بعد رفع الأسعار.. الكساد مستمر في سوق الدواجن.. ومواطنون: "مش لاقيين الهياكل"
كتبت- علياء رفعت:
في تمام الثامنة صباحًا، كان "زاهر" الشاب الثلاثيني يزيح الستائر الحديدية عن محل "الدواجن" الذي يمتلكه بعزبة الوسايمة. يرتب الأقفاص في موضعها ويضع بعضًا منها أمام المحل. يرش قطرات الصابون على الأرضيات ثم يغرقها بالمياه فينظفها، ويعود جالسًا إلى كرسيه أمام المحل في انتظار أن "يستفتح". تمر الساعات ثقيلة وحتى الحادية عشرة، لا يرتاد المحل أي شخص سوى امرأة واحدة برفقة طفلتيها وأمها.
بخطواتٍ ثقيلة اقتربت "ياسمين" الشابة العشرينية من المحل، وما إن وصلت عتبته حتى باغتت زاهر بالسؤال: "كيلو الهياكل النهاردة بكام؟"، ليجيبها الشاب "10 جنيه".
امتعض وجه الفتاة وكادت تجر طفلتيها بعدما نظرت لوالدتها نظرة تفيد برغبتها في الانصراف، إلا أن الأم استوقفتها، وهى تحدث زاهر: "طب ميمشيش بـ8 يا بني؟". فيطلق الشاب زفيرًا: "على عيني يا أمي والله ده حتى الفراخ غليت علينا خمسة جنيه تاني".
وارتفع سعر الدواجن الحية، أمس، بنحو 5 جنيهات للكيلو، بحسب ما قاله عبدالعزيز السيد، رئيس شعبة الدواجن في غرفة القاهرة التجارية، مؤكدًا أن سعر كيلو الدواجن ارتفع، إلى 25 جنيهًا بالمزرعة، بنحو 28 جنيهًا، مقابل 23 جنيهًا في نهاية الأسبوع الماضي.
دقائق قليلة استغرقتها ياسمين في التفكير حتى استقر أمرها على شراء 2 كيلو هياكل "نفسنا نعمل شوية شوربة حلوين ونحس بطعم الزفر". ضيق ذات اليد يمنع الفتاة العشرينية من إطعام صغيرتيها البروتين باستمرار، وبعد غلاء أسعار الدواجن أصبحت تخشى ألا تستطيع أن تجلب لهم هياكلها أيضًا "أجيب منين وجوزي أرزقى يوم في ويوم مفيش، عشان أشتري الهياكل انهردة هنقعد قدامها يومين مناكلش إلا مكرونة ورز عشان نملى بطننا وخلاص، المهم متقرصش علينا من الجوع".
ارتفاع أسعار الدواجن لم يؤثر على ياسمين وأسرتها فقط، ولكنه بحسب "زاهر" يؤثر على رواج تجارته أيضًا بشكل ملحوظ، فلا يستطيع في أحيانٍ كثيرة تغطية تكاليف المحل "الناس مبقيتش تشتري زي الأول، والمحل دايمًا في عجز بنكمله من جيوبنا، ده غير البضاعة اللي مبقيناش عارفين نشتريها في أوقات كتير."
قبل عامين فقط، كان زاهر يملأ محله بكل ما لذ وطاب من طيور وبط وحمام وأرانب، إلا أن قِلة البيع والشراء دفعته للإتجار في أصناف قليلة "البط والأرانب دول بجيبهم بالطلب، أصل مين في الظروف اللي احنا فيها دي هيشتري بطة والكيلو منها بـ50 جنيه!".
البيع والشراء هو الآخر تأثر بغلاء الأسعار واستغناء العديدين عن أصناف معينة "البيع زايد على الوراك والهياكل، غير كده كل فين وفين لما حد يطلب فرخة بلدى.. كيلو الوراك أرخص بـ30 جنيها وممكن يأكل 3 انفار"، يقول زاهر.
وأوضح رئيس شعبة الدواجن في غرفة القاهرة التجارية، أن هذا الارتفاع هو السعر العادل للدواجن في ظل ارتفاع تكلفة الأعلاف التي تصل إلى 7400 جنيه للطن.
وشهدت أسعار الدواجن انخفاضا كبيرا في أسعارها خلال الأسبوع الماضي، بالمقارنة مع ارتفاع أسعارها في بداية رمضان. وجاء ذلك نتيجة وفرة الإنتاج والمعروض من الدواجن في السوق المحلية، وانتشار كميات كبيرة من الدواجن المستوردة بالأسواق، فضلا عن انخفاض الطلب بعد مرور الأيام الأولى من شهر رمضان، التي يكثر فيها الطلب على الدواجن.
في أحد الشوارع الهادئة بمنطقة مصر الجديدة، كان "مصطفى" الشاب الثلاثيني يقف بجوار أخيه داخل محلهم في انتظار استقبال الزبائن، إلا أن هدوئًا شديدًا لم يعتده خيم على الأجواء "فين وفين على ما يدخل المحل زبون". وبرغم ذلك يتكبد مصطفى عناء إنفاق أموال كثيرة ليجعل محله مملوءً دائمًا بكل أصناف الطيور "محبش الزبون يجي يسأل ويخرج إيده فاضية بس شرا الطيور الغالية زي البط والديك الرومي بيكلفني كتير طول الوقت و بيحملني عجز لو متباعوش."
غلاء أسعار الدواجن بعد انخفاضها أول رمضان هو أمرٌ يعلم مصطفى بحدوثه مُسبقًا "بتغلى في العشرة الأواخر من شعبان عشان ده الموسم وترخص في أول رمضان عشان الناس بيبقى عندها خزين منها وبعدين ترجع تغلى تاني على نصه".تلك الدورة الروتينية يحفظها عن ظهر قلب كل من يعمل ببيع الطيور بحسب مُصطفى، إلا أن الموسم السنة دي "مضروب" كما يوضح.
ففي كُل عام لا تبيت لديهم طيور ليلة وقفة رمضان، ولكن ما حدث هذا العام كان مختلفًا "دخلنا رمضان واحنا لسه عندنا كميات من اللي اشتريناها من شعبان عشان نكفي الموسم.. أغلب الناس قررت تشتري المجمد عشان أرخص حتى لو مش أطعم."
وبحسب مصطفى لم يقتصر الأمر على الأهالي فقط في تغيير عاداتهم الغذائية والاستغناء عن الطيور لارتفاع أسعارها أو تفضيل "الوراك والهياكل"، ولكنه امتد لمحلات الطعام الشهيرة التي كانت تشتري من محلات الطيور كميات كبيرة لتصنيعها، الأمر الذي اختلف بغلاء الأسعار حيث اتجهت جميع تلك المحلات إلى شراء الفراخ المجمدة أو من المجازر بحيث تحصل على الكيلو أرخص 4 جنيهات نظيره أن يأخذه بعد أن يُجمد.
الحادية عشرة مساءً هو توقيتٌ مُقدس لدى مُصطفى الذي اعتاد أن يتابع ابتداءً منه وعلى مدار ساعتين بورصة الطيور على الإنترنت، حتى يستقر سعر البيع النهائي في اليوم التالي عِند الواحدة صباحًا "كل يوم أتمنى السعر يرخص عشان نبيع والناس تلاقي تاكل بس بارتفاع السعر كده الناس هتسف تراب والمحلات هتقفل".
مخاوف عديدة تساور مُصطفى وأخيه من اقتراب الغد، الموعد الذي تتجه فيه سيارات التجار إلى المزارع لاستجلاب الطيور: "مش عارف هنحاسب ع السعر القديم ولا الجديد.. الجديد ده محتاج نعدله الميزانية وهيعمل عجز في المحل نحطه من جيوبنا". ورغم هذا لا يخشى مصطفى ارتفاع السعر عليهم كتجار وبائعين ولكنه يحمل هم الزبون المطحون "الناس مبقيتش حِمل إنها تسمع غَلا في الأسعار تاني مش عارف هنقولهم ازاى!".
وتنتج مصر سنويًا نحو 1.6 مليار طائر، وهذا الإنتاج يحقق اكتفاءً ذاتيا بنحو 95%، ولا تتعدى الفجوة الموجودة بين الإنتاج والاستهلاك نسبة 5%.
أمام أحد محلات الطيور بسوق حدائق القبة، وقفت سيدتان تُلقيان بالأسئلة على مسامع "أحمد" الشاب العشريني عن أسعار كيلو الفراخ البلدي والبيضاء والحمرا، الهياكل، والأوراك. ولكن الإجابات كانت تأتيهما صادمة، أغلى مما توقعتا، بأكثر مما تملكان، لتقرر كُل من السيدتين الاكتفاء بشراء كليو ونص وراك وكيلو هياكل.
"اهو ناكل الوراك في يوم مع طبيخ، ونعديها يومين بعدها مكرونة، ونعمل شوية ويكا وكشك على شوربة الهياكل في يوم تاني" هكذا فكرت "منى" الأربعينية في تدبير احتياجاتها المنزلية من البروتين، بعدما تعذر عليها شراء فرخة بلدي لارتفاع سعرها.
خلف "البنك" وقف أحمد يقطع أوراك الفراخ ويرصها جنبا إلى جنب فوق صينية من الألومنيوم: "أكتر حاجة بتتباع، معادش بيشتري الفرخة كاملة غير اللي معاه فلوس والفقير يا دوب ياخد كيلو هياكل" قالها الشاب الثلايثني واصفًا أحوال البيع والشراء التي يرى أنها "انعدمت" وأصبحت في انخفاض مستمر.
مُضيفًا: "لولا إنى شغال في محل وممكن آخد بدل أجرتي فرخة للعيال، مكناش هناكلها إلا كل فين وفين.. ويمكن مكناش ناكلها أصلًا".
استمرار ارتفاع أسعار الدواجن لم يؤثر فقط على الشِراء بحسب أحمد، ولكنه أثر على موائد الرحمن: "مبقاش فيه موائد السنة دي كتير زي كل سنة، الناس مش لاقية تأكل أهاليها عشان يأكلوا الفقرا.. الغلبان هياكل نفسه السنة دي في رمضان".. يقولها أحمد ونظرات الحسرة تعتلي وجهه لما وصل إليه الحال بعد الكساد الذي أصبح يصيب الأسواق، حتى أصبح يشتري كمياتٍ أقل من أنواع الطيور المختلفة على أمل نفادها، ولكن هيهات "الحاجة بتقعد باليومين والتلاتة في الأقفاص من غير ما نهوب ناحيتها، لا عارفين نشتري جديد من التجار ولا عارفين نبيع للزباين ومش عارف الدنيا رايحة بينا على فين بالمنظر ده!".
فيديو قد يعجبك: