز الراديو من الغرفة المجاورة، فبكيت وقلت لقد فقدت الثورة الفلسطينية أحد آبائها".
لاحقا، فاوضت الجبهة الشعبية لتحرير فلسطين، على إطلاق سراح سبعة سجناء فلسطينيين بينهم "ليلى"، وقد كان.
بعدها؛ تزوجت "ليلى" عام 1982، وأنجبت ولدين. استقرت بالأردن بعد تقدمها بالعمر. ولم تندم يومًا على ما فعلته. فتقول: "لو تعود عقارب الساعة إلى الوراء وطُلب مني القيام بذلك مرة أخرى، فسأفعل ذلك بكل سرور".
فيما لم تترك فرصة أو مناسبة طوال هذه السنوات لا تتحدث فيها عن قضية بلدها وحق العودة.. فلازالت – كما تقول - تحلم بأشجار البرتقال الخاصة بهم في حيفا.
اقرأ أيضًا:
الفرق الفلسطينية في مهرجان الطبول: "نحن نقاوم بالدَبكة"
أيام الصراع في "الشيخ جراح".. لا عيد هنا
كيف دمر الاحتلال البنية التحتية في غزة بعد حرب الـ11 يوما؟ (تقرير بيانات)
فيديو قد يعجبك: