إعلان

إعادة فتح مساجد إيطاليا.. إمام "ميلانو" من المنبر إلى دفن موتى "كورونا"

01:03 م الأربعاء 17 يونيو 2020

كتب- محمد زكريا:

30 عامًا، قضاها عبد الله تشينا في إيطاليا، لم يشهد محنة كتلك التي سببتها جائحة كورونا، فالجزائري إمام مسجد ميلانو سيستو، كان عليه في الـ23 من فبراير الماضي التأقلم مع الوضع المستجد بالبلد الأوروبي، حيث تفشى مرض كوفيد-19 بين مُدنه، أصاب وقتل الآلاف في أيام معدودات، لتُطبق الحكومة إجراءات احترازية شديدة الصرامة، من بينها إغلاق مسجد مدينة ميلانو لأول مرة، ليتحول إمام صلاة المسلمين في ثاني أكبر المدن الإيطالية سكانًا إلى ساعٍ نحو تغسيل موتاهم، تكفينهم ودفنهم إلى مثواهم الأخير.

صورة 1

أيام ثقيلة، مر بها تشينا، ليس فقط لتحول إيطاليا إلى واحدة من بؤر تفشي الوباء عالميًا، ووفاة أكثر من 34 ألف شخصًا في أقل من 5 أشهر، لكن أيضا لإغلاق المساجد، فقلب الرجل الجزائري مُعلق بالإمامة "إغلاق مسجد ميلانو سيستو أفقدني لذة صلاة الجماعة، والدروس الدينية واللقاء مع الناس.. افتقدت بركة المسجد وروحانياته العالية"، لكنه تفهم الإغلاق، وعى أبعاده ووجد في القرار الحكومي حكمةً، في وقت لم يتوقف فيه كورونا ليوم عن حصد مزيد من الأرواح.

وجد تشينا دورًا لنفسه أثناء الجائحة، لا يقل أهمية عن إمامة المسجد، يدعو "إلى الله بالحكمة والموعظة الحسنة"، في حث الناس على الالتزام الجاد بالإجراءات الاحترازية، و"نشر ثقافة التفاؤل، والصبر، وطمأنة الناس، وتقديم البشارات والأخبار الإيجابية التي تعينهم على الوضع الجديد.. كان همنا ألا تنكسر النفوس في تلك المرحلة الصعبة".

تجول افتراضي أمام مسجد ميلانو سيستو

بعد إغلاق "ميلانو سيستو"، انتقل الإمام بنشاطات المسجد إلى الساحات الإلكترونية "عن طريق الإنترنت ووسائل التواصل الاجتماعي، استمر تحفيظ القرآن الكريم ودروس اللغة العربية والاجتماعات والدروس اليومية، حتى لا يحدث فراغ ديني".

أنفوجراف 1 (1)

فصل جديد فرضته الأزمة على الإمام والمواظبين على مسجد ميلانو سيستو لصالح المسلمين في إيطاليا، "كان دورنا كبيرًا في رعاية كبار السن والمرضى نفسيًا واجتماعيًا، في ذروة تفشي الوباء"، وبخاصة المصابون بفيروس كورونا وأسرهم "كنا نتواصل مع المصاب بكورونا، ونطمئن عائلته عليه، ونبدي استعدادنا لأسر المتوفين بتوفير كل ما يحتاجونه في المستقبل".

جلاري (7)

ليتوسعوا في مضمار تقديم الخدمات لمحتاجيها "بعض العائلات أصابتهم ضائقة كبيرة في ظل الأزمة"، فأنشأ تشينا مع زملاء له مشروع "توصيل القفة الغذائية للعائلات المحتاجة، ووصلنا إلى ما يزيد على 600 مستفيد، وهذا إنجاز كبير".

صورة 3

ضرورة أخرى فرضها "كورونا المستجد"، وهي تغسيل المسلمين المتوفين بمرض كوفيد-19، تكفينهم وتشييع جنازاتهم، حتى الدفن، مع الالتزام بالقوانين التي فرضتها إيطاليا في هذا الشأن، لمنع المزيد من الإصابات والوفيات، "كثير من المتوفين لهم عائلات في بلدانهم الأصلية، ولا يمكنهم بالطبع المشاركة في مراسم الدفن، وهذا صعب جدًا على النفس البشرية، فكنا نتواصل مع عائلاتهم في مصر والمغرب وتونس والجزائر وكل بلاد المسلمين، ليتابعوا الجنازة عبر البث المباشر على وسائل التواصل الاجتماعي، بحيث يطمئن ذووهم، والحمد لله كان لمجهوداتنا أثر كبير في تهدئة النفوس".

نهاية إبريل الماضي، نجحت إيطاليا في حصار كورونا، فيما شهدت أعداد الإصابات والوفيات تراجعًا، لتُخفف الحكومة إجراءات الإغلاق تدريجيًا، وتعلن بدء مرحلة التعايش التدريجي مع الفيروس بدءًا من 3 مايو الماضي، وتسمح بإعادة فتح دور العبادة أمام المصلين ابتداءً من 18 مايو الماضي، لكن اتحاد الهيئات والجاليات الإسلامية في إيطاليا ارتأى تأجيل موعد الفتح لما بعد عيد الفطر المبارك، وكان الفتح تدريجيًا حسب قدرة والتزام كل دار عبادة بتطبيق الاحترازات الطبية.

sr

في الـ26 من مايو، أُعيد فتح مسجد ميلانو سيستو لأداء الصلوات الخمس، وصلاة الجمعة أيضا، ليُعبر تشينا لمن حضر من المصلين عن امتنانه لتلك الخطوة، وحرصه على ألا تُسبب أذى ولو لإنسان واحد.

بعض من كلمات إمام مسجد ميلانو سيستو، التي يُلقيها على مسامع المصلين، عبر التسجيل الصوتي التالي:

فيما يحرص الإمام على الالتزام بالقوانين الإيطالية المفروضة والإجراءات الاحترازية، "نفتح المسجد قبل الصلاة بحوالي 20 دقيقة، لكن أماكن الوضوء لا تزال مُغلقة، لأن القانون يُشدد على تعقيم دورات المياه بعد كل صلاة، وهناك صعوبة في تطبيق ذلك الأمر، فيكون الأفضل أن يتوضأ كل مصلٍ في بيته، ثم نغلق المسجد بعد 10 دقائق من الصلاة.. ليكون فتح المسجد حوالي 40 دقيقة في كل صلاة" يشرح تشينا، لكن "صلاة العشاء الساعة 11 ليلا في إيطاليا، فارتأينا أن نصلي المغرب والعشاء في الفترة الصيفية جمع تقديم، حتى يتقدم موعد العشاء ونصليها في موعدها".

قبل أن تبدأ الصلاة، هناك إجراءات يلزم اتباعها بصرامة "عند الدخول من بوابة المسجد يَلزم ترك متر بين كل مصلٍ وآخر، ويتم قياس درجة حرارة المصلين قبل الدخول، ويُمنع دخول من تصل حرارته لـ37.5 درجة مئوية، كما يتم توفير معقمات للمصلين في الدخول والخروج، ويفرض ارتداء الكمامة طوال فترة التواجد في المسجد"، وفي ساحته "يَلزم ترك مترين بين الصف والآخر، ومتر على الأقل بين كل مصلٍ وآخر، وتكون أماكن المصلين داخل المسجد مُحددة سلفا".

في تلك الأيام، يصل متوسط الحاضرين بكل صلاة إلى حوالي 150 فردًا، وفي صلاة الجمعة يصل العدد لحوالي 700، ليتم تنظيف المسجد وتعقيمه بعد كل صلاة، قبل إغلاقه لأداء أخرى، في الوقت الذي تشهد فيه أعداد الإصابات والوفيات اليومية جراء "كورونا" بإيطاليا تراجعًا مطردًا.

تابع موضوعات الملف:

العالم يقيم الصلاة.. حكايات عودة المساجد في زمن "كورونا" (ملف خاص)

صدى لم ينقطع.. صلوات العمال ونس المسجد الحرام في الإغلاق

ليلة عيد للمصلين.. كواليس فتح المسجد النبوي بعد إغلاقه بسبب "كورونا"

الفتح المُصغّر.. أهل القدس يلتقون "الأقصى" بعد 69 يومًا من الغلق

عبر الإذاعة المصرية.. كيف نَقل"مدني" أجواء أول صلاة جمعة منذ إغلاق المساجد؟

أحلام المصريين بعودة الصلاة في الحرم.. التعلق بأستار الكعبة عبر التليفزيون (تقرير)

عودة مُفعمة بالألم.. حكاية فتح أول مسجد بألمانيا بعد 60 يومًا من إغلاقه

صلاة خلف الأبواب الموصدة.. أئمة وعُمال في حضرة المسجد رغم الإغلاق

"ونس في بلاد الغربة".. حكايات العرب مع فتح المساجد في أمريكا

المسجد "بيت" وصُحبة.. عودة أكبر مركز إسلامي في "فينيكس" الأمريكية

"غدًا يلتقي الأحبة".. مصريون يتلهفون للعودة إلى المساجد في زمن الكورونا

بقرارات صارمة.. أول العائدين إلى صلاة الجماعة في العالم رغم "كورونا" (تقرير)

"كالخروج من السجن".. حال عودة المساجد الأردنية خلال أزمة "كورونا"

فيديو قد يعجبك:

إعلان

إعلان