إعلان

على مداخل العمارات.. كيف وُضعت 122 لوحة لتوثيق سيرة شخصيات مصرية؟

08:03 م الأربعاء 19 سبتمبر 2018

تطبيق مصراوي

لرؤيــــه أصدق للأحــــداث

كتبت-إشراق أحمد:

كيف نوثق حياة المبدعين ومن أثروا الحياة في مصر؟ سؤال طُرح على مائدة الجهاز القومي للتنسيق الحضاري، تداولت الاقتراحات إلى أن وُضعت فكرة مستلهمة من بلاد مثل باريس، فيها تُعرف الأماكن بأسماء من تواجدوا فيها، فهنا أقام الكاتب الشهير، وعلى ذلك المقهى اعتاد أن يجلس الفيلسوف.

من خيط تلك الفكرة، قرر العاملون في الإدارة العامة للحفاظ على التراث، أن يطلقوا المشروع المصري، مضافًا إليه شيئًا من الاختلاف يجذب الشباب من المتعاملين مع التكنولوجيا. فكان موقع "عاش هنا" المرتبط محتواه برمز، تحمله لافتة ذهبية توضع على عقار سكنه أحد الرواد والمؤثرين في الثقافة المصرية.

كان ذلك في يونيو عام 2017، حين بدأ تنفيذ المشروع. تقول هايدي شلبي، مدير الإدارة العامة للحفاظ على التراث بالجهاز القومي للتنسيق الحضاري، إنه تم عقد اتفاقية مع مركز دعم واتخاذ القرار التابع لمجلس الوزراء في نهاية 2016، ليكون الجهة المعلوماتية الداعمة لتحديد مكان إقامة الشخصيات، التي تشكلت لاختيارها لجنة علمية كما تذكر هايدي.
"المشروع توثيق أماكن عاش فيها الرواد اللي أثروا الحياة الثقافية في مصر" توضح هايدي، بينما تشير أن ذلك يحدث عبر وضع لافتة على العقار أو المنزل الذي كان يسكنه الشخص، تضم اسمه وعنوانه وتاريخ ميلاده ووفاته ورمز "بار كود Qr". ما إن يُجرى له مسح بالهاتف لهذا الرمز حتى يتم الانتقال إلى صفحة على الموقع الإلكتروني للمشروع "عاش هنا"، تحتوي سيرته الذاتية للشخص ومقتطفات من مؤلفاته إن كان كاتبًا أو أغانيه إن كان ينتمي للوسط الفني.

1

نحو خمس مراحل تنقضي قبل إنتاج اللوحة النحاسية، تبدأ بلجنة البحث، وتضم 4 أشخاص، يتولون التواصل مع الجهات وتوفير المعلومات المتاحة حول سكن الشخص، ولا يتوقف الأمر على المعلومة النظرية، فعلى الأرض كثيرًا ما واجهوا المشكلة "أحيانا بندور على ناس ماتوا في التلاتينات والاربعينيات فالبيوت اللي عاشوا فيها اتهدت"، وتارة أخرى لا يملك ذوي الراحل ما يثبت إقامته في هذا المكان، أو تنقل الشخص لأكثر من عقار، لهذا يقع الاختيار على أكثر منزل أقام فيه حسب قول هايدي، منظمة المشروع.

209 اسمًا سجلهم مشروع "عاش هنا" حتى الآن، واُنتج لهم لوحات، لكن 122 ما تم تركيبهم فيما ينتظر 87 آخرين وضع لافتاتهم النحاسية. تنوعت الشخصيات ما بين سياسية، عسكرية، فنية، رياضية ودينية، فضلاً عن الكتاب والإذاعيين.

إلى جانب لجنة البحث، هناك لجنة علمية هي مَن تضع معايير اختيار الرموز حسب قول هايدي "تم الاتفاق أن تكون من الرعيل الأول أو الرواد لكن طبعًا لصعوبة الأمر فضمينا أسماء مشهورة لها مكانتها وتأثيرها وضعناها لتوافر العنوان وحد قدر يدلنا عليه".

2

تضم اللجنة العلمية شخصيات من مختلف التخصصات، تُعددهم هايدي، الأستاذ المساعد في كلية هندسة الزقازيق: "الدكتور عماد أبو غازي وزير الثقافة الأسبق، خالد العزب ممثل عن مكتبة الإسكندرية، الكاتب خالد الخميسي، الناقد الراحل علي أبو شادي، ومحمد أبو سعدة رئيس جهاز التنسيق الحضاري" وغيرهم.

تطرح اللجنة العلمية الأسماء ثم يُعِد فريق العمل استمارة تعود للجهة الأولى لاعتمادها ثم تُرسل إلى مركز دعم واتخاذ القرار لإدخال البيانات ووضع الرمز، وأخيرًا العودة مرة ثانية إلى التنسيق الحضاري لإعداد اللوحة وتركيبها بعد التنسيق مع الأحياء. قد يستغرق الأمر نحو شهرين حتى يتم إنتاج اللوحة النحاسية حسب قول هايدي.

لم يكن العمل يسيرًا، رغم أن القائم عليه جهة حكومية، "في لوحات معمال ما انتجناها كان العمارة اتهدت وفي أصحاب عمارات مبتبقاش متعاونة" تذكر أستاذ العمارة، العقار الذي سكنته الفنانة سعاد حسني، إذ تطلب من العاملين التردد على المكان أكثر من مرة لإقناع صاحب العقار، بأن ما يفعلونه ليس منه ضررًا. تقول هايدي إنه أحيانًا يكون هناك نزاع، ويظن البعض أن لوحتهم هذه سترجح كفة طرفًا على الآخر.

3

لا تجد هايدي والقائمون على المشروع سبيلاً سوى الحديث رغم ما في يدهم من سلطة، لكنها ترفض وضع اللوحة بالقوة "أحنا أساسنا التوعية.. مش هستفاد حاجة لما أجبر حد على شيء وتاني يوم يشيل اللوحة أو يشوهها".

صعاب كثيرة يحاول العاملون في المشروع تجاوزها، منها تغيير معالم الأماكن ومن فيها. تستعيد هايدي حين ذهبوا لتركيب لوحة الفنان رشدي أباظة وكانت شقيقته مَن أخبرتهم بعنوان العقار، لكنهم عندما وصلوا، وجدوا الحارس شابًا ينفي أن أباظة كان من السكان، مما ألقى على عاتقهم حِمل شرح الفكرة والحديث إلى أهالي المنطقة القدامى.

رغم ما تذكره هايدي من مشقة، لكن لحظات تمر على أستاذ العمارة ورفاقها تُذهب عنهم كل تعب، تتذكر مدير إدارة الحفاظ على التراث، يوم تركيب لوحة الموسيقار عمار الشريعي، لم تكن السيدة ومرافقوها على علم بأن زوجته وابنه مازالا يقيما في العقار، إلا بعد نزول الشاب ومن بعده والدته ورؤية اللوحة والدخول إلى الموقع "لقينا اتنين بيبكوا ولما سألنا البواب عرفنا أنهم أسرته".

4

كذلك راود السيدة الشعور بالامتنان للانتماء إلى المشروع التوثيقي، حين رأت نظرة فخر في عيون أصحاب العقار الذي سكنه العالم مصطفى مشرفة "كانوا شباب وجدودهم صحاب العمارة ماتوا فمكنوش عارفين أنه كان جارهم في يوم من الأيام".

مواقف عدة يمر بها فرق عمل "عاش هنا"، لا تنتهي بمجرد وضع اللوحة؛ إذ لمست هايدي تأثير المشروع كما تقول، فمؤخرًا بينما ذهبوا لمنطقة الدقي لتركيب إحدى اللوحات، واختلطت عليهم الشوارع، تفاجئوا بوصف سكان المكان الطريق لهم "قالوا لنا بعد الشارع اللي ركبتوا فيه اللوحة الأولانية"، حينها أدركت أن البعض يعتبر اللوحة اسمًا جديدًا لشارعهم، وزاد أملها في أن تدفع الفكرة أخرين باستخدام الكود ومعرفة المزيد عن النماذج التي أثرت الحياة في مصر.

للاطلاع على موقع "عاش هنا" اضغط

فيديو قد يعجبك: