إعلان

مؤسسة أبوظبي للفنون تُفعِّل حوارات المبدعين افتراضياً

د. أمــل الجمل

مؤسسة أبوظبي للفنون تُفعِّل حوارات المبدعين افتراضياً

07:00 م الإثنين 18 يناير 2021

جميع الآراء المنشورة تعبر فقط عن رأى كاتبها، وليست بالضرورة تعبر عن رأى الموقع

أحد أهم وأجمل آثار كورونا- كوفيد- 19 أن التواصل والاندماج مع كثير من الفعاليات الثقافية أصبح متاحاً أمام الكثيرين- من بيوتهم ومن أمام شاشات الكمبيوتر أو الهاتف الجوال- مهما كان موقعهم على خارطة العالم، فأغلب تلك الأنشطة يتم أونلاين، عبر برنامج زوم، أو ميكروسوفت تايمز، وغيرهما من برامج التفاعل الجماعي.

لم يعد الأمر يتطلب السفر، أو التضحية بإحدى الفعاليات لأجل حضور أخرى.

النقاشات في تلك الجلسات والأمسيات يتم في وقت محدد، وغالباً لا يستغرق أكثر من الزمن الفعلي للمناقشة، فليس هناك مجال لتضييع وقت في المواصلات أو صعود الطائرات أو حتى قيادة السيارة الخاصة.

أسعدني الحظ أن أشارك في عدد من أبرز هذه الفعاليات، ومنها الجلسات الافتراضية لمجلس مؤسسة أبوظبي للفنون، والتي انطلقت في الأسبوع الأخير من الشهر المنصرم، من خلال ميكروسوفت تايمز، وجاءت تحت عنوان: «كيف استجاب الأدب والفن لتأثير التحولات الاجتماعية والفكرية؟»، وكأن المسئولين هناك يُصرون على أن يختتموا العام بأشياء إيجابية رغم جائحة كورونا.

في تلك الجلسة- التي أدارتها بسلاسة وعذوبة الإعلامية سامية بدر، مديرة الشراكات الاستراتيجية والإعلام بالمؤسسة- شارك، الكاتب والمخرج السينمائي، ناصر الظاهري، والشاعر والإعلامي، طلال سالم، والفنانة التشكيلية، الدكتورة نجاة مكي، والناقد الأدبي، الدكتور محمد الفاتح.

جاءت كلمات الضيوف مُطعمة بالتجربة الذاتية الجذابة، إذ تناول الشاعر طلال سالم موضوع علاقة الأديب بمجتمعه ووعيه لما يجري حوله من متغيرات، مؤكداً على ضرورة التجاوب معها، مشيراً إلى التغيرات السريعة التي مست المجتمع في تلقي الأدب والكتابة بين الأجيال، بينما تطرق الدكتور محمد الفاتح للأزمة التي تعيشها اللغة حالياً في ظل واقعنا الفكري والاجتماعي والانفتاح الحضاري، وأهمية اللغة العربية ودورها ومميزاتها ومكانتها والآفاق التي رسمتها دولة الإمارات لدعم هذه اللغة العريقة، مؤكداً من موقعه النقدي على أنه لابد من وجود علاقة حب بين النص الإبداعي والناقد كي تتم العملية النقدية.

تمرد أم امتثال؟!

أما، الفنانة التشكيلية، الدكتورة نجاة مكي فقدمت إحدى لوحاتها المميزة للنقاش، ورداً على سؤال سامية بدر: عندما يقوم الفن التشكيلي بالتعبير عن تأثير التحولات الاجتماعية والفكرية فهل يعتبر ذلك- العمل الإبداعي- تمرداً أم امتثالاً لتلك التحولات؟

أجابتها د. نجاة بأنه «مزيج بين الإثنين»، مع توضيح أن تعريف الامتثال كما تراه المبدعة بأنه ليس الاستسلام، ولكنه إذعان فيه قدر من المطاوعة.. فمثلاً تطور التكنولوجيا والثورة المعرفية في العالم لابد من محاولة مواكبتهما، وتطويعهما للإفادة منهما في لوحاتها، وتطوير أسلوبها.. إذ لا يمكن أن تُقاطعها أو تتمرد عليها بحجة الحفاظ على الأصالة. لكن الذكاء هنا في المطاوعة، والبحث عن حلول بديلة عبر الخيال والتنقيب والعمل المستمر، من خلال الألوان والخامات والأفكار العميقة بمدلولها الاجتماعي والفكري.

ما بعد الحداثة

أما تعامل الفنانة مع مفهوم «ما بعد الحداثة» فهو مزيج من التمرد والامتثال، فإذا كانت «ما بعد الحداثة» تنقد السرديات الكبرى وتفضل السرديات المصغرة، والأحداث المحلية، فالدكتورة نجاة مكي في الجداريات التي رسمتها تتناول الأحداث المحلية، لكن من خلال نظرة كونية واسعة، كمثال قضايا التسامح الديني والمساواة، أو موضوع المرأة والقيود المفروضة عليها والأعباء التي تواجهها.

يمكن أن يتضح مفهوم الامتثال، أيضاً، في الأسلوب عندما يتم بنفس النظرة الواقعية المؤلمة، أو ربما يتمرد الفنان بتحويل المأساة إلى السخرية. هنا نجد محاولة الفنان في التعبير عن ذاته، وإخراجها من سياجها، ومن عزلتها تجاه العالم، وكأن ذلك تكسير لسلبية الوعي في تفاعله مع العالم الخارجي، وهذا تمرد.

التأويلات الثلاث

أثناء مداخلتي بهذا النقاش طرحت سؤالاً على د. نجاة مكي كالتالي: يقال إن هناك ثلاثة أنواع من التأويل، الأول التأويل- الذاتي- الداخلي للفنان إزاء الواقع وموضع عمله، ثم تأويل التأويل، وهو التأويل الجمالي الذي يعكس من خلاله الفنان شعوره وتجاربه وخبراته على اللوحة أو العمل الفني، ثم يأتي تأويل المتلقي.. أو التأويل التفاعلي، سواء كان ناقداً أو جمهوراً.. فهل تنشغل الدكتورة نجاة مكي بهذا التأويل التفاعلي؟

أجابتني الفنانة الإماراتية القديرة قائلة: الفن ظاهرة اجتماعية، تفترض وجود أكثر من وعي واحد، أولاً، وعي المبدع، ثم وعي الناقد، وأخيراً، وعي الجمهور.. وأنا مؤمنة بأن التأويل الثالث- والذي نقصد به الجمهور وتأويله التفاعلي- لا يخضع لشروط الفنان، وإنما لشروط المتلقي ومخزونه البصري وذائقته الجمالية ورصيده الثقافي، وأيضاً أزماته وصراعاته وتجاربه الذاتية، الأمر الذي يجعل صور هذا التأويل متعددة ومتباينة بتعدد المتلقين وتباينهم.

المنصات الرقمية

ثم اشتبكت بمداخلة مع الصديق العزيز، المخرج والكاتب، ناصر الظاهري- الذي تابعت جميع أعماله الوثائقية وقت صدورها، وكثيراً من كتاباته- ففي البداية هنأته على الزخم الإنتاجي وقدرته على تحويل كارثة كورونا- رغم حرمانه من السفر المعتاد إلى فرنسا- إلى حالة إبداعية، حيث كتب عدداً من القصص القصيرة والروايات، مثلما يعمل على فيلم سينمائي جديد.

كان الاختلاف في الرأي مصدره انحياز المخرج إلى دور العرض السينمائي، مؤكداً على أن عرض الأفلام لا يجب إلا أن يكون على الشاشة الفضية الكبيرة، رافضاً فكرة المنصات الرقمية، أما أنا فرأيي أن الجميع يمكن أن يتعايش سوياً، إذ يمكنني مشاهدة الفيلم على الهاتف، أو على شاشة التلفاز، أو على أي شاشة عرض منزلي، أو حتى في السينما. لست ضد منصات العرض الرقمية، فلكل جمهوره، ونجاح أحدها لا يجب أن يلغي الآخرين أبدا، فمبدأ التعددية وحرية الاختيار يقتضي هذا.

الانحياز للفيلم ذاته

أما حجتي في التعددية فمرجعها أن شاشة العرض السينمائية ليست هي التي تحدد هوية الفيلم، وليست هي الفيصل في أن هذا الفيلم جيد أم ضعيف من ناحية اللغة السينمائية.

إن الفيلم الجيد سيظل جيداً، سواء شاهدته على شاشة السينما، أو حتى على الموبايل، إذا كانت القصة مكتوبة بشكل عبقري، محكم، والشخصيات مرسومة بصدق، والديكور والإضاءة والتمثيل متقنا، هنا مهما تم حذف المؤثرات الصوتية والبصرية بكل أبعادها، فطالما أن الفيلم جيد وصادق في سرده، فكل هذه «البهرجة»- من مؤثرات تكاد تشبه الألعاب النارية- سوف لن يُؤثر غيابها على تلقي الفيلم عبر شاشة الهاتف الجوال.

الظريف في الأمر، أن كلا منا تقبل اختلاف الآخر، وإن لم يتفق مع وجهة نظره، من دون أن نتخلى عن احترامنا وتقديرنا لبعضنا البعض، مما جعل الدكتور حامد بن محمد خليفة السويدي- مؤسس ورئيس مجلس أمناء مؤسسة أبوظبي للفنون- يُشيد بمستوى الحوار واللياقة في الاختلاف، مؤكداً على أن تنظيم هذه الفعالية كان لأجل استعراض التحولات الاجتماعية والفكرية للأدب والفن وتأثيرها على المشهد الثقافي، عبر الحوار الخلاق وتبادل الآراء بشأن مواضيع وقضايا مهمة تمس واقعنا اليوم، وذلك لانخراط مجتمعاتنا بشكل أكبر في دائرة العولمة بكافة تجلياتها، ثم لفت إلى أن هذه المنصة تسعى إلى إثراء المشهد الفني المحلي والعالمي من خلال تفعيل الحوار بين المتخصصين، بالفنون على اختلاف أشكالها، وجمهورهم الفني.

بقي أن نشير إلى أن الدكتور حامد السويدي رغم دراسته للاقتصاد وإدارة الأعمال، لكن ذلك لم يجعله يتخلى عن شغفه بالفنون والثقافة، ومنحهما مزيداً من وقته وجهوده، إذ تأثر بنشأته في بيئة تزخر بالفكر والإبداع، فكان من الطبيعي أن يُقدّر الفنون، وفوق ذلك يُضيف: «تربينا على الانفتاح على مختلف ثقافات العالم والاستفادة منها، دون أن ننسى تراثنا وثقافتنا الأصيلة فهي راسخة في الشخصية».

إعلان

إعلان

إعلان