إعلان

الساعات الأخيرة فوق القضبان.. مشاهد رفع حطام قطار المناشي المنكوب

09:34 م الخميس 01 مارس 2018

كتبت – مها صلاح الدين ونانيس البيلي:

تصوير – كريم أحمد:

بعد أن أجلى المسعفون مصابي وضحايا حادث قطاري البحيرة مع غياب آخر ضوء من نهار أمس الأربعاء، بقي عشرات من أهالي قرية "أبو خاوي" في مكان الحادث ليتابعوا عملية رفع ركام عربات قطار المناشي الثلاثة المنكوبة، التي انفصلت إثر الاصطدام بقطار بضائع.

وقتها، كان نصف القطار السليم غادر بالفعل المنطقة، بينما بقت العربات الثلاثة، وتجمهر حولها الأهالي، ليتابعوا الأوناش الضخمة التي تستعد لإزاحة العربات الثلاث من على القضبان، فيما ينتشر رجال الشرطة والحماية المدنية والمسعفون والهلال الأحمر.

في تمام الساعة السادسة مساء، كان "كمال" ملاحظ تشغيل الحوادث بسكك حديد مصر، الذي يسير في عقده الرابع، يقف وسط رجاله في وضع الاستعداد، في انتظار أمر النيابة العامة ببدء رفع العربات المتهالكة، بعد أن تحركوا من محطة سكة حديد "طنطا" على الفور، لكونها الأقرب من مكان الحادث.

في الناحية الأخرى، كان يحمل ابن القرية، محمد أحمد، مشاهد الحادث المروعة في ذاكرته، ليبدأ في سردها منفعلا: "كان فيه هنا قطرين بضايع، وقطر ركاب، قطرين البضايع كانوا مخزنين هنا علشان يعدي، فالقطر عدا نصه، والنص التاني معداش، وحصلت الحادثة".

رغم مرور ساعات طويلة على وقوع الحادث، واشتداد الظلمة في ليل القرية التي تشطر محطة القطار مزارع الفراولة بها إلى نصفين، ظلت أعداد الأهالي في محيط الحادث تتزايد، خاصة مع كثافة الوجود الإعلامي والكاميرات، ولكن كلما ازدادت الأعداد ازداد هلع رجال الشرطة والحماية المدنية، وتكاثفت محاولاتهم لإزاحة التجمهر بعيدا عن العربات الثلاثة، حتى يتمكنوا من بدء عملية إزالة الحطام.

في الموقع نفسه وقف سمير دويدار، يتذكر ما شاهده عند عودته من عمله، حينما مر على طريق القطار في الظهيرة، ووجد الجثث متناثرة ومغطاه على جنبات المحطة، وأهالي القرية يحاولون إنقاذ ما يمكن إنقاذه، فشاركهم المهمة.

كان أفراد الإسعاف من ضمن من يحاول رجال الحماية المدنية والشرطة إبعادهم عن موقع العربات المنكوبة، فوقفوا ناحية منخفضة في أرض المحطة، ليبدأ شاب في بداية عقده الثالث، يدعى أحمد في الحديث قائلا: "كنا هنا 70 مسعفا من محافظات المنوفية وإسكندرية والغربية وكفر الشيخ، وكان معانا 60 سيارة إسعاف"، ورغم كل هذه الإمدادات كان موقع الحادث من أكبر العقبات التي واجهتهم، بحسب قول المسعف، بسبب صعوبة دخول المكان، فاضطروا إلى الدخول إلى موقع الحادث عبر طريقتين، هما "المعدية" التي تستغرق وقتا كبيرا، والسير وسط الزراعات لإنجاز الوقت.

توقف المسعف عن الحديث، وبدأ يتحرك مع الجموع بشكل تلقائي في هلع، حينما بدأت الأوناش في التحرك، لتنذر ببدء حركة إزالة العربات المحطمة، فيعود الجميع إلى الخلف، حيث كان يتحدث علاء علي في الهاتف، يبرر لأخوته سبب عدم وصوله في موعد الغداء كما هو متفق عليه، "كنت في الأرض، وروحت أجيب الغدا لاخواتي، لاقيت الناس بتطلع الجثث وقفت معاهم"، استوقف المزارع الذي يسير في عقده الخامس عدد من المشاهد البشعة التي لا يتوقع أن تنمحي من ذاكرته، فشاهد جسد أحد الضحايا مشطور نصفين، وآخر مقطوع الساق، وآخر تحول وجهه إلى أشلاء.

استطاع انتشال 4 جثث، كان أحدهم محشور بين عربتي القطار، والأخر كان معلقا بين عجلاته، ولكن ما كان هو أصعب أشلاء أجساد النساء اللاتي وافتهن المنية، كانت سبب وقوع الحادث في رأي المزارع هو عدم وجود مزلقان بالمحطة، فهي ليست الحادثة الأولى للقطارات في هذه المنطقة.

تعلقت رأس علاء مع الجموع نحو أحد رجال الحماية المدنية الذي صعد فوق العربة الثالثة للقطار المنكوب، والذي بدأ بتركيب خطافي الونش في حديد القطار تمهيدا لرفعه، وهنا بدأ رجال الهلال الأحمر في التأهب، ليقول أحد أفراد الفريق: "إحنا جايين من القاهرة والإسكندرية ومقسومين فريقين، الأول للتدخل أثناء الطوارئ والإسعافات الأولية، وجمع الأشلاء، والتاني للدعم النفسي للمصابين وأهالي الضحايا في المستشفيات والمشرحة"، أما عن سبب استمرار وجودهم في موقع الحادث حتى بعد إخراج جميع الضحايا، ففسره عضو الفريق بأن الأعمال بالموقع مازالت مستمرة، ومن المحتمل أن يكون مازال هناك أشلاء تحت عربات القطار، كما أنه يجوز إصابة أحد الأهالي أو العمال أثناء رفع القطار فلهذا هو على أتم استعداد لأي طوارئ.

استعد الجميع لرفع بدن القطار، وبعد بدء الرفع بالفعل توقف الرفع لدقائق، دخل فيها مهندسي السكة الحديد تحت عجلات القطار وبدأوا في فك العجلات التي تلاحمت مع عجلات القضبان، وأخذ رجل يسير في عقده الخامس بدأ الشيب يفرض سيطرته على رأسه في مساعدتهم، تبين لنا أنه يدعى فتحي، وهو سائق في سكك حديد مصر، نقل هؤلاء المهندسين بعد ساعة ونصف من وقوع الحادث إلى الموقع، من القاهرة.

يقول فتحي إن مهندسي الهيئة أكدوا أن ما حدث للقطار كان بسبب إهمال في الصيانة، فعجلات العربة قبل الأخيرة انكسرت، وهو ما جعلها تخرج عن القضبان وترتطم بمقدمة قطار البضائع، ما تسبب في كارثة القطار.

أخيرا، بدأت الأوناش في رفع العربة الثالثة من القطار، وفصلها عن العربة ما قبل الأخيرة، التي بدا عليها تأثير الحادث بشكل أكبر، فتداخلت مكوناتها بشكل فوضوي إثر التصادم، كانت الجموع تعود إلى الخلف مع كل حركة لعربة القطار المعلقة بين السماع والأرض خوفا من الإصابة، واستمر الحال على هذه الوتيرة لمدة 4 ساعات كاملة، وبعد منتصف الليل انتهت جميع أعمال رفع عربات القطار المعطوبة تمهيدا لبدء عودة سير حركة القطارات مرة أخرى داخل المحطة، بعد التوقف.

فيديو قد يعجبك: