مفيد يتتبع الحشرات.. حكاية مصور سعودي مع غابات 6 دول (صور)
-
عرض 7 صورة
-
عرض 7 صورة
-
عرض 7 صورة
-
عرض 7 صورة
-
عرض 7 صورة
-
عرض 7 صورة
-
عرض 7 صورة
كتبت-إشراق أحمد:
تصوير-مفيد أبو شلوة:
في البدء كانت الكاميرا وسيلة، بها يجمد مفيد أبو شلوة أوقاته مع أسرته، لكن الحال تبدل مع عام 2010 حين اقتنى أول كاميرا شبه احترافية، طرق أبواب كل مجالات التصوير، طاف الأماكن ووجوه الناس، لكنه وقع في شغف الشقوق وسكانها والأغوار الدقيقة وكائناتها، وتجاوزت رغبته مجرد كسر الرهبة من الحشرات، فألف الاقتراب بين قلبه وبينها، ليتخذ من تصويرها مشوار له، حتى تجول المصور السعودي بين غابات 6 دول وأصبح ضمن فريق علمي كندي.
تخرج مفيد في الكلية التقنية الإدارية. لم يدر صاحب الخامسة والثلاثين ربيعًا دفته فقط عما درس، بل بعد أربع سنوات من الانخراط في التصوير، اتخذ قراره بالتخصص في تصوير الماكرو -مايكرو أو ما يعني "التصوير الفوتوغرافي المجهري".
أبهرت الحياة البرية مفيد، انغمس فيها حد التوحد معها، التقط العديد من الصور، تناسى مخاوفه "منذ الطفولة أخاف من الحشرات والاقتراب منها" يقول لمصراوي، غير أن تفاصيل المخلوقات جذبته، تلك الدقة القائم عليها الطبيعة، وجد أنه مهما بلغت قدرة العين لن تحصي هذا الجمال، لكن الكاميرا بإمكانها أن تفعل، فخاض المشوار مع التصوير المجهري دون أن يغفل خبرة السابقين "الكثير من مصوري الطبيعة والحياة البرية الذين صادفتهم خلال مسيرتي عرجوا على هذا المجال ولم يوفقوا فيه"، لكنه خضع للمواجهة ولازال يبحر، كما يضيف.
محاولات كثيرة مع الكاميرا حتى ذاق مفيد طعم النجاح، كانت الصورة لوجه فراشة خطافية الذيل، يصفها المصور السعودي "الرأس هي مركز الإحساس لما يحمل من عينان مركبتان على جانبي الرأس وتتكون العين من آلاف العدسات الصغيرة وقرني الاستشعار وأجزاء الفم أي (يسروع الفراشة)". إلى الآن تحمل تلك القطة مكانة مختلفة، خاصة لتكريمه عليها من قبل حاكم الشارقة في جائزة دولية على مسرح الجامعة الأمريكية في الإمارة، فضلاً عن كونها حظيت بأكثر من 33 جائزة دولية.
في مدينة القطيف –شرق السعودية- حيث يقطن، توفرت لمفيد البيئة الخصبة لمجال تصوير الحشرات؛ يطوف المصور بين البساتين، يقتفي أثر الكائنات الصغيرة، يفتش عن مكان وزمان التصوير لاقتناص الهدف المنشود "لا يمكن اختيار يوم عاصف أو ممطر"، يقصد فترة قبل شروق الشمس بساعة، وقت السكون، يتهيأ بالملابس المناسبة للحماية مما قد يلقاه من حشرات ضارة، ولا يغفل التمويه، من اختيار ألوان قريبة من الطبيعة، فضلا عن جاهزية معدات التصوير.
إلى الآن وطأ مفيد أماكن عديدة في السعودية، إلى جانب السفر لنحو 6 غابات حول العالم، في النمسا، ماليزيا، إندونسيا، فرنسا، إسبانيا، وألمانيا، ويتوق الشاب إلى المزيد.
أشبع التصوير المجهري نفس مفيد؛ يقوده الفضول والإثارة إلى معرفة المجهول واكتشاف التفاصيل الدقيقة للعوالم البعيدة عن الأعين، تغوص عدسته فتكشف له المبهر، فيروح يقرأ ويبحث في المعرفة العلمية لدراسة الحشرات وسلوكها كي يعرف ويتقن أكثر.
لم يكن الطريق يسيرًا؛ كاد مفيد أن يبتعد عن المجال برمته مع صعوبة الحصول على المعدات المتخصصة، فضلا عن تكلفتها الباهظة. "تصوير الماكرو-ميكرو ثاني أصعب أنواع التصوير الفوتوغرافي بعد التصوير تحت الماء" اختبر المصور الشاب ذلك عمليا، لكنه وجد الدافع؛ كلما رأى مفيد صورة، فورا يراوده التساؤل عن كيفية تصويرها أو إخراجها بهذه الدقة، فيعود إلى إصراره وصبره ويرتقي لمرحلة أصعب، حتى أصبح على يقين بأنه "كلما زادت الصعوبة زادت متعة التحدي".
بات التصوير جزءًا من حياة مفيد اليومية، يبحث عن كل جديد ومختلف، يعرف التقنيات ويجربها، يذكر أن لتصوير الماكرو أقسام، منها ما يعرف بـ"الاكستريم ماكرو أي الاقتراب من الهدف بشكل أكبر والتقاط أدق التفاصيل"، وكذلك تقنية فوكس ستاكنج، وهي ما يوضحها مفيد بقول إن المصور يحتاج إلى التقاط عدد معين من الصور ويدمجها لتصبح صورة واحدة عبر برامج متخصصة.
تغلب مفيد على الصعوبات شيئا فشيئا، المعرفة ذللت الكثير أمامه، لكن مازال هناك مواقف يستدعيها كلما سنحت الفرصة، يتذكر شهر أغسطس من عام 2018، أثناء تجوله في غابة "هوت لوار" بفرنسا، لتصوير أصناف من الحشرات يتطلب الوصول إليها البحث ليلا، وأثناء الاقتراب من أحد العقارب بينما يتغذى على حشرة، هاجمه وأصابه بلدغة فتداركه صديق كان بصحبته باللقاح المطلوب.
كذلك حشرة الرعاش المنتمية إلى فصيلة اليعاسيب. يتذكر كم كلفه البحث عنها في المنطقة الشرقية بالسعودية مشقة كبيرة، إذ تتواجد بالقرب من المستنقعات، وتستشعر خطر الاقتراب منها من مسافة كبيرة، فكان يصعب تصويرها عن قرب، مما ألزمه التواجد وسط المستنقع للالتقاط تفاصيل لها.
في كل مرة ينشر فيها مفيد صورة، يستقبل ردود الفعل، لكن أقربها له، حين حرر صحفي أمريكي يدعى جوشوا راب ليرن مقال حول صوره عن عنكبوت الذنب، مما يدفعه لبذل المزيد من الوقت والجهد لأجل تقديم لقطة مختلفة وغير متداولة في الساحة الفوتوغرافية.
123 جائزة عالمية حصدها مفيد خلال مسيرته في السنوات السابقة، منها حصوله على اللقب الأول من الجمعية الأمريكية للتصوير الفوتوغرافي، أما آخرها ففوزه بالمركز الأول عن مشروعه "وحوش صغيرة" في مسابقة 35 المقامة في روسيا، وتجاوز عدد المشتركين فيها 112 ألف مصور بواقع 391 ألف صورة من 172 دولة، وهو أقرب الإنجازات لقلبه كما يقول "أسعدني بشكل لا يوصف حيث أن محتوى المشروع الفائز هو نفس تخصصي في عالم الخنافس"، فلم يكتف المصور السعودي بتخصصه في نوع التصوير، لكن زاد على ذلك باختصاص فيما يصور.
لا يكتفي مفيد بالمسميات العلمية للحشرات، يهتم بدراسة الجانب العلمي بشكل يوازي فنيات التصوير، فكان ذلك سببا في تواصل أحد الباحثين العلميين في كندا معه، ليكون ضمن الفريق العلمي المتخصص في نوعي من الخنافس، تسمى "الجعالية والجوهرة" خاصة المهدد منها بالانقراض.
منذ عام 2015 أصبح مفيد حلقة وصل بين الفريق الكندي وطبيعة الشرق الأوسط "طلبوا مني الانضام وإرسال عينات أنواع معينة والحمد لله نفذنا مشاريع في السنوات المتتالية عرضت في عدد من المدارس والجامعات"، يشعر مفيد بالفخر كونه العربي الوحيد بين فريق العمل المكون من 6 أشخاص.
غير تصوير الحشرات من مفيد، أصبح جزء من حياته اليومية، يكسره أحيانًا بتصوير الأشخاص للتغلب على الفتور فيعود بشوق أكبر إلى العالم المجهري، الذي زاده رغبة في تفكر وتدبر دقة خلق تلك المخلوقات "تنوع أشكالها وألوانها وإتقان خلقها أدق تفاصيل هذه العوالم التي لربما إلى يومنا هذا ما زالنا لم نعرف الكثير"، لا تزيده المعرفة عن جديد إلا ترديدًا لقوله تعالى "ويخلق ما لا تعلمون".
يعمل مفيد على إصدار كتابه الأول عن حشرات تعيش في البيئة العربية والغربية، ينشر باللغتين العربية والإنجليزية وبالتعاون مع عدة جامعات، يسعى المصور السعودي لطرحه قريبا، كما يجتهد لإكمال توثيق سلسلة خنافس الجعالية والجوهرة بشكل ملم للجانبين العلمي والفني، فيما لا يغادره أمنية الذهاب إلى غابات الأمازون المطيرة لتغطية ما تضمه من خنافس وأصناف حشرات مهددة بالانقراض.
فيديو قد يعجبك: