إسلام وشقيقها يزرعان الحلم لذوي الإعاقة في الأردن (صور)
-
عرض 9 صورة
-
عرض 9 صورة
-
عرض 9 صورة
-
عرض 9 صورة
-
عرض 9 صورة
-
عرض 9 صورة
-
عرض 9 صورة
-
عرض 9 صورة
-
عرض 9 صورة
كتبت-إشراق أحمد:
عشرون عامًا ويعايش أنس ضمرة تفاصيل حياة شقيقته الصغرى إسلام. احتفظت ذاكرته بأوقات مؤلمة؛ كلمات الطبيب لأمه بعد أسبوع من ولادتها: "بنتك معاقة"، طرد مديرة مدرسة لهما قائلة "ما بسجل معاقين عندي". علم أنس مبكرًا معنى أن يتحول الأهل لمقاتلين لأجل حقوق أبنائهم، حمل همَّ مستقبل أخته المولودة بمتلازمة داون، لكن مع قدوم الفرصة لعمل مشروع لها، قرر أن يضعا معًا بذرة، يعود نفعها على كل رفاق إسلام من ذوي الإعاقة في الأردن.
"فسيلة" اسم المشروع الذي أقامه أنس لشقيقته لزراعة النباتات الداخلية وبيعها. قبل ثلاثة أشهر لم تكن ثمة حياة لإسلام خارج المنزل. في عمر 15 عامًا انهت الشابة الأردنية كل البرامج التي تقدمها مراكز التربية الخاصة وكانت التحقت بها كبديل لرفضها في مدارس محافظة الزرقاء "إسلام اتحرمت من حقها في التعليم الرسمي أو الحكومي اللي بيأهلها لدخول الجامعة"، لذا غاب أي مخطط لصاحبة متلازمة داون.
5 أعوام ظلت فيها إسلام بالبيت، تحاول أسرتها تعويض الفراغ باصطحابها إلى الحدائق لكن بلا جدوى؛ يومًا تلو الآخر ويلاحظ أنس تدهور الوضع الصحي لشقيقته بعد زيادة وزنها، فيما يعتصر همًا مع سؤالها اليومي "أنا ليش ما بروح مدرسة. ليش ما بروح جامعة. ليش ما بطلع؟".
انصب تفكير أسرة إسلام عما يمكن فعله لها. في البداية أحضر أنس مدربة لتعليمها الفسيفساء كحرفة يدوية، دام التدريب شهرًا وتوقف، ليس لأن الأمر معقدًا لكن لعدم خبرة المعلمة بالتعامل مع الأشخاص ذوي الإعاقة.
عادت الخطوات إلى الصفر مرة أخرى، حتى تبدل الحال بفضل مزهرية؛ انتقل أنس إلى مكتب جديد في العمل، جاءت إليه زوجته سارة بقصيص زرع هدية، كان بهي التكوين ومزروع بعناية. كأنما يرى أنس نبات للمرة الأولى، تذكر الأخ الكبير كيف أن إسلام تعتني بالنباتات الموجودة بمنزلهم، فاحتفظ بالفكرة حتى لقائها.
ذات يوم بينما تجتمع الأسرة، أخبر أنس شقيقته وزوجته "شو رأيكم لو جربنا نزرع نباتات داخلية؟". لاقى الطرح إعجاب إسلام، وبعد أسبوع بدأت الزراعة "تفاعلت كتير مع الفكرة"، وساعدتها زوجة أنس، إذ تعمل سارة أخصائية تربية خاصة وتعديل سلوك، فأخذت توجهها في كيفية الزراعة والتنسيق.
كان الأمر بسيطًا وممتعًا لإسلام، مع تحضير المجموعة الأولى للنباتات، اعتمدت صاحبة العشرين عامًا على نفسها بنسبة 70% كما يقدرها أنس، وسرعان ما اختبر الأخ ما صنعته يد شقيقته؛ وضع صور قصاري الزرع على صفحته بفيسبوك "لقيت الناس حبت المشروع والفكرة وحسيت أن في بارقة أمل أنه ينجح"، وعلى الفور أطلق موقعًا إلكترونيا لـ"فسيلة".
انتقلت "فسيلة" لمضمار أوسع، لم يعد يقتصر على إسلام. رأت أسرتها بعد مناقشة أن يكون المشروع غير هادف للربح ويذهب عائد المبيعادت لتأسيس مركز لتأهيل ذوي الإعاقة في الأردن، على أن يكون في محافظة الزرقاء، ليس فقط لأنها مكان إقامة إسلام، لكن للحاجة الشديدة لوجوده في هذه الأرجاء.
محافظة الزرقاء، ثاني أكبر محافظات المملكة الأردنية، بها نسبة مرتفعة من ذوي الإعاقة تتوقف حياتهم قبل العشرين لعدم وجود مراكز تأهيل لهم للاندماج في المجتمع بشكل مستقل، خلاف العاصمة عمان التي تتوفر بها رغم التكلفة العالية المقدرة بنحو 5 آلاف دولار في الشهر، وإن كانت ليست خيارًا سهلاً للأهالي "لكن على الأقل الخدمة موجودة" كما يقول أنس.
يحمل موقع "فسيلة" ما يعبر عن روح إسلام، بداية من الاسم المصمم بخط يديها، وشعار الشجرة الحامل فروعها لـ47 ورقة ترمز لعدد الكرومسات لدي أصحاب متلازمة داون سندروم. أراد أنس أن تُظهر تفاصيل المشروع ما تحمله شقيقته من محبة تغرسها في كل إناء تنشغل بإعداده.
بعد ساعتين من الإعلان عن المشروع، وصل الطلب الأول، لم يصدق أنس، حتى أنه تشكك في الرغبة الحقيقة للمشتري "عرفت أنها واحدة زميلتي ففكرت أن الأمر تعاطفًا أو دعم"، لكنه تفاجأ أن صاحبة الطلب لم تكن تعرف من وراء فسيلة، فزاد يقينه في النجاح.
ذاع صيت "فسيلة" حتى أن صاحب مطعم في عمان تبرع بقاعة خاصة لإسلام. أصبح للفتاة مشتل صغير ورفيقة جديدة انضمت إليها بالإضافة إلى أنس وزوجته. تطوعت مهندسة زراعية لمعاونة الصبية فيما تفعل.
لا ينقضي يومًا إلا وتتعلق إسلام أكثر بالنباتات. تمضي نحو 7 ساعات لتحضير الطلبات التي تتلقاها إلكترونيًا عبر الموقع. بات للشابة عمل تنتظر النهار وتتغير لأجله "إسلام كانت تسهر للفجر على اليوتيوب الآن مع 12 بالكتير تبعت لي فايتة أنام عشان اصحى بكير".
يكاد لا يصدق أحد ما وصلت إيه إسلام. كسبت الصبية الرهان "الكل كان مستني أن حماسها يبرد. عمر المشروع 3 شهور وإسلام ما بردت". ما تزيدها الأيام إلا تمسكًا بفسيلة وتحضير المزيد من النباتات البهية.
قبل أيام، أخذت إسلام عطلة لحضور حفل عائلي، في منتصف اليوم، اقتربت من والدتها قائلة "ما بدي أروح على الحفلة بدي أروح على فسيلة عندي شغل بدي اخلصه". بمثل هذه المواقف يحتفل أنس، يبتسم بينما يتذكر خوفه من فصل شقيقته عن أمها شديدة الارتباط بها، فيما اليوم "إسلام استقلت تمامًا".
هذه النهارات هي الأسعد بالنسبة لأنس. يكبر الصحفي شقيقته بـ12 عامًا وبينهما 4 أشقاء أخرين، لكنه طالمًا صحب أمه وعايش ما واجهته من تحدي لتربية إسلام "لحظة بلحظة" كما يصف. يتذكر كيف حاول امتصاص انهيار والدته بينما يصدمها طبيب الأطفال بعد أسبوع من والدتها، ولم تكن تعلم أن ابنتها من أصحاب متلازمة داون، وكذلك حرمان إسلام من التعليم لولا نضالهم لإلحاقها بمراكز خاصة.
تزرع إسلام مع كل قصيص أملاً في تغيير القادم؛ يذهب ربح البيع إلى صندوق مغلق، يقول شقيقها إنه لن يُفتح إلا بعد مرور عام على المشروع، ليكون لبنة المركز الذي بدأ يَرى تفاصيله "يجيي عليه ذوي الإعاقة يتدربوا وبمجرد ما الشخص يصير مستقل يشتغل لحاله في مهن مختلفة مش بس زراعة راح نعطيهم مهارات مختلفة بسيطة مثل الكمبيوتر".
يمتن شقيق إسلام لما وصل إليه المشروع من اهتمام حتى الآن بلغ دعم الحكومة الأردنية بتخصيص قطعة أرض لزراعة الأشجار وإمكانية عمل حملة تبرع، وكذلك تواصل أحد المراكز الخاصة معهم لتقديم منحة لـ"فسيلة"، ومع هذا يرى أنس أن المشوار في بدايته لتصبح منظمة تعمل على حق ذوي الإعاقة في التأهيل والتدريب المهني والتشغيل، وصوت للأهالي بالدفاع عن قضايا أبنائهم.
يواجه إسلام وشقيقها تحديًا يتعلق بتوقعات الناس، يتلقى أنس رسائل تربكه "صار البعض يحكي زي ما دمجتوا إسلام هاي ابني من ذوي الإعاقة خليه يداوم معها"، ليس باستطاعة المحيطين بالشابة أن يدعموا المزيد، لكنه أصبح هم أنس الراهن "هذا اللي معني به هلا أني ما أخذل الأهل اللي بيطلبوا هاي الخدمة لأني في يوم من الأيام كنت مكانهم وواحد منهم".
لا يتوقف أنس عن الحلم مع شقيقته ولها، يلازمه كلماتها "بدي أصير معلمة". يتخيل المشتل الصغير وقد صار قبلة لذوي الإعاقة ليس في الزرقاء فقط لكن كل المحافظات الأردنية، بينما تقف إسلام تعلمهم زراعة البناتات ويتحقق حلمها.
فيديو قد يعجبك: