بعد أسبوعين من "العودة المنقوصة".. هل التزمت المقاهي بنسبة تشغيل 25%؟
كتب- أحمد شعبان:
مساء أمس، التقى محمد سلطان رفاقه على أحد مقاهي وسط القاهرة، في أحد الشوارع المتفرعة من شارع شريف. اتخذوا مقاعدهم أمام المقهى؛ فقد غابوا عنه لنحو 100 يوم، بسبب إجراءات الإغلاق وحظر التجوال الذي فرضها تفشّي وباء "كورونا" المستجدّ. تبادلوا بحرارة السلام مع "مجدي" عامل المقهى، أحضر الأخير لهم "المشاريب"، وبينما هم مُنهمكمون في الحديث، من خلف "الكمامات" خلال جلسة افتقدوها طويلا تبدّل الأمر فجأة، إثر صوت أحد العاملين بالمقهى: "لمّوا الكراسي والترابيزات وكله يدخل جوّه".
كان العامل يقف عند ناصية الشارع، أتى مهرولاً صوب باب المقهى، بعدما شاهد قدوم إحدى حملات التفتيش الدوري على المقاهي لمتابعة الالتزام بالضوابط والإجراءات الاحترازية، بعدما بدأت الحكومة، قبل نحو أسبوعين، تطبيق حزمة قرارات جديدة للتعايش في ظل انتشار "كوفيد-19"، منها فتح نسبي للمقاهي والمطاعم بنسبة تشغيل 25% من طاقتها، على أن تغلق المقاهي أبوابها عند العاشرة مساءً، علماً بأنه لم يُسمح بتقديم "الشيشة"، وفق الضوابط المقررة.
بموجة من الكوميديا والبهجة، استقبل مستخدمو مواقع التواصل الاجتماعي عودة المقاهي بربع طاقتها. لكن على أرض الواقع، ترتسم صورة أخرى، بالنسبة إلى "مجدي" عامل مقهى بوسط البلد، فإن نمط التشغيل الجديد يصعب الالتزام به "لو التزمت بـ25% نسبة تشغيل مش هستقبل غير 10 زباين فقط"، وهو رقم ضئيل لن يدرّ دخلاً يغطي تكلفة التشغيل وأجرة العاملين، فضلاً عن تحقيق ربح، لذا لم يكن بد من افتراش الكراسي في الشارع أمام المقهى، كما كان الحال في السابق، ويظل عاملو المقهى في حالة ترقّب، خوفاً من تحرير مخالفة، أو فرض غرامة أو الإغلاق، من قِبَل حملات التفتيش التي تجوب شوارع وسط القاهرة.
حملات التفتيش التابعة لوزارة التنمية المحلية رصدت في أول أسبوع من استئناف نشاط المقاهي في محافظات مصر نحو 200 مخالفة متنوعة، تخص تقديم "الشيشة" وعدم الالتزام بـ"التباعد الاجتماعي" وبنسبة التشغيل المقررة بـ25% من طاقة العمل، بحسب ما أعلنت الوزارة في الخامس من يوليو الجاري.
حين اقترب رجال التفتيش من مقهى "مجدي"، كان العامل قد قام بمعاونة رفاقه بجمع الكراسي والترابيزات البلاستيكية الموزعة في الشارع وإدخالها إلى المقهى. وُزّع الزبائن على بضعة كراسي بالداخل، في مساحة ضيّقة لا تتجاوز 15 متراً. وبعد دقائق همّ محمد سلطان ورفاقه، وغادروا المقهى، مفضّلين التمشية في شوارع العاصمة على جلسة تزيد التوتر والقلق، في أيام الوباء التي لا ينقصها ذلك.
بالنسبة إلى الشاب العشريني فإن "قعدة القهوة" فقدت روحها، وهو الذي اعتاد لسنوات الجلوس عليها يومياً تقريباً. في زمن "كورونا"، لم يعد المقهى الملاذ والملجأ للباحثين عن جلسات السهر، تبددت رغبة الرفاق في مساحة من الهدوء بعيداً عن ضجيج العاصمة "الإغلاق المبكّر في العاشرة مساءً يعني مفيش قعدة قهوة بشكلها اللي متعود عليها، بالنسبالي القهوة يعني السهر"، زادت الحيطة والتوجّس، باتت اختيارات الشاب من "المشاريب" مقتصرة على "الحاجة الساقعة فقط لأنها مقفولة وشايفها أمان أكتر"، كذا يراوده من حين لآخر هاجس احتمالية الإصابة في ظل عدم الالتزام بفرض "التباعد الاجتماعي" بشكل صحيح "وناس كتير بتكون قاعدة على القهوة ومش لابسة كمامات"، وهو ما بدا لافتاً في جولة على مقاهي وسط البلد.
ترسم مقاهي "وسط البلد" صوراً متباينة للعودة "المنقوصة" للعمل قبل نحو أسبوعين؛ يقضي عمال المقاهي الواقعة في الشوارع الرئيسية والمتفرعة منها فترات توجس وترقّب "لأننا بنفرش في الشارع وده بيكون عليه مخالفة وتفتيش في الأيام العادية من قبل كورونا، ودلوقت الموضوع بقى بزيادة وبشكل شبه يومي"، يقول مجدي، فيما يبدو حظّ المقاهي التي تتخذ بين العمارات ممراً تفترشه الكراسي والترابيزات أفضل.
كذلك اختلفت الاستجابة لاستئناف النشاط الذي بدا خافتاً في أول أيام الفتح، كما الحال بالنسبة لشوارع وسط البلد وصخبها الذي يعود شيئاً فشيئاً. لكن بعض المقاهي، كانت لا تزال خاوية إلا من 5 زبائن فقط، راح الزخم والضجيج، بينما بدت أخرى مزدحمة مثلما كان عليه الحال قبل ظهور الوباء وإغلاقها.
في التاسعة والربع مساءً، كان رجال التفتيش، يمرون على المقاهي الواقعة خلف سينما أوديون، التي تنتشر كراسيها بطول الممر الممتد من شارع طلعت حرب حتى شارع عبد الحميد سعيد. أربك حضورهم صاحب المقهى والعاملين، والزبائن الذين همّوا بالمغادرة "خليكم قاعدين إحنا جايين لصاحب القهوة"، قالها أحد رجال التفتيش، قبل أن يبدأوا في حديث مع صاحب المقهى حول الالتزام بالضوابط المقررة، من نسبة تشغيل لا تتجاوز 25%.
هذه النسبة التي رآها عامل المقهى بوسط البلد لا تدر دخلاً أو تغطّي تكاليف التشغيل، يأمل "إبراهيم علي"، صاحب مقهى في منطقة فيصل بالجيزة الوصول إليها. ورغم أنه لم يلتزم بالإغلاق في الموعد المحدد 10 مساءً، وأنهى العمل عند منتصف الليل، لكنّ المقهى يظل شبه خاوٍ طوال ساعات العمل التي تبدأ في العاشرة صباحاً "ممكن 15 واحد بالكتير يقعدوا عندي طول اليوم، وأنا بفضل فاتح لغاية 12 بالليل عشان أصحاب المحلات الموجودين في الشارع، بيطلبوا مشاريب"، ورغم أن ذلك لا يعوّض فقدان الزبائن وجلساتهم التي كانت تمتد بالساعات في المقهى "لكن أحسن من مفيش".
في فترات الإغلاق، حوّل إبراهيم مقهاه إلى فرشة لبيع البطيخ، استبشر خيراً مع العودة، لكنّه الآن يفكّر في الإغلاق إذا استمر الحال كذلك. يلخّص الرجل الثلاثيني أزمات مقهاه "مفيش زبائن بتيجي زي الأول، ومفيش شيشة بتتقدم فالدخل قلّ بنسبة أكثر من 80 %، كان عندي 7 شغالين في القهوة بقوا 3 فقط"، يمر الوقت ثقيلاً عليهم في المقهى المتسع، يقول "محمد ياسر"، أحد العاملين، إن دخله تقلّص بنسبة كبيرة تتجاوز 70%، بعدما انخفضت أجرته اليومية التي يحصل عليها من المقهى، وغاب "البقشيش"، مع غياب الزبائن.
على عكس إبراهيم، يلتزم "أبوياسين" بالإغلاق في الموعد المقرر، لكنه يقول عن بقية الضوابط "الناس التزمت بالكمامات في الأول لكن بعد كده لأ، ومش هقول لحد ما يدخلش"، فيما يتمنى أن يتم تمديد موعد الإغلاق، خاصة أن ذروة عمل مقهاه تبدأ عادة في الصيف، من الساعة التاسعة مساءً وحتى الثانية بعد منتصف الليل "دلوقت بقينا تقريباً بنشتغل ساعة واحدة، اللي هي فيها زباين بشكل مستمر، وبيعتمد عليها دخلنا بشكل أساسي"، فيما مضى كان 50% من دخل المقهى اليومي يأتي من رواده في ساعات الليل، التي يغلق فيها الآن "دلوقت الدخل اليومي قل لأكتر من النص".
يحاول أصحاب المقاهي التأقلم، فلجأوا إلى تخفيض العمالة وأجر من بقي منهم "كنا حوالي 6 شغالين دلوقت بقينا 3، والأجرة قلّت حوالي 25%"، يذكر أبوياسين.
ويقول "تيسير محمد"، صاحب مقهى في منطقة مشعل بالهرم، إن العاملين في مقهاه كانوا 7، صاروا 2 فقط "بقيت أنا وعامل تاني اللي شغالين بس، الشغل قليل طبعا يدوب 20% مقارنة بقبل كورونا، والحركة مش ماشية، واليومية كانت 180 جنيه قبل كورونا، دلوقت بقت 80".
ساعد "تيسير" على استمرار العمل بمقهاه انخفاض مصروفات التشغيل، يقول "الإيجار بقيت بدفع النصف، 6 آلاف جنيه، وده كرم من الرجل اللي مأجر منه، لأنه شايف الحال واقف"، وكذلك قلة مصروفات الكهرباء أو المياه وغيرها من المتطلبات مع انخفاض ساعات العمل، وقلة عدد الزبائن. فيما يأمل أن تعود للمقهى "حياته الطبيعية" مثلما كانت قبل الجائحة.
فيديو قد يعجبك: