وقوع البلاء ولا انتظاره.. سكان "منشأة ناصر" يحلمون بمنازل غير آيلة للسقوط (تقرير)
-
عرض 10 صورة
-
عرض 10 صورة
-
عرض 10 صورة
-
عرض 10 صورة
-
عرض 10 صورة
-
عرض 10 صورة
-
عرض 10 صورة
-
عرض 10 صورة
-
عرض 10 صورة
-
عرض 10 صورة
كتبت- دعاء الفولي وإشراق أحمد:
تصوير- علاء أحمد
منذ أسبوعين، لا يترك أحمد شحاتة فرصة حتى يذهب لحي مُنشأة ناصر، محتضنا الأوراق التي تثبت ضرورة هدم منزله، تُزعجه الوساوس، فما إن يخرج للعمل ويسمع صافرة الإسعاف بالصدفة حتى يتصل بأولاده مطمئنا عليهم "كل مرة أقول ده بيتنا اللي وقع".
ما عايشه الرجل ليس يسيرًا، إذ يقبع مقر عمله بمسجد قريب من "عقار شارع التنجيزي" الذي انهار في 22 فبراير الماضي، لم يكن فزع شحاتة لسقوط العقار عادياً حال بقية سكان المكان "بيتنا مهدد بالسقوط من 2014 ومحدش سائل عننا".
أدى سقوط عقار التنجيزي إلى وفاة 12 مواطنًا، وإصابة 19 آخرين. لم يكن خبر الانهيار خفيّا على آل حي منشأة ناصر، أحد أحياء المنطقة الغربية لمحافظة القاهرة، لكن بعض البيوت القريبة، تحديدًا الكائنة بشارع "المعدسة" كان لأصحابها قصة أخرى قريبة من مأساة العقار المنهار؛ فبعضهم صدر له قرار إخلاء وهدم منذ عدة أعوام، ورغم محاولات جمّة من الأهالي مع الحي، لم يتغير الوضع إلى الآن، حتى بات بعض السكان ينتظرون وقوع البلاء، ومنهم شحاتة.
في حضن الجبل يقع منزل شحاتة، وغيره من البيوت، أسفل منطقة "الزرايب" كما يسميها الأهالي –مركز رئيسي لتجميع القمامة وإعادة تدويرها. لا يحتاج الأمر كثيرًا لتبين تهالك أحوالها "البيوت زي ما هي من زمان مبنية من الخشب والبوص" يقول الرجل بينما يشير إلى قاعدة إحدى الشرفات المتآكلة.
في 2014 أصدر الحي قرارا بإزالة المنزل بعدما جاءت لجنة هندسية للمعاينة، لكن القرار لم يُنفذ "صاحب البيت راح وطلع قرار بترميمه"، حسب قول شحاتة، الذي لا يعلم سببًا لذلك الفعل سوى رغبة في إطالة مدة الانتفاع، لأنه في حالة الهدم سيقتسم السكان معه التعويض.
لا يوجد مأوى آخر لشحاتة وأبنائه الأربعة سوى مسكنهم الصغير. طابقان يشكلان البيت المتواجد فيه شقة شحاتة. رائحة العطن تملأ المكان، مياه الصرف لم تترك بقعة إلا وتسربت إليه.
ما إن يصعد شحاتة السلم الضيق حتى يشير إلى شق بالحائط، باتت ملاحظة ما يطرأ على المنزل مهمة شبه اعتيادية لأهل المكان "كل يوم بقول هيقع النهاردة" تقول فاطمة، ابنة شحاتة بينما تبتسم هو، وتشير إلى تآكل الحائط المقابل لشقتهم "فجأة لقيناها اتنفخت وبقت تقع".
يتأثر شحاتة بينما يرفع السجاد المهلهل عن البلاط، فإذا به منفصل عن الأرض، يتساءل الرجل الخمسيني: لماذا لم يتم نقلهم إلى سكن بديل؛ كغيرهم من أهالي منشأة ناصر؟ لم يمل شحاتة من إعادة تقديم كل الورق الخاص بالمنزل، صاحب مهندس الحي أثناء تفقده المكان، قبل نحو أسبوع، أنهى كل ما يلزم للمرة الثانية عسى أن يُجدي نفعًا، فيما ينتظر سير الورق "وياخد دوره في الحي وبعدين يروح المحافظة" كما أخبره مهندس الحي قبل نحو أسبوع.
تقع منشأة ناصر على مساحة 15.220 كيلو متر مربع، منها 5.103 كيلو متر مربع مأهول بالسكان، حسب آخر إحصاء لمحافظة القاهرة. كان الحي "العشوائي" ملجأ كثير من وافدي المحافظات المصرية المختلفة على مدار السنين، منهم حكمت عبد الرحيم.
32 عامًا هو عُمر منزل السيدة الستينية. حين اشترته رفقة زوجها لم يكن ثمة منازل محيطة، سوى الجبل "دلوقتي الناس بقى عندها بيوت فوق الجبل وكل القرف بينزل على بيتنا.. ماية وزبالة.. مبنعرفش ننام من الريحة" حسب قولها.
يتكون منزل السيدة من 3 طوابق، يُعاني كل واحد منهم بشكل مختلف؛ فبينما تسود الرائحة السيئة والرطوبة الطابق الأرضي "لدرجة إن مرات ابني مشيت وسابت الشقة"، تتآكل جدران بعض الحيطان في الطابقين الثاني والثالث.
لم تكن السيدة الستينية ممن انتظروا سقوط عقار التنجيزي لمحاولة الانتقال من منزلها "إحنا مقدمين شكاوى من أربع سنين للحي ومحدش مهتم"، لكن ما أن سمعت عن انهيار العقار حتى ازداد خوفها "بقيت أقول يارب يعني لو البيت وقع عليّا هشيل بنتي العيانة وأجري ولا جوزي الراجل الكبير إزاي"، تمر السيدة بالحي مرتين أسبوعيا، تفعل ما يُطلب منها "عندهم كل الأوراق اللازمة وصور البيت وحالته"، اكتسبت تعاطف الموظفين هُناك، إلا أن أحدا لم يحرك ساكنا تجاهها، إلا من كلمات مثل "البيت بتاعكوا دة عايشين فيه إزاي يا حاجة".
في المقابل قال محمد عبد الجليل، رئيس حي منشأة ناصر، إن هناك لجانا هندسية مشكلة منذ أكثر من عام، ومهمتها رفع تقارير بشأن جميع المناطق المهددة في الحي، ليتولى الحي تنفيذ هدمها، ووضعت في أولوياتها ما عرفوه بالأماكن الأكثر خطورة المهددة للحياة، وهي ما وصفها عبد الجليل بالبيوت الموجودة على حافة الجبل "دي بتتشال ولو حتى معمولة مسلح"، بحسب تعبيره لمصراوي.
حوالي متر فقط يفصل بيت شعبان فرج عن منزل حكمت، غير أن المعاناة واحدة. يجمع المنزل 3 أسر، يبلغ عددهم حوالي عشرين شخصا "بس محناش عارفين هيشيلونا إمتى؟ ولا لازم نبقى جثث عشان يبصوا لنا؟" تقول ميرفت محمد إحدى الساكنات.
بعد حادث التنجيزي، عانت أم الأطفال الثلاثة من الأرق "بقى قلبي يترعش وأقول يارب منموتش زيهم"، تشير لسقف حجرتها المبني من العروق الخشبية، فيما يقاطعها فرج العامل بأحد مصانع "أنا هنا ساكن في بيت أبويا.. أجيب منين حق إيجار أي أوضة برة؟".
يروي فرج، الأب الثلاثيني عن حالة المنزل "الماية اللي بتنشع من الأرض مبهدلانا غير الحيطان البايظة"، تلك المياه بعد اختلاطها بالأرض الترابية ملأت الدور الأرضي في المنزل، فاختفى تمامًا، فرّ منه ساكنوه بعدما يأسوا من إصلاح الوضع، فما كان من الشاب سوى إغلاق الغرف الموجودة فيه حتى إشعار آخر.
منذ 11 أغسطس 2017 ويعمل القائمون على الحي لإزالة البيوت في المربع الذي حددته اللجنة لمناطق "الرزاز والنور وفوزي عليوة"، حسبما يقول رئيس الحي، مشيرا إلى أنه تم إزالة 50% من المكان.
أما المناطق التي يتقدم أصحابها بطلبات إلى الحي فقال عبد الجليل "أي حد عنده قرار إزالة يجيبه وهنفذه وأي حد بيته في مشكلة يجيي واللجنة الهندسية هتقول كلمتها"، مشيرا إلى مشكلة سعي الجميع في الحي إلى الحصول على شقة تمليك تابعة للدولة.
خروج أهالي المنطقة، يفتح احتمال السكن في مدن بعيدة، ما يراه شحاتة وفرج صعبًا "لو ودونا مدينة بدر مثلا هنعمل إيه؟.. حياتنا وشغلنا هنا".
على مدار السنوات، خاصة بعد انهيار صخرة الدويقة 2008، توجهت أنظار المهندسين والمهتمين بالعمارة إلى منطقة منشأة ناصر. وفي 13 إبريل 2016 أصدرت مبادرة التضامن العمراني (تضامن) –مستقلة تأسست 2012- تقرير بحثي عن المكان، ومن بين ما جاء فيه الإشارة إلى أنه "ينبغي استشارة الأهالي في مكان السكن و مدى ملائمته لهم، و تقنين وضع الأهالي في الشقق التي ينتقلون إليها لتعزيز إحساسهم بالأمان ولأن هذا من شأنه أن يساهم في الحد من انتشار رجوعهم الي المناطق غير الرسمية". وذكر الباحثين في التقرير إنهم رصدوا عودة أكثر من حالة عادت لمسكنها بعد فترة وجيزة من نقلهم.
أمام منزلها جلست السيدة الأربعينية صابرين جوهري. يمضي الليل والنهار في المنطقة بطيئا. تتسمع السيدة لأي مار بالمنطقة كي تُريه حالة منزلها المكون من طابقين و9 شقق، يفصلهما سُلم خشبي متهالك.
منذ حوالي 15 عاما تم نقل سكان منزل صابرين "الحكومة ودتنا مساكن الإيواء عشان قالولنا هنطوّر الجبل".. ظلت الأسر حوالي 7 أشهر، قبل أن تُخبرهم الدولة بعودتهم مرة أخرى "جزء مننا فضل هناك وإحنا رجعنا"، ظنت السيدة أنهم سيعودون لمنازل جديدة "بس رجعنا البيت هنا قالولنا إنهم هدوه وبنوه تاني وإحنا منعرفش"، تنظر الأم لأرجاء المكان "من يوم ما رجعنا وهو حالته تعبانة"، رغم ذلك لم تُقدم أوراقها للحي حتى الآن "خايفين صحاب البيت يعملوا معانا مشاكل لو عرفوا إننا عايزين نمشي".
لم يختلف الحال عند خليفة محمد قناوي، الساكن بنفس المنطقة، بدأت رحلته مع محاولة تغيير المسكن منذ سبع سنوات "إحنا عايشين في رعب" بتلك الكلمات يلخص خليفة ما يعانيه رفقة أكثر من سبعة منازل، زارها مصراوي في مربع سكني واحد، متوسط ساكنيها حوالي 15 شخصًا.
لا يضيف خليفة كلمة أو يشير إلى شقوق جديدة في الحيطان، إلا ويلقي اللوم على تأخر الإجراءات من قبل رئاسة الحي، يتهم -مثل غيره- بعض الموظفين بالسعي لأخذ الأموال مقابل هدم البيوت وهو ما دلل عليه –بالنسبة له- هدم 7 بيوت في محيطهم، رغم أنها مبنية بالخرسانة، وكان ذلك بعد ثورة 25 يناير 2011، فيما يؤكد رئيس حي منشأة ناصر إن المنطقة بأكملها "عشوائية" غير مرخصة المباني، وأن الحي كجهة تنفيذية يتولي يوميًا هدم منزل أو أكثر من تلك المهددة بالانهيار وفقًا للتقارير الهندسية.
فيديو قد يعجبك: