بالصور: ورش ومحلات "الكونتيننتال".. تاريخ يتهدم فوق رؤوس أصحابه
-
عرض 11 صورة
-
عرض 11 صورة
-
عرض 11 صورة
-
عرض 11 صورة
-
عرض 11 صورة
-
عرض 11 صورة
-
عرض 11 صورة
-
عرض 11 صورة
-
عرض 11 صورة
-
عرض 11 صورة
-
عرض 11 صورة
كتب- فايزة أحمد:
صباح الأحد الماضي، استيقظ محمد سعيد أحد العمال بمصنع الملابس الكائن بالدور الثالث من البناية التي يقع بها فندق الكونتيننتال بميدان الأوبرا، على أصوات معدات هدم تخترق سقف غرفة عمله؛ فهرول إلى أعلى لمعرفة ما يحدث، ليفاجئ مجموعة من العمال مصحوبين ببعض القيادات الأمنية وحشد من مجندين الأمن المركزي، الذين زجروه ليتراجع، فلم يجد حيلة تجعلهم يتوقفون سوى أن يُلقي بنفسه أمام المُعدات؛ علّهم يتوقفون، لكنه فوجئ بالمجندين ينهالون عليه ضربًا وركلًا، ومن ثم اقتادوه إلى قسم عابدين.
منتصف شهر يناير من العام المُنصرم، أصدر مجلس الوزراء رخصة هدم كُلي للفندق حصلت بموجبها الشركة المصرية العامة "إيجوث" على رخصة الهدم وإعادة البناء للعقار، وهو ما قيل لـ"سعيد" داخل القسم؛ حيث أُمر بغلق فمه وعدم التعرض لأعمال الهدم مجددًا، ليُسمح له بالخروج، عائدًا أدراجه إلى مكان عمله؛ حيث بقية العمال يلحون في طلبهم المتعلق بوقف عملية الهدم لبضع دقائق حتى يتمكنوا من إنقاذ ماكينات المصنع التي تتعدى ثمنها نصف مليون جنيه، إلاّ أن أحدًا لم يستجب فما كان منهم سوى "نقلنا المكن والسقف بيقع على راسنا"، يقولها الشيخ سامي صاحب المصنع، والذي شمر عن ساعديه محاولًا إنقاذ مصدر رزقه رفقة عماله الذين يتملكهم الخوف من مواجهة مستقبل مُظلم محفوف بالمخاطر.
دون سابق إنذار، وجد "سامي" نفسه عقب عشرة أعوام من تأجيره لهذا المكان، في الممر المُقابل للمصنع الذي تكدس بالماكينات والملابس بالإضافة إلى العمال الذين حاولوا استكمال عملهم، لحين إيجاد حلًا ينقذهم من سقوط الأنقاض فوق رؤوسهم، ويضمن استمرارهم في المهنة التي لم يعرفوا غيرها على مدار سنوات خلت "دورت على مكان تاني في روض الفرج"، قانعًا بأن خسارته ستكون فادحة؛ "الإيجار 30 ألف جنيه ودا مكان مش حيوي"، قياسًا على تكلفة إيجاره للمكان القديم "كنت بدفع هنا 10آلاف جينه بس".
ما بين خياطة وكي وتجهيز وتكيس يعمل أكثر من مائتي عامل داخل مصنع الملابس، يضيق بهم الممر الطويل الذي بات وجوده مسألة وقت فقط، الأمر الذي حدا بالرجل الثلاثيني أن يُسرع في إجراءات نقل معداته وبضاعته كاملة إلى المكان الجديد، الذي لن يستوعب جميع العمال "هضطر أقلل العمالة عشان معنديش بديل".
على بعد خطوات من مصنع الشيخ سامي في الممر نفسه، تاريخ مهني سياسي في آن معًا على موعد مع الإزالة من الجذور، إذ تقبع أشهر ورش حياكة الملابس العسكرية والشرطية، خاصة ورشة "البدراوي" المملوكة لحسن سويلم المُعرف بـ"ترزي الرؤساء"، ذلك الذي مازال محتفظًا في كل ركن من أركانها بصور رؤساء مصر وديكورات وأثاث حقبتهم، خاصة "السادات" وبذلته العسكرية الشهيرة "، بالإضافة إلى الحوارات التي أجراها مع الصحافة قديمها وحديثها.
رغم قيام أصحاب ورشة البدراوي الحاليين بدفع إيجار شهري يناير وفبراير إلى الشركة المالكة إلّا أنهم فوجئوا هم أيضًا بعملية الهدم التي لم تطلهم حتى الآن، لكن كغيرهم بات عليهم البحث عن مكان آخر، تاركين وراء ظهورهم تاريخ مكانهم الذي يتفاخرون به، من أجل مشروع استثماري غير معلوم الأبعاد بالنسبة لهم "مش لاقين حد نتكلم معاه ولا يفهمنا إيه اللي هيحصل"، بامتعاض شديد يقولها أحد العمال في الورشة ويده لم تتوقف عن العمل.
لم يمنع الهدم الذي يبدأ من الصباح الباكر حتى الخامسة مساءً العمال من مزاولة عملهم اليومي بشكل معتاد، غير أن الوجوه يتبدى فيها قلقُا واضحًا لم تخفه إحدى العاملات التي جيء بها من قِبل والدها إلى الورشة نفسها قبل ثلاثة أعوام "بيتكلموا عن هدم ونقل وخساير، وإحنا لسه مش عارفين مصيرنا إيه".
وسط ضجيج معدات الهدم التي لم تتوقف عن اختراق جدران الفندق العتيق واحد تلو الآخر، أخذ زكريا علي يتابع مشدوهًا وعلى وجهه وقع هذه العملية برمته، وذلك من ورشة الحياكة الخاصة به وبشقيقه اللذين تعاونا على العمل معًا فيها منذ حقبة الثمانينيات؛ حيث استأجرا المكان من قِبل الشركة التي رضخت آنذاك لقرار الجهاز القومي للتنسيق الحضاري "الجهاز قرر إنه ما يتهدمش بس الواجهة بتاعته تدّهن بنفس لون طلاء المحافظة".
ظن الشقيقان اللذان شارفا على الستين، أن المقام استتاب لهما في هذه البناية الشهيرة، رغم استمرار تداول أمر الفندق في ساحات المحاكم، إلى أنهم فوجئا بإصدار حي عابدين رخصة لهدم المبنى خلال ديسمبر العام المُنصرم، بحجة أنه آيل للسقوط "ده لو آيل للسقوط مكنوش فضلوا يهدوا في الدور التالت بقالهم أسبوعين ومش عارفين يخلصوا لأن الجدران متينة".
رغم أن مصيرهما واحد إلاّ أن الورش التي تقبع في الأدوار العليا رُحمت من الغبار الكثيف الذي حجب الرؤية وأزكم الأنوف، لكنه أطبق على المحلات السُفلى من مبنى الكونتيننتال، والمًقابلة لحديقة الأزبكية؛ ما أوقف عملية البيع والشراء بها، زاد من الأمر وطأة عربات الأمن المركزي المتراصة أمامها فضلًا عن حواجز أمنية عدة تسببت في صعوبة حركة السير أيضًا.
أمام محله يقف صبري قطب وعلى عينيه آثار الغبار الكثيف، شارد الذهن، غير مكترث بالمارة الذين تشرئب أعناقهم في اتجاه عملية الهدم، دون تمكنهم من العبور إلى محله من أجل حتى الفرجة فقط "بقالنا أسبوعين لا بنبيع ولا بنشتري.. ولا حد يقدر يفتح بوقه بكلمة"، يشير إلى العربات المُصفحة "حد هيقدر يعترض وكل دول موجدين!".
منذ منتصف السبعينات اعتاد "قطب" أن يَقدم إلى محله في الصباح الباكر، لكنه صُدم الأحد الماضي بجلبه كبيرة خلقتها تواجد العديد من القيادات الأمنية ومحافظ القاهرة الذي رفض الحديث معهم كما امتنع عن مقابلتهم سابقًا، متعللًا بـ "قالولنا في المحافظة الهدد دا أمر سيادي"، يلتقط منه أطراف الحديث خالد محمد أحد الموظفين في المحل المتاخم، متسائلًا "يعني إيه أمر سيادي.. لمصلحة مين أكتر من 6000 عامل يتشردوا".
حضر "محمد" بعض المناوشات التي نشبت بين أصحاب المحلات والمحافظة بخصوص المبنى، والتي لم تتوقف إلا بحلول عام 2004؛ حيث أقرت لجنة هندسية تابعة لجامعة الأزهر بوجوب بقاء المبنى على حاله مع هدم الغرف القديمة في الدور الرابع والثالث فقط "لكن الهدم اللي شغال دلوقتي بيقول إنهم هيهدوه كله".
يطلعنا الموظف الخمسيني على بعض الأوراق والأحكام القديمة، بالإضافة إلى الاستغاثة التي قدموها إلى الرئيس عبد الفتاح السيسي، لوقف هدم المبنى الذي يزيد عمره عن مائة عام، غير أن أحدًا لم يستجب لمطالبهم، التي قُوبلت بتعنت -حسب وصفه- تمثل في بدء عملية الهدم بشكل فعلى، نهاية شهر يناير الماضي "كمان بدأوا في شهر حركة البيع والشرا بتكون ضعيفة فقضوا عليها خالص".
يتداول الحديث بين الباعة والموظفين عن وجود مستثمر كبير سيقوم بإنشاء مول كبير بدلًا من هذا الفندق، على أن يتم تعويض أصحاب المحلات فقط دون مستأجريها، عقب بناء هذا المول، إذ سيُمنح المُلاك مكان جديدًا به لمدة ثلاث سنوات فقط، ومن ثم سيتعين عليهم دفع إيجار بقيمة (25%)، تلك الفكرة التي لا يتقبلها خالد محمد "يروحوا يعملوا المول ده في العاصمة الجديدة ويسيبولنا وسط البلد زي ما هي".
فيديو قد يعجبك: