بالصور-في الأسطح وداخل المنازل.. قصة قرية "بتشغّل نفسها بنفسها"
-
عرض 19 صورة
-
عرض 19 صورة
-
عرض 19 صورة
-
عرض 19 صورة
-
عرض 19 صورة
-
عرض 19 صورة
-
عرض 19 صورة
-
عرض 19 صورة
-
عرض 19 صورة
-
عرض 19 صورة
-
عرض 19 صورة
-
عرض 19 صورة
-
عرض 19 صورة
-
عرض 19 صورة
-
عرض 19 صورة
-
عرض 19 صورة
-
عرض 19 صورة
-
عرض 19 صورة
-
عرض 19 صورة
كتبت- شروق غنيم:
تصوير- محمد حسام الدين:
لا تنفك أيادي الكِبار والصغار عن العمل في قرية نجع عون، لكلٍ حرفته، من الأسطح إلى داخل المنازل تدور عجلة الإنتاج. خلال خمسة أعوام، انقلب حال المكان الواقع بين محافظتي الإسكندرية والبحيرة. الأسقف التي هددت حياة الأهالي بسبب ضعفها، باتت مصدرًا للرزق، والفتيات اللاتي لزمن البيوت دون تعليم أو تعلُم صنعة، باتت أياديهن تغزل منتجات تسافر حتى العاصمة.
قبل خمسة أعوام، كان يتردد شخص قاهري على القرية، يعرفه الأهالي باسم الدكتور عزب "كان بيشتري مننا البط والفرخ والحمام والألبان عشان واثق من مصدرها" يحكي رجب ربيع-أحد أهالي القرية. بوجل كان ينظر أبناء المكان الريفي إلى الرجل القاهري، يتجاذبون معه أطراف الحديث علّه ينقل لهم تجربة تفيدهم، بعد أن ضاقت بهم سُبل العيش "إحنا في مكان زراعي بس مش كلنا نملك أرض ومفيش دخل رزق كويس هنا".
ذات يوم تملّك الحماس من ربيع، ارتأى في ضيفهم القاهري فرصة ذهبية تنقل لهم كيف تُدار الحياة في العاصمة، سأله "إحنا بنشوف الناس في المسلسلات بتزرع نبات الزينة في البلكونات، نعرف نعمل ده بس يبقى خضار؟". القاهري الذي أطلّع على تجارب مختلفة، اقترح على الأهالي زراعة الأسطح، أطرق ربيع متأملًا فيما سمعه، شاهد كيفية تطبيق الفكرة عبر الإنترنت، ثم شرع في التنفيذ.
في الآونة الأخيرة أخذت طريقة الزراعة دون تربة، والتي تُسمى بـ(الهيدروبونيك) في التصاعد. بزغت الفكرة بشكل مُصطلح عليه عام 1940، لكنها وصلت إلى "نجع عون" قبل خمسة أعوام فقط. وجد العلماء أن النباتات لا تحتاج إلى التربة، بل تُعد مجرد وسيط من خلاله تصل المواد الغذائية التي يحتاجها النبات، لذا تم تعويض التربة بمحاليل لازمة للنمو.
أفرغ ربيع سطح منزله مما فيه، وبرأس مال يبلغ 3005 جنيهًا كوّن مشروعه الخاص، اشترى تسع مواسير، ثم ثقبها وزرع بداخلها شتلات الخضار، وأحضر مياه يستوعب 50 لترًا، ومن هنا بدأ كل شئ.
ثمة فلسفة للمشروع؛ "الزرعة هنا بتتروي براحة"، لا تضيع المياه سُدى " كل قطرة من ماية الخزان ليها فايدة، الزرع بيشرب المية اللي محتاجها والفايض بيرجع للخزان تاني، عكس الأرض الزراعية بتحتاج ألف لتر في الريّة الواحدة والنبات مبيبقاش محتاج كل ده"، فيما تروى الأرض الزراعية ثلاث مرات في الشهر "يعني 3 آلا لتر، إحنا بنستخدم 50 لتر في الإسبوع".
يستخدم أهالي قرية نجع عون طريقة ري تُعرف باسم "Nutrient Film Technique". يضّخ الخزان المياه الممزوجة بالمحاليل إلى المواسير التي تحمل النباتات، وإذا وُجِد فائضًا من المياه يعود مرة أخرى للخزان.
أخضّر سطح ربيع، عُمِر بالطماطم والخيار والخس "بعد ما الجيران كانت بتقول عليا إني مجنون بقوا يسألوني بتتعمل إزاي". امتدت المساحة الخضراء على أسطح قرية نجع عون "حاليًا في 17 بيت بيزرع بنفس الطريقة"، خير ومدد يظلل رؤوس الأهالي، وكلما اتسع المشروع، تعمقت الفكرة في نفس الرجل الثلاثيني.
تُقدر مساحة سطح ربيع بـ100 متر "بيطلّع ثمار بمقام أرض مساحتها نص فدان". المكان مُقسم إلى ثلاث وحدات، كل وحدة يتفرّع منها نبات مختلف، ذاك من ضمن مميزات الزراعة المائية أيضًا "في الأراضي الزراعية إنت محكوم بالموسم وبتزرع نبات واحد بس"، بينما يعّج سطح الرجل الثلاثيني بالفلفل والباذنجان والطماطم والخس.
لا تحتاج الزراعة المائية إلى مجهود، أو عمالة، لذا باتت صنعة مهمة لبعض أهالي القرية، منهم من يكتفي به للمنزل فيستغني عن الأسواق، ومنهم من يبيع ثماره ويتكسّب من ذلك "دلوقتي ست البيت تقدر تطلع على سطح بيتها تجيب اللي محتاجاه للأكل".
في الزراعة المائية، لا يوجد مُتسعًا لإهدار الوقت، تُحضّر شتلات أخرى جاهزة، وريثما يقطف ربيع ثماره يضع الشتلة جاهزة فلا تستغرق زمنًا حتى تُزهر ثماراتها، ومن أجل ذلك بات أصحاب الأراضي الزراعية يطلبون الشتلات من ربيع.
جرّت الزراعة فوق الأسطح أفكارًا لمشاريع أخرى بالقرية، تكاتف أهلها وفكروا في كيفية تحسين دخل الأسر التي تقطن بـ200 منزلًا في المكان "فكرنا إن الزوجة تقدر تدير مشروع تربية فراخ، بناتها يشتغلوا في أعمال يدوية، والزوج يقدر يزرع فوق سطحه".
وعلى مدار خمسة أعوام أخذت تلك الخطة في التسلل إلى القرية، حتى أصبح هناك مدرسة لتعليم الكروشيه تضم قرابة 40 فتاة، وآخر للسجاد به 80 فتاة. تغزل الفتيات المنتجات المختلفة، من مفارش وحُلى بالكورشيه إلى السجِاد اليدوي، حتى باتت ما تصنعه أياديهم يشارك في المعارض المختلفة.
في ورشة تعلم الكروشيه، تصطف الفتيات، أصغرهن تبلغ سبعة أعوام. حين تنتهي الصغار من صفوفهن المدرسية يتوافدون على الورشة ظهرًا، تقودهن أربعة فتيات ممن لهن دراية أكبر بالعمل، منهن عفاف محمود. تحكي لمصراوي أنها بدأت تلك الخطوة قبل أربعة أعوام "كنت الأول بشتغل على مكنة خياطة".
لم تعمل شقيقات الفتاة العشرينية من قبل "اتجوزوا وقاعدين في البيت، أنا الوحيدة اللي عملت ده"، لم تجد اعتراضا من أسرتها كما اعتقدت "ومن ساعة ما اشتغلت حياتي بقت أحسن، بساعد أمي في البيت واللي عاوزاه بجيبه، حاجة حلوة إن يبقى في إيدي صنعة".
بفضل العمل تبدلت حياة عفاف وأقرانها، لم يعد مجرد أداة ربحية وحسب، بات منفذًا لها على العالم الخارجي، التي لم تكن تعلم عنه شيئًا "بقى ليا صحاب وبعرف أخرج براحتي، كمان شغلنا بنسافر بيه لإسكندرية والقاهرة فبشوف ناس جديدة".
في ورشة السجاد المُلاصقة للكروشيه، تمتد الأيادي إلى الخيوط على النول، افتتح المكان قبل عامين فقط في النجع "بدأنا بـ8 أنوال وعلمنا بنات كتير من القرية، دلوقتي في أكتر من 20 نول". تسرد نور أحمد، التي تدير الورشة.
شهدت صاحب الـ16 ربيعًا كيف حوّل العمل حياة الفتيات داخل الورشة "البنات عارفين أحوال والدهم فكانوا بيتكسفوا يطلبوا فلوس للدروس، بيعرفوا هما يدفعوها". تستغرق عمل السجادة من شهرين إلى ثلاثة ونصف "لما بقينا ننزل المعارض في ناس بتاخد أرقامنا وتطلب شغل مخصوص".
يبتسم ربيع إذ يتذكر أحوال القرية "كُنا منسيين لكن قدرنا بصناعات مختلفة نلفت النظر لينا، وكمان نكفي نفسنا"، يذكر إحدى الفتيات التي كانت تطلب سُلفة من أجل توفير دواء أبيها "دلوقتي بتشتغل في السجاد وتقدر هي تشتريله"، فيما تتسع ابتسامته حين يجد أهالي استغنوا عن أنواع خضار بسبب تكلفتها "وبقت تحت إيديهم لما زرعوا".
أصبح صاحب الـ37 عامًا بمثابة عُمدة المشروع بالنسبة للأهالي، يحث باقي السُكان على اتخاذ الخطوة ذاتها في زراعة الأسطح حتى ممن يمتلك أرضٍ زراعية، يُذكرهم بأهمية المشروع "في الوقت اللي مصر داخلة فيه على أزمة مياه، الزراعة المائية هتكون الحل"، فيما يجوب القرية رفقة أهالي مساعدين له أسبوعيًا، يتفقدون الأسطح والمشاريع الأخرى "عشان نتأكد إن كل حاجة تمام"، يتنقل من منزل إلى آخر بينما يشعر أن قلبه ممتلئ بالمحبة حين يبصر راحة أهالي القرية.
فيديو قد يعجبك: