مهاجرة تبحث عن الحياة في المريخ.. مصراوي يحاور "فرح علي باي" (فيديو)
حوار-محمد زكريا ودعاء الفولي:
حين سمعت فرح علي باي تأكيدا بهبوط المركبة "بريسفيرنس" على المريخ تسمّرت للحظة؛ تذكرت نفسها طفلة صغيرة تشاهد أفلام الفضاء، تقفز في مكانها حين يتمكن الأبطال من إصلاح المركبة وإنقاذ المهمة، تنظر لنفسها الآن وقد أصبحت واحدة من الذين تطلعت إليهم يوما.
لم تكن الرحلة يسيرة على المهندسة العاملة بمختبر الدفع النفاث بوكالة ناسا وأحد المشاركين في مهمة مسبار "برسيفيرنس".
عمرها 33 عاما، لكنها مرت بالكثير؛ هاجرت أسرتها من أفريقيا بحثا عن حياة أفضل في كندا، كبرت فرح وهي مختلفة عن أقرانها في مونتريال، تحمّلت نظرات عنصرية أحيانا وتنمر أوقاتا أخرى، كان الفضاء رفيقها الدائم ومازال، تطلعت إليه فالتحقت بجامعة كمبريدج البريطانية، ثم أعادت كرة الاغتراب فاستقرت بالولايات المتحدة الأمريكية وحصلت على الدكتوراه في معهد ماساتشوستس للتكنولوجيا، وبدأت عملها في وكالة ناسا بعد تدريب استمر لأشهر.
قبل شهر بالتمام، هبطت مركبة "بريسفيرنس" فوق الكوكب الأحمر بعد رحلة استغرقت 7 أشهر ونصف، هدفها البحث عن أدلة لوجود حياة في الماضي والحصول على عينات من التربة، استغرق الهبوط حوالي 7 دقائق، تُطلق عليها فرح "دقائق الرعب"، تتذكر المهندسة التي أدارت وزملاؤها العملية من داخل "ناسا" كيف تم التحضير للأمر. باتت تعرف أنها دخلت التاريخ كمهاجرة مشاركة في المهمة، تدرك الآن كيف تُلهم سيرتها الفتيات اللاتي يواجهن مصاعب في التعليم والتعبير عن أنفسهن.
"مصراوي" أجرى حوارا مع فرح علي باي، عبر تطبيق زووم، تمر فيه على مهام الفريق المسئول عن المسبار، تروي كيف جذبتها نداهة الفضاء، وكيف ساعدتها العائلة دائما، تحكي عن أحلامها وما يُلهمها لاستكمال الرحلة.
-لديكِ أدوارا عديدة في مهمة "برسيفيرينس" فهل بإمكانك إبراز أهمها؟
يقوم فريقنا بأشياء عديدة؛ ففي البداية ساعدت على تصميم المركبة الأولية بالتعاون مع الخبراء، أما عن دورنا بعد هبوطها على المريخ؛ فكان فحص جميع الأدوات للتأكد من سلامتها، والآن سنعمل على برمجة الروبوت أو المركبة في ساعات الليل حسب التوقيت المريخي، حتى تتمكن من إنجاز مهمتها في ضوء النهار والتقاط الصور والتجول في الفضاء.
- ما هو التوقيت المريخي.. وكيف تتأقلمين معه على الأرض؟
أعمل لساعات طويلة. نحن الآن نعمل بنظام توقيت المريخ، فيوم المريخ يعادل 24 ساعة وأربعين دقيقة من عمر الأرض، فأنا أستيقظ الرابعة والنصف صباحا بتوقيت الأرض لأبدأ العمل الخامسة مساءً بتوقيت المريخ وأظل أعمل طوال ساعات الليل في المريخ وأخلد للنوم في نهار المريخ.
والحقيقة أننا نفعل أشياء كثيرة، فنحن نستقبل من المركبة بيانات وصورا يوميا علينا تحليلها، ثم علينا إعداد خطة للعمل في اليوم التالي، ولدينا فريق كامل يعمل على إرسال تلك الخطة للمركبة لتنفيذها في نهار المريخ وهكذا.
- خلال الأسابيع المقبلة ستقومون بعمل اختبار طيران لهليكوبتر تابعة للمركبة.. حدثينا عن تلك المهمة؟
ما نحاول فعله هو تسيير طائرة فوق المريخ، الأمر معقد كثيرا؛ فالطائرة الآن داخل بطن المركبة في وضع أفقي وعلينا أن نقلبها لتكون رأسية ثم نأخذها بعيدا عن المركبة وبالطبع علينا أن نقوم ببرمجتها لتطير وتنقل لنا الصورة بأدق ما يكون.
يجب أن نتأكد من أننا نسير في اتجاه صحيح كي نحصل على صور جيدة. ثمة الكثير من التنسيق والتعقيد. وفي نفس الوقت لا نعلم ما قد يفاجئنا به الكوكب الأحمر، لذا علينا الاستعداد لأي تحديات وكيف سنتعامل معها.
-متى بدأت علاقتك بالفضاء؟
فيلم "أبوللو 13" سبب حبي للفضاء، شاهدته وأنا بعمر 8 أو 9 أعوام، وكان عن المهندسين الذين يحاولون إصلاح عطل ما في الصاروخ في الفضاء، وعليهم العمل معا كفريق واحد بأدوات قليلة وظروف مميتة، وكان هذا غير عادي بالنسبة لي؛ أن أشاهد الناس يعملون سويا ليجعلوا شيئا عظيما يحدث، وهذا ما أحببته في الهندسة؛ فهي عالم معقد ولكن بوجود الفريق يمكنك حل المشاكل المستحيلة.
- وما أكثر شيء ممتع في عملك؟
استكشاف ما يدور في المريخ لحظة بلحظة من خلال عيون مركبة بريسفيرنس التي أرسلناها، وأرى صورا من المريخ يوميا، أنا أول من أراها، أليس هذا رائعا؟ أنا في المنزل في مكان مريح وأسافر للمريخ.
-عملك يُلهم مئات الفتيات حول العالم.. لكن ما الذي يُلهمك؟
لقد نشأت وأنا منبهرة بالفضاء. شاهدت كل الأفلام حيث المهندسون يعملون ويصنعون المعجزات. وحين كبرت لم يكن هناك مهندسون مثل هؤلاء يشبهونني في الشكل أو الخلفيات. ولكن مع الوقت أدركت أنه ما من سبب يمنعني أن أكون هذا الشخص، بذلت الكثير من الجهد لأصل لما وصلت إليه الآن، ولكن هناك الكثير من النساء اللاتي جئن من قبلي واللاتي أعمل معهن يوميا يمثلن لي مصدرا للإلهام. وآمل الآن أن يكون لدينا المزيد والمزيد من النساء من عرقيات مختلفة تعلمن في الهندسة والتكنولوجيا. يجب ألا تنظر فتاة صغيرة للمهندسين في الأفلام وتقول "هل يمكن لفتاة مثلي أن تكون مهندسة؟". لأن أي شخص في الحقيقة يمكنه أن يصبح مهندسا أو ما يريد وهذا هو الأمل الذي نعمل لأجله.
- حدثينا عن دور عائلتك في مشوارك العلمي
عائلتي كانت دائما داعمة. لم يكن لديها أي صورة نمطية متعلقة بالنوع فمثلا أنا كنت الشخص الذي يساعد والدي لتغيير إطارات السيارة فيما كان شقيقي يطهو. كان والداي يقولان افعلا ما تحبان بأفضل صورة ولا تستمعا إلى الناس. وبالتأكيد تنقل عائلتي في أكثر من مكان بالخارج أعطاني المزيد من الفرص. فقد وُلد أبواي في مدغشقر ثم ذهبا لكندا من أجل أسرتهما المستقبلية، هاجرا حتى قبل أن نولد كي يعطيانا فرص محتملة أفضل للحياة ، تركا كل شيء خلفهما لأجلنا وأنا ممتنة كثيرا لتلك التضحية وهذا هو السبب الذي جعلني أولد في بيئة آمنة وأحظى بالتعليم الذي حصلت عليه، وكان لعائلتي أيضا تراث مهم يدعم تعليم المرأة وهذا ما ساعدني في مهنتي.
-كيف أثرت هجرة عائلتك من أفريقيا عليكِ.. سلبا وإيجابا؟
هناك الكثير من الأشياء الجيدة حيال كوني مهاجرة. عائلتي ولدت في مدغشقر لكنهم في الأصل من الهند. الطعام الذي لدينا في المنزل كان متنوعا، ولدينا ثقافات مختلفة كما أن وجهات النظر التي قُدمت لي كانت متنوعة ومختلفة، وهذا ساعدني في عملي لأنه إذا كان عملك مرتبطا بحل المشاكل ولديك خبرات حياتية مختلفة وطرق متفاوتة تنظر بها للعالم فذلك يساعد كثيرا، ولذلك فالتعددية مهمة.
فيما تمثلت المصاعب كوني نشأت في مدينة معظم سكانها من البيض، لم يكن هناك كثيرون يشبهونني، لم يكن هناك تمثيلا في السلطة لأشخاص يشبهونني وكان هناك عنصرية. الناس لا يفهمون تلك النقطة، إنه إذا كان غذاؤك أو لونك أو ثقافتك مختلفة فهذا لا يُحدد كونك شخصا جيدا أو سيئا، هذا أمر ليس بمحض إرادتك أصلا، ولكن حينما تكون طفلا وتحضر للمدرسة طعاما مختلفا فزملاؤك يسخرون منك لأنك مختلف، سيتنمرون عليك بسبب قلة الوعي وهذا سخيف. لذا نعم عانيت من التنمر وأنا في طفولتي.
وفي مرحلة المراهقة خاصة كان الأمر أصعب، لأنك لا تريد أن تكون مختلفا وأنت مراهق، ولكني استطعت أن أغير أي شيء اعتبرته ضعفا لنقطة قوة. لأني فكرت في اختلافي على نحو جيد، وعلمت أن اختلافي يجعل الناس تتذكرني دائما.
- أما زال اختلافك يسبب لك المتاعب؟
في بعض الأحيان كنت أذهب للاجتماعات، نكون فريقا ضخما، ولا يوجد في الغرفة سوى سيدة واحدة هي أنا، أو لا يوجد أحد آخر له نفس لون وجهي الأسمر، وما زلت أسمع بعض التعليقات التي تقول: من تظنين نفسك؟ أو هل تظنين أنك تنتمين إلى هنا؟
ولكني أظن في المقابل أن بيئة العمل تتحسن من حولنا، ورغم أنني لا أشعر من قبل زملائي في ناسا بغير الاحترام، ولكن نسبة السيدات في المختبر حيث أعمل لم تتعد الـ25% بعد، لذا بالتأكيد هناك تحسينات يجب أن تُصنع، والحقيقة أن جزءا من العمل التطوعي الذي أقوم به في أوقات فراغي هو تشجيع المزيد من الفتيات للعمل على أحلامهن في الهندسة والعلوم، ما يتيح لنا المزيد من التعددية والتنوع.
- لا نجاح بلا مقابل.. ما التضحيات التي قدمتِها للحصول على أهدافك؟
أبرزها ابتعادي عن أسرتي، فكنت أدرس الماجستير في كمبريدج بينما والداي في فرنسا، ولم أكن أراهما كثيرا. فمثلا لم أرهما الآن منذ عام ونصف بسبب جائحة كورونا، صحيح أننا نتواصل باستمرار، ولكن يبقى الوضع صعبا علينا كعائلة. انتقلت إلى الولايات المتحدة بمفردي وتركت أصدقائي وحياتي خلفي لأحقق أحلامي.
- بعيدا عن الفضاء.. ما هي هواياتك الأخرى؟
أعيش في كاليفورنيا الآن، وهي ولاية محاطة بالجبال، وفي هذا ما يسعدني، فأنا أحب المشي وسط الجبال وتسلقها، لذا إذا احتجت لراحة أذهب إلى هناك لعدة أيام وأخرج للطبيعة. هوايتي أن أذهب إلى الجبال للتخييم، أنظر إلى السماء، واستمتع بذلك السلام.
-عبرتِ قبلا عن حلمك بأن تكوني رائدة فضاء.. هل تخليتِ عن ذلك الحلم؟
أردت دائما أن أكون رائدة فضاء، لذا حاولت التقدم في الاختبارات، وسأحاول مرات أخرى، ولا مشكلة في ذلك، لأنه لن ينال أحد أي شيء إذا لم يحاول، وربما لن أنجح يوما في الاختبارات، ولكن لا بأس، فما زال لدي عمل رائع، ولكن على الأقل سأكون حاولت، لذا فبالطبع لن أتوقف عن المحاولة.
- وماذا عن حلمك بالذهاب لكوكب زحل؟
هناك قمر اسمه "إنسيلادوس" تابع لكوكب زحل. لا أريد الذهاب إليه بنفسي لأنه بعيد للغاية، ولكن أود إرسال روبوت إلى هناك للبحث عن المياه فيه فقد توصل العلماء إلى أن "إنسيلادوس" يحتوي على معظم المكونات الكيميائية اللازمة للحياة، ومن المحتمل أن يكون به فتحات حرارية مائية تنفث مياها ساخنة وغنية بالمعادن في محيطه. إنه قمر رائع أتمنى استكشافه يوما ما.
- إذا أردتِ توجيه رسالة إلى الفتيات في أفريقيا.. فماذا تقولين؟
لا تدعي أحد يخبرك بأنك لن تستطيعي، فمجتمعاتنا لا تشجع الفتيات أن يكنّ ما يردْن. لذا أقول: إذا كان لديك حلما أياما كان، فاذهبي، واسعي وراءه، سوف تعانين من الفشل لبعض الوقت بالطبع، فأنا لم آت هنا في لمح البصر، هناك العديد ممن قالوا لي لا، رسبت في العديد من الاختبارات، وسألت نفسي في مرات أخرى: لماذا أفعل ذلك حتى؟
ولكني حاولت مرة ومرة ومرة، وهذا ما يستغرقه المرء، فهو يحتاج نعم واحدة أو نجاحا واحدا، ليصل إلى الحلم.
اسمحي لنفسك بالحلم، اسمحي لنفسك بالتفكير بأنك تستطيعين تحقيق ما تريدين. اعملي على ذلك، ولا تيأسي حينما تصبح الأمور على غير ما يرام، لأنك تنتمين لأي مكان تريدين أن تنتمي إليه.
فيديو قد يعجبك: