إعلان

بالأغاني والعروض المسرحية.. "مارينا" تجذب الأطفال لحب العلوم

01:13 م الثلاثاء 09 نوفمبر 2021

كتبت-إشراق أحمد:

غامرت مارينا جرجس بالاستقرار لأجل ما تحب؛ قبل ثلاثة أعوام قررت خريجة كلية العلوم ترك عملها الذي لازمته لأعوام وبدء طريق جديد، تحملت ضغط المشككين، القادم المجهول، ارتباك البدايات، خلعت زي الموظفة، وارتدت رداء "بلياتشو" وساحرة، وقفت تغني وتلعب وتمثل، عزمت مارينا أن تفعل أي شيء من أجل أمل واحد "الولاد يكبروا وهم حابين العلوم".

لا تعلم مارينا صاحب الفضل في محبتها للعلوم "كل اللي عارفاه أني بحبها من وأنا صغيرة"، لكن أمرًا لفت انتباهها إلى أنها استثناية وسط محيطها في حبها هذا.
للشابة الثلاثينية شقيق يصغرها بنحو 13 عامًا، طالما ردد كرهه لمادة العلوم إلا أنه بمجرد شرحها له ما يجده صعبًا، يتبدل حاله وكذلك يحدث مع أطفال أصدقائها "لقيت الموضوع منتشر فبقيت ابسط لهم المعلومات بأغنية أو لعبة"، وضعت مارينا يدها على أن المشكلة في طريقة الشرح وليس المادة ذاتها.

1

تذكرت مارينا تلك التفاصيل بينما تصيبها خيبة الأمل من العمل في شركة الأدوية. صممت الشابة بعد التخرج في قسم الكيمياء بكلية العلوم، جامعة عين شمس، أن تشتغل في صناعة الدواء "كان عندي طموح أني اصنع دوا مصري"، لكن الواقع خالف آمالها "بعد 6 سنين شغل حسيت أني موظفة والحاجات عمالة تتكرر بقيت أقول لنفسي وبعدين".
في خطوة اعتبرها مَن حولها جنون، تقدمت مارينا باستقالتها من العمل، ثم تفرغت للتفكير فيما يمكن أن تفعل "بعد وقت طويل قلت أنا بحب العلوم وبحب الأطفال فقررت اشتغل في مدرسة". كانت بالنسبة لها تجربة "عشان أشوف الأهالي بيقولوا ايه والمناهج والولاد". أمضت سنة دراسية داخل الفصول، لا تخلو من البحث عن الذات والطريق.

يوميًا، تذهب مارينا إلى المدرسة، تغني مرة، تحكي "حدوتة"، تمثل أحد الشخصيات مرة ثالثة، وفي أيام أخرى تذهب إلى المعمل. في كل حصة تسجل التفاصيل "كنت بجرب طرق مختلفة وأشوف إيه أكتر حاجة بيحبوها واللي بيضايقهم"، للتأكد الشابة أن الأطفال يحبون العلوم "والحاجات اللي بتخاطب مخهم. بينبسطوا جدًا لو الطريقة فيها تفاعل".

2

خلال العمل كمُدرسة، تأكدت مارينا أنها على طريق ما تحب، رويدًا وزاد عزمها؛ اشتركت في مسابقة عالمية لتبسيط العلوم لغير المتخصصين، تسمي "fame lap أو مختبر الشهرة"، صعدت للنهائيات وأصبحت بين الـعشرة الأوائل. كان ذلك عام 2019 حينما انفتحت الأبواب أمام معلمة الكيمياء بالمشاركة في معارض العلوم والفاعليات المتواجد بها جمهور مثل أسبوع العلوم الذي يقام سنويًا.

لم تتوقف مارينا عن إيجاد السبل للوصول إلى الصغار؛ تذهب إلى المدارس "عملت عرض بلياتشو وبقيت أعمل تجارب قدام الولاد وأخليهم يشاركوا"، في الوقت الذي قررت أن تؤسس صفحة على فيسبوك، اسمتها "kidzstein"، تنقل عبرها ما تنفذه من أنشطة، تصنع فيديوهات، تحكي فيها عن معلومة علمية، والفاعليات التي تلقي فيها بالأطفال.

خطوة تلو الآخرى، وتعرفت مارينا على مهرجان حكاوي لفنون الطفل، لتبدأ تجربة جديدة "فاعليات المهرجان قايمة على تقديم عروض مسرحية فكان لازم أعمل حاجة تناسب المسرح"، لم تحترف الشابة يومًا التمثيل، كل شيء كان بالتراكم والخبرة، لكن منذ التحقت بـ"حكاوي" أصبح عليها أن تتعلم المزيد؛ حضرت ورشة تمثيل إلى جانب توجيه القائمين على المهرجان.

3

في العام الماضي، قبل توقف الأنشطة بسبب "كورونا"، قدمت مارينا عرض "البلياتشو" بعد تطويره على مسرح الجامعة الأمريكة، وهذا العام حصدت ثمار التعلم. انضم عرضها "غرفة الأسرار" لبرنامج المهرجان في دورته الحادية عشر، ليقدم في معهد جوتة بمنطقة وسط البلد.
شابة من القرن الماضي، يتوقف بها الزمن عند يوم رأس السنة لعام جديد، تنغلق الأبواب عليها في غرفة، تنام في سبات لا تستيقظ منه إلا مع دخول زائرين جدد لتبدأ المغامرة؛ "ساعدوني أحل اللغز عشان أطلع لإما كلنا هننحبس في الأوضة" تخبر مارينا الأطفال المتواجدين في الحجرة بينما يتوالى سير العرض بعمل تجربة بعد الآخرى، يتفاعل الصغار بحماس أمام ورقة مشتعلة طائرة، وأخرى تطفو على الماء دون أن تبتل، وبالون لا ينفجر رغم وضع مسمار فيه.

4

ترتدي مارينا رداءًا أسود اللون، تحمل في يدها عصا لتقترب هيئتها من الساحرة. في البداية رغبت الشابة أن يكون العرض المسرحي الأول لها حول تلك الشخصية، لكن محمد الغاوي مؤسس حكاوي شاركها عدد من العروض المسرحية التفاعلية للأطفال فانبهرت "قلت لهم عايزة اعمل حاجة تفاعلية زي ده مش عارفة ازاي؟".
لم يكن الأمر يسيرًا؛ ثلاثة أشهر لإعداد عرض مسرحي علمي وتفاعلي للأطفال فوق عمر 7 سنوات. مرات تضع مارينا تجارب علمية بسيطة ثم تلغى لعدم مناسبتها لتجربة المسرح "ماينفعش يبقى في نار شديدة أو حاجات بتعمل صوت جامد"، واصلت حتى استقروا على الشكل النهائي للعرض.

5-

حتى اللحظات الأخيرة للعرض المقدم خلال أيام المهرجان، الذي أقيم في الفترة من 2 إلى 6 نوفمبر الجاري، كانت مارينا تتوق لرؤية رد الفعل خاصة، لكنها تفاجأت بما هو أكثر "كل مرة افتح عيني فيها بتفاجأ بحاجة جديدة مع الولاد لأني ماببقاش عارفة ايه خلفية الأطفال اللي موجودة ولا أعمارهم"، مرة يأتي أطفال من مدرسة، وأخرى من مستشفى السرطان، وثالثة من جمعية خيرية.

على مدار 45 دقيقة، تعيش مارينا مع الصغار متعة مختلفة، تتفاعل مع أفكارهم قبل أن ينتهي العرض، فتكشف لهم سر ما فعلوه، تخبرهم أنه "مش سحر ده علم"، تستقبل تعليقاتهم بفرحة غير مسبوقة، مَن تسمعه يقول "هروح للمستر أقوله يعمل لنا العروض دي في المدرسة"، وآخر يحدث نفسه جهرًا "أنا شكلي هروح أذاكر التجارب دي ولا إيه".

6

انتهت أيام العرض المسرحي، لكن مارينا لا تتوقف؛ تواصل عملها عبر إحدى الشركات التعليمية الخاصة بتقديم المناهج بطريقة مبتكرة، فيما تستمر في صناعة فيديوهات وأغاني لتبسيط العلوم عبر صفحتها الإلكترونية، وتعزم على عمل ألعاب تتعلق بمادة العلوم.
تمتن مارينا لكل خطوة تركت فيها أثرًا، تشعر أن المشوار "لسه مش سهل"، تتذكر ردود الفعل الرافضة لما تفعل "مرة مدير مدرسة قالي سايبة العلوم وبتعملي بلياتشو وتلعبي"، لكن ما لمسته من تغيير بعد العرض، ومع كل مرة تقف فيها مقدمة العلوم بطريقتها، تشعر أن الأثر باق، فيما يزيد تمسكها بالحلم "نفسي في يوم من الأيام يبقى فيه زي مجمع علمي للأطفال.. تاخد الولاد خبرة مختلفة مع كل أوضة يدخلوها".

فيديو قد يعجبك:

إعلان

إعلان