"مافي شيء يوقفنا ".. حال العراقيين مع معرض كتاب بغداد في ظل "كورونا"
-
عرض 3 صورة
-
عرض 3 صورة
-
عرض 3 صورة
كتبت-إشراق أحمد:
منذ تفشي فيروس كورونا المستجد (كوفيد19) في العراق، وقيدت نور حازم من حركتها خارج المنزل، تخلت عن زيارتها المحببة لشارع المتنبي لشراء الكتب، لشهور اكتفت الشابة بما لديها من عناوين، لكن هذا لم يغنيها عن عادتها الشغوف "أنا جدًا أحب القراءة وأجد نفسي بين سطور كلمات الكتاب"، لهذا ما استطاعت التحمل طويلاً، ما إن علمت عن إقامة معرض دولي للكتاب في بغداد، حتى غمرتها السعادة وترددت على المكان لمرة واحدة، تزودت فيها بما يعينها على الظروف الجديدة.
في التاسع من ديسمبر الجاري، اُفتتح معرض العراق الدولي للكتاب. 10 أيام استمر فيها الحدث الثقافي الكبير، تحمس له العديد من العراقيين، خاصة وهو أحد أكبر الفعاليات التي جرت في الوطن العربي هذا العام بظل الأوضاع الاستثنائية لفيروس كورونا، الذي أصاب إلى الآن نحو 584145 عراقيًا وفق بيانات جامعة جونز هوبكنز الأمريكية.
لم يكن كورونا وحده ما دفع نور على التأقلم، يمر العراق باضطرابات منذ الغزو الأمريكي عام 2003، وما بعده من الحرب لإخراج تنظيم الدولة "داعش" من المناطق التي سيطر عليها، تقول الشابة لمصراوي "كعراقية أصبحت متقبلة الظروف والأوضاع واتعايش معها مثل الماء والهواء والشجر"، لهذا وجدت الشابة في المعرض متنفس لها في هذه الفترة للاطلاع على مختلف الثقافات، ورؤية القراء من أبناء بلدتها، ومعرفة إصدارات مختلفة من الدول العربية والأجنبية.
جهزت نور قائمة بما تريد من كتب، وبالتوازي وضعت خريجة الحقوق خطة لـ"كورونا"؛ أولها الذهاب بمفردها دون اصطحاب أسرتها "واخترت أذهب في الصباح في أول ساعات الافتتاح لكون عدد المترددين قليل مقارنة بالأوقات الأخرى"، فيما التزمت أثناء جولتها بالتعقيم المستمر، مع ارتداء الكمامة، وتفادي الأماكن المزدحمة.
حينما وضعت نور أقدامها على أرض المعرض، اكتملت سعادتها، لمعت عيناها بينما ترى الأطفال يمسكون الكتب بين أيديهم، واستمعت إلى مناقشات القراء حول مشترياتهم وعناوين الكتب، فيما لفت انتباهها الإجراءات الاحترازية والتعقيم المستمر عند دخول أي جناح. حررت الشابة شيئًا ما بعد فترة التقييد الإجباري في المنزل.
5 صالات كبرى بمساحة 6680 مترًا مربعًا شملها معرض العراق للكتاب، شهدت مشاركة 300 دار نشر من 21 دولة عربية وأجنبية. كانت الدورة الحالية للمعرض حدثًا منتظرًا لعاشقي القراءة، خاصة بعد تأجيله مرتين، الأولى لاندلاع المظاهرات أكتوبر 2019، والثانية بعد تفشي جائحة كورونا.
تشوق حسن مازن لزيارة المعرض حتى أنه ظل متابعًا بدأب لمنشورات الصفحة الرسمية للحدث الثقافي، وأحيانًا لفرط حماسه يبادر بإجابة السائلين على الصفحة، وطيلة فترة إقامة المعرض أخذ يدعو المحيطين له للزيارة.
انقطع مازن في السنوات الأخيرة عن التردد على معارض الكتب بسبب ارتفاع أسعار الكتب، اتخذ من شارع المتنبي مقصدًا له حال الكثير، ذلك الشارع القريب الشبه من أجواء سور الأزبكية في القاهرة أو النبي دانيال في الإسكندرية، إلا أنه لم يغنيه عن رغبة الذهاب إلى معارض الكتاب "في بعض الأحيان لا أجد ما أبحث عنه في مكتبات المتنبي فأذهب إلى المعارض وأخذ الكتاب من دار النشر"، لهذا جاء معرض بغداد ملبيًا لرغبة مازن بعد فترة الانقطاع.
ورث مازن حب القراءة عن جده الذي امتلك مكتبة ضخمة، شهد فيها عدد كبير ومتنوع من الكتب حتى أنه قام بإنشاء مكتبته الخاصة، التي يزودها بعناوين جديدة بعد الذهاب إلى المعارض.
كذلك انتظرت عواطف حسين بفارغ الصبر معرض العراق الدولي الذي حمل دورته اسم الشاعر العراقي مظفر النواب، اعتادت السيدة التردد على معرض الكتاب الدولي منذ الثمانينيات، تصحب أولادها منذ كانوا صغار وبعدما شبوا لم تنقطع لعام عن عادتها.
لمست عواطف تغيير في التنظيم عما شهدت بالسابق "السنة الحالية أضافوا فقرات فنية راقية مع لوحات تعبيرية من قبل الشباب إضافة إلى الجلسات الحوارية ومناقشة أوضاع اجتماعية وسياسية واقتصادية وحفل لعرض أزياء يعكس التطور الحضاري للعراق".
زارت الأم المعرض مرتين، لكنها لم تشبع نهمها لاقتناء الكتب "لولا انشغالي لكنت زرته أكثر"، لكنها تمتن لما حصلت على من مجموعة كتب تراثية وتربوية تضمها إلى مكتبتها العامرة بالعناوين.
إقامة معارض الكتب ليس غريبًا على أهل العراق، بل هو حدث منتظر في عدة محافظات، أكبره في بغداد واربيل والبصرة، وبالنسبة لهديل ماجد، لا تقتصر زيارة المعارض على اقتناء الكتب، بل تبادل الحديث مع القراء والاستماع إلى أهل الثقافة قد يعادل لها الاستفادة من قراءة كتاب، كذلك هو فرصة لترغيب الصغار في القراءة، فالعديد من المدارس تنظم "سفرات" حسب تعبير معلمة اللغة العربية، وتعني اصطحاب الطلاب المتميزين إلى المعرض "تكون لهم هاي الجائزة لتميزهم.. نشتري له قصص".
لم تتمكن هديل من اصطحاب طلاب لها هذه المرة، لكنها كانت متلهفة للذهاب إلى المعرض خاصة وأن آخر زيارة لها عام 2016، تحدث ظروف العمل وتخلت عن عادتها في التردد على الأقل مرتين، واكتفت بمرة وحيدة زارت فيها معرض العراق الدولي، ذهبت إليه طالبة دراسات عليا وليست هاوية للقراءة كما اعتادت لـ13 عامًا "روحت عشان موضوع الرسالة الخاص فيا.. اطلع على الكتب".
لساعات امتدت من التاسعة صباحًا حتى السادسة مساءًا ظلت هديل تنهل من تفاصيل، لم يشغلها كثيرًا الحديث عن الموجة الثانية لفيروس كورونا المستجد، ترى المعلمة أن "أبدًا أحنا العراقيين ما في شيء يوقفنا عن الأشياء اللي نريدها".
ما خلت ساحة معرض العراق من الزائرين طيلة الأيام، وهو ما رصده كاظم البغدادي في تغطيته الأولى للمعرض كصحفي، يدرس البغدادي في قسم الإعلام بكلية الأداب، وقرر أن يتخذ من الحدث الثقافي قبلة للعمل والتدريب، كون الشاب نظرة مختلفة تقارن بين الدورات الحالية والسابقة التي شهدها كزائر "إقبال الزائرين للمعرض كان كبير بالرغم من الظرف الصحي وأيضًا دور النشر المشاركة وخصوصًا دور النشر المصرية أكثر من الدورات السابقة".
جاب البغدادي المعرض، يحضر الندوات، يلتقط صور للحضور، يتحدث إلى الضيوف مثلما فعل مع الكاتب المصري أحمد مراد الذي تواجد أثناء فترة إقامة المعرض، رصد الصحفي تفاصيل الحدث، وكيف أن المواطن العراقي "مازال يصر على الحياة ويقرأ ويحلم بعراق أفضل" رغم التحديات التي واجهها من إرهاب وأوضاع اقتصادية بائسة، ومن بعدها فيروس يجتاح دول العالم.
فيديو قد يعجبك: