الدولار يهدد الدجاجة.. ماذا يحدث لصناعة الدواجن في مصر؟
-
عرض 6 صورة
-
عرض 6 صورة
-
عرض 6 صورة
-
عرض 6 صورة
-
عرض 6 صورة
-
عرض 6 صورة
- مارينا ميلاد:
- إنفوجرافيك/ مايكل عادل
الحقائب الآتية لتحية يوسف من متجر بيع الدجاج لم تعد كما كانت. فمائدتها التي يلتف حولها خمسة أفراد؛ تعتمد الآن على دجاجة واحدة بدلاً من اثنتين وأحيانًا بدون. كما استغنت عن أصناف "دجاج البانيه" و"الكبده".
السبب الذي تعرفه "تحية" هو مفاجأتها بزيادة سعر هذه المنتجات مثل أشياء كثيرة أخرى. لكن السبب الأساسي وراء السعر المرتفع هو نقص الأعلاف اللازمة للدواجن منذ أكتوبر الماضي.
صفحة جديدة من ملف تداعيات الحرب والأزمة الاقتصادية. تقابلها وعود مستمرة من المسؤولين بالحل إلا أن الوضع على الأرض لم يشهد جديدًا. فظهر أحد النواب مؤخرًا ليحذر من انهيار المجال بأكمله خلال 40 يومًا على الأكثر. هذا التوقع أكده أيضًا قائمون على الصناعة البالغ استثماراتها نحو 100 مليار جنيه ويعمل بها 3 ملايين شخص وتحتل منتجاتها المكان الأهم في موائدنا.
أكتوبر الماضي.. مقطع فيديو ينتشر على منصات التواصل الاجتماعي لمربي دواجن يقوم بإعدام كتاكيت خنقًا عبر وضعها داخل حقائب بلاستيكية كبيرة. وذلك لعدم قدرته على إطعامها.
كان مشهدًا كافيًا ليعلن عن أمر كارثي يحدث.
مَرّ هذا المقطع أمام تحية يوسف (ربة منزل) وهي تُقلّب في هاتفها، لكن شأنه شأن الفيديوهات الغريبة المنتشرة على منصات التواصل، فلم يستوقفها. في حين أن هيثم الرفاعي (مربي دواجن بإحدى الشركات) كان يعي تمامًا ما يجري وبدأ يشعر بتأثيره عليهم. فاعتبر هذا التصرف "طريقة لإيصال أصواتهم ورسالتهم".
الضجة التي خلفها هذا الفيديو والمقصودة من أصحابها؛ دفعت الحكومة في الشهر ذاته إلى عقد اجتماعات مع جهات معنية ومسؤولين عن الصناعة. حَضر إحداها ثروت الزيني (نائب رئيس اتحاد منتجي الدواجن).
تحدث الجميع عن احتياجات مصر من الأعلاف التي تصل شهريًا إلى 950 ألف طن، مٌقسمة ما بين الذرة والصويا، وأن هناك كميات ضخمة محتجزة في الموانئ لعدم قدرة مربي الدواجن على تدبير الدولار لسداد ثمنها، كما يقول "الزيني"، الذي خرج من الاجتماع بوعود قاطعة بحل كل ذلك.
تستورد مصر الأعلاف بنسبة تزيد على 80% من أمريكا والبرازيل وأوكرانيا. ويعاني المستوردون خلال الفترة الماضية من أزمة نقص مستلزمات الإنتاج والسلع المستوردة جراء آثار الحرب الروسية الأوكرانية. كما أن البنك المركزي أصدر قرارًا، في فبراير الماضي، بوقف التعامل بمستندات التحصيل في جميع العمليات الاستيرادية والعمل بالاعتمادات المستندية بدلاً منها، باستثناء بعض السلع.
مستندات التحصيل الملغاة، كانت تسمح للمستوردين بتحويل قيمة بضائعهم للموردين بعد تقديم مستندات تحدد مبالغ معينة وموعد تحصيلها ويمكن تقسيطها على دفعات. أما في حالة الاعتمادات المستندية، فيكون البنك وسيطا بين المستورد والمورد، فيضمن للأول الحصول على سلع مطابقة للمواصفات، ويساعد المورد في الحصول على كامل حقوقه، حيث يدفع المستورد قيمة الصفقة التجارية بالكامل للبنك قبل إتمام العملية.
بعد نحو شهرين من ذلك الاجتماع، زادت المسألة سوءًا في رأي ثروت الزيني رغم الإفراج عن جزء من الأعلاف المحتجزة، حسبما صرح وزير الزراعة. لكن "الزيني" يقول إنها "كمية غير كافية إطلاقًا لاحتياجات السوق".
بمرور الوقت؛ سمحت الأزمة بتكدس نحو 3 ملايين طن في الموانئ، وصنعت سوقا سوداء يبيع المستوردين الطن بأضعاف ثمنه، وفقا لحديث "الزيني"؛ إذ وصل طن الصويا إلى 30 ألف جنيه بدلا من 16 ألفًا، وبلغ طن الذرة 13.5 ألف جنيه بدلا من 9 آلاف.
الآن، تذكرت تحية يوسف فيديو إعدام الكتاكيت الذي مر عليها عاديًا من قبل، ولم يكن كذلك. شعرت بالتأثير خلال الشهر ونصف الفائتين وأن الدجاج التي تستند عليها بعدما خذلتها أسعار اللحوم لم تبق مستقرة على مائدتها. فأرغمها ذلك على تقليص قائمة شرائها الأسبوعية من دجاجتين بوزن 4 كيلو إلى واحدة، وشطبت منها "دجاج بانيه" و"الشيش" و"الكبد".
لـ"تحية" ثلاثة أبناء، ولا تملك راتبا ثابتا، حيث يعمل زوجها سائقًا لتاكسي. لذا تقول: "الدجاج هو الشيء الوحيد الذي كنت أتمكن من شرائه بجانب الخضروات.. لكن منذ 3 أسابيع لم أشتريه".
أما شركة هيثم الرفاعي، التي تملك مزارع دواجن ومصنعا للعلف، فاضطربت أجواؤها وعملها بالكامل. كثفوا اتصالاتهم بالشركات الموردة للأعلاف، ليأتيهم الرد "بأن البضاعة في الميناء!". وعلى أحسن الأحوال، فآخرون يمكنهم توفيره لكن بزيادة مبالغ فيها.
فيقول "هيثم" الذي يعمل في المجال لأكثر من 20 عامًا: "كنا نعتقد أن أزمتنا في 2006 هي الأسوأ، لكننا لم نلمس كارثة بقدر هذا الوقت".
كان عام 2006 عامًا أسود في حياة هذه الصناعة، فأصاب الشلل سوق الدواجن إثر انتشار الإنفلونزا. كما أوقفت منظمة الصحة العالمية لصحة الحيوان استيراد الدواجن ومنتجاتها من مصر. الصادرات التي كانت تذهب لأكثر من 11 دولة إفريقية وآسيوية وتٌقدر بحوالي 6.8 مليون دولار أمريكي في السنة.
لكن سرعان ما استقر الوضع بالسوق المحلي على الأقل، بحسب "هيثم"، ثم حدثت انفراجة عام 2020، فأعلنت الحكومة أنه أصبح بإمكانها تصدير الدواجن مرة أخرى بعد توقف أربعة عشر عامًا، حيث استطاعت 14 منشأة مصرية الحصول على اعتماد من المنظمة العالمية لصحة الحيوان يثبت خلوها من إنفلونزا الطيور.
وما كادت الصناعة تلتقط أنفاسها وتعود بقوة، إلا واصطدمت بوحش اسمه "فيروس كورونا"، فأثرت إجراءاته الاستثنائية عليها وشهد السوق تراجعًا في الطلب نتيجة غلق المطاعم والفنادق، والتي تشكل نحو 25% من إجمالي إنتاج مزارع الدواجن – بحسب محمد الشافعي (نائب رئيس اتحاد منتجي الدواجن آنذاك).
وعندما عادت الأمور مستقرة. أنهكت قفزات متتالية في الأسعار السوق مجددًاـ فغيرت تحية يوسف نمط حياتها ومشترواتها بالكامل. لذا فأسرتها واحدة من 74% من إجمالي الأسر المصرية التي خفضت استهلاكها للسلع الغذائية، وفقا للجهاز المركزي للتعبئة العامة والإحصاء.
بدا ذلك التغيير واضحًا لعزت صادق (صاحب أحد متاجر بيع الدواجن). صار زبائنه مرتبكين عند اتخاذ قرار الشراء، إما بتقليل الكمية أو الانصراف عن الدجاج، خاصة حين زاد سعر الدجاج الأبيض 6 جنيهات في أيام متتالية مؤخرًا. "هذا يحدث لأول مرة في تاريخ الدواجن"، هكذا يقول "عزت"، الذي ورث المهنة عن أبيه وجده، ويملك وإخوته متاجر بالقاهرة والإسكندرية ومحافظات الصعيد، يشترون لأجلها 3 لـ4 أطنان من الطيور أسبوعيًا.
بوسع رجل مثل "عزت" أن يقول إن المبيعات قلت بنسبة نحو 25%.
رغم ذلك، فالأسعار التي زادت في السوق لا تتواكب مع زيادة سعر العلف البالغة نحو 110% منذ يناير الماضي، حسب ثروت الزيني (نائب رئيس اتحاد منتجي الدواجن)، الذي يوضح "أنه لو كان سعر كرتونة البيض 72 جنيها، فتكلفته تفوق الـ80 جنيها".
الفارق بين التكلفة وسعر البيع الذي تحدده بورصة الدواجن، تسبب في خسارة الشركة التي يعمل بها "هيثم" ما يقارب 2 مليون جنيه في شهر واحد.
والخسارة لم تأت منفردة، فمصنعهم بعد أن كان يجلب حوالي 300 طن من الأعلاف، لم يعد يضخ إنتاجًا سوى لأقل من 40 طنًا. كما اضطرت الشركة لوقف عمل قطاع التسمين وتسريح حوالي 60 شخصا من العِمالة (مديرًا ومهندسين وعمالًا) وأغلقت مزرعة بها 40 ألف دجاج (أمهات) وباعتها.
يتخلص كثيرون أمثال شركة "هيثم" من الدجاج الموجود لديهم قبل اكتمال الدورة الإنتاجية، ما سيتسبب في فجوة غذائية ضخمة، حسب ما يرى "الزيني"، الذي يقول: "إذا استمر الوضع كما هو عليه سنمضي سريعًا نحو ضياع الصناعة التي حققنا الاكتفاء الذاتي فيها، وسنفقد البروتين الحيواني الأرخص".
ظهر مصطفى مدبولي (رئيس الوزراء) في اجتماع منذ أيام ليقول إن "الدولة لن تسمح بذلك". وتحدث عن "تنسيق ومتابعة" لما يجري بهذا القطاع من خلال لقاء الشركات المُورِدة للأعلاف لاستعراض الشكاوى الواردة من أصحاب المزارع.
جلس ثروت الزيني أمام التلفاز متابعًا لهذا الاجتماع، متسائلا: "لماذا سكتت الدولة كل هذا الوقت؟".
منذ آلاف السنين؛ ظهرت الدواجن في مصر. فيُقال إنها كانت من أهم مصادر الغذاء عند القدماء المصريين. وبُمضي الزمن، تحولت إلى أهم طعام شعبي. ولأول مرة في تاريخها، تظهر تحذيرات بأن ختام هذا العام يمكن أن يشهد نهايتها.
إن وقع السيناريو الأسوأ، فلم يعد أمام هيثم الرفاعي (مربي دواجن) خيار سوى السفر إلى دول مثل العراق أو الأردن، الذي يقول "إن ثمة فرص بهما بالفعل وفي المجال نفسه". أما تحية يوسف؛ فلم تعرف بديلا يمكن أن يحل محل الدجاج على مائدتها، فتقول: "إذا بحثنا عن بروتين يعطي تغذية سليمة ورخيص.. لن نجد سوى الدجاج!". ثم تضحك ساخرة وتكمل: "هذا الوضع سيجبرنا على بدء صيام؛ لا لحوم فيه ولا دجاج".
اقرأ أيضًا:
بازارات الكريسماس.. مهمة إنقاذ "عيد الميلاد"
حقيبة قديمة ومصروفات بالتقسيط: الأسعار تُغير "منهج" الأسرة في العام الدراسي الجديد
فيديو قد يعجبك: