إعلان

تركوا منازلهم وعوضتهم الدولة.. مصراوي يرصد قصة الإزالة الأولى في جزيرة الوراق

03:36 م الإثنين 24 يوليو 2017

كتبت- إشراق أحمد ودعاء الفولي وشروق غنيم:

منذ نحو أسبوع مضى، ظل يسمع محمد سعد الدين عبد الحميد ما يتردد على لسان بعض المسؤولين في محافظة الجيزة بأن أهالي جزيرة الوراق سكنوها بوضع اليد، يتساءل ابن الجزيرة "طيب لو أحنا أخدنا الأرض من غير حق إزاي دفعتوا تعويضات للناس قبل كده عشان تسيبها؟".

سعد الدين فرد من 11 أسرة اضطرها مشروع بناء كوبري يمر بالمكان إلى إخلاء منازلها، مقابل دفع تعويضات مالية. كان ذلك قبل نحو 9 أشهر من حملة الإزالة التي شهدتها الجزيرة، ولم تمنع ذعر تلك الأسر من تعرض مساكنهم الجديدة للهدم مرة ثانية.

جزيرة الوراق

في البر الغربي للجزيرة، أو ما تعرف بمنطقة بين البحرين التي شهدت حملة الإزالة الأخيرة، كانت تسكن 11 أسرة، قبل أن ينتقلوا إلى داخل الجزيرة ليبنوا بيوتًا جديدة، بمسافة تبعد نحو ربع الساعة سيرًا على الأقدام عن مكانهم الأول.

فوق سطح خرساني غير مكتمل جلست خديجة محمد ذات الـ65 عامًا، اجتمع حولها أبنائها وزوجاتهم، ويمر عليهم ابن عمهم سعد الدين بين الحين والأخر، تقول السيدة الستينية "البيت ده مش عارفين نكمل بناه لأن مفيش فلوس من ناحية ولأنهم مانعين المون تدخل الجزيرة من ساعة ما بدأوا يبنوا الكوبري"، يقاطعها ابنها أحمد شارحًا الوضع الحالي "لما خدوا البيت جمعنا كل اللي حيلتنا عشان نبني بيت تاني نعيش فيه".

بحلول أكتوبر عام 2015؛ وجد سعد الدين معدات البناء مُنتشرة بالقرب من منزله لإقامة محور روض الفرج، تهللت أسارير الرجل الأربعيني، انتابه التفاؤل، فهذا الكوبري لن يجعل جزيرة الوراق منعزلة عن باقي المُدن كما هو الوضع الحالي، لكن سرعان ما أصابه الإحباط بعدما رأى مسار المشروع في طريق منزله ومساكن عائلته.

"أنا أول بيت من الجهة الغربية قدام المشروع" رغم ذلك لم يبلغه أحد القائمين على العمل بأي معلومات تخص منزله، وفي نوفمبر 2016 أخبرته الشركة أنهم "هيكملوا المشروع ولازم تخلي البيت". اضطرب سعد الدين لذلك المطلب، دون وجود بديل "محدش عنده بيت تاني في الجزيرة غيري هنروح فين؟".

يوضح سعد الدين حال عائلته "البيوت على نص فدان، وعايش فيها 11 أسرة أخواتي وولاد عمي"، جميعهم ولدوا ونشأوا في الجزيرة، امتلكوا بيوتهم لكن الأرض كانت لغيرهم من سكان الجزيرة "زمان كانوا بيتعاملوا بالعرف يعني صاحب الأرض هو اللي معاه الوثيقة لكن أحنا معانا رسمي الكهربا والبنا".

جزيرة الوراق

سلك الأب لـ5 أبناء طريق المفاوضات مع المسئولين لعله يُسفر عن حلول بتوفير سكن أو إعطائهم توفير كافي لشراء أو استئجار شقق أخرى. لكن شركة المقاولات القائمة على المشروع أعلمتهم أنهم سيصرفون تعويضات لصاحب الأرض، أما المباني فتتكفل الدولة بها "قالوا لنا الموضوع بقى في إيد وزارة الإسكان وهيئة المساحة، أما صاحب الأرض فتقريبًا هياخد 3 مليون جنيه".

قدّرت وزارة الإسكان منزل والد سعد الدين، الذي يضم "أوضة وحمام ومطبخ، بتعويض 13 ألف جنيه، وبالمثل هيئة المساحة، فعاود الإحباط نفوس الأسر "يجيب إيه ده دلوقتي في وقت طن الحديد معدي الـ10 آلاف جنيه" حد قول سعد الدين، في حين ترتفع أسعار الإسمنت والرمال داخل الجزيرة "بسبب النقل بالمعدية" كما يوضح.

ظلت الأسر في دوامة المفاوضات والافتراضات حتى قرر المسئولون حسم الأمر؛ بعد أيام هاتف مأمور قسم الوراق سعد الدين وأخبره عن ضرورة حضوره، إذ هناك جلسة معقودة بين الأطراف المتولية المشروع لحل الأزمة، فلّبى الرجل الدعوة "كان الكلام كله إن توفير البديل هياخد وقت، وأنت لازم تخلي المكان، والقوات المسلحة تبقى تبني لك بيت" كما يقول سعد الدين، الذي لم يتحمس للاقتراح.

لم يمتلك ابن جزيرة الوراق حلاً "كنت زي الغرقان ومفيش حتى في إيدي قشاية، وكل الحلول عندهم سهل يكلموا وزارة الإسكان تنفذ لنا مطالبنا" يقول سعد الدين، غير أن الأمر انتهى بمحضر وليس منزلا "روحنا النيابة في شارع السودان"، وما أن وطأ سعد الدين المكان حتى تم سؤاله عن سبب تعطيله للمشروع، فشرح الرجل الأربعيني ما حدث، ليصدر أمر إخلاء سبيله من قسم الشرطة، ورغم تعجب سعد الدين من بلوغ هذه المرحلة لكنه استجاب للتنفيذ.

وفي القسم، بعد أن مكث سعد الدين 48 ساعة، كما يروي، أخذت المسألة منحى أخر، إذ تم استدعاء صاحب الأرض والتفاوض معه في وجود ابن العائلة المتضررة "صاحب الأرض خد نصيبه، وقرروا يدونا -11 أسرة المتضررة- نص مليون جنيه من تعويضاتهم وتم توثيق ده"، وبعد مشاورة المحامين قررت الأسر مغادرة المنزل شريط أن يتم إمهالهم المدة الكافية حتى يتمكنوا من توفير مسكن بديل، والذي لم يكن متاحًا إلا في المنزل الثاني لسعد الدين داخل الجزيرة "بنيت دور تاني فيه أربع أوض وخلصت في 15 يومًا بأعجوبة، يادوب كل أوضة أول ما يبقى فيها كهربا ومحارة ننقل ليها".

3

أما التعويضات فكانت رحلة أخرى استغرق الحصول عليها نحو 4 شهور "أخدنا التعويضات في شهر 3 اللي فات" كما يقول سعد الدين؛ إذ طالب وزارة الإسكان الأسر بوجود حساب في البنك من أجل تحويل مبلغ التعويضات عليه "وهما نصهم فلاحين مكتوب في البطاقة بلا عمل، ومرات عمي أرملة". مكثت الأسر نحو شهرين لإنهاء كل "الإجراءات الروتينية، اللي صرفت عليها تقريبًا نفس فلوس التعويضات اللي خدتها".

ظنت الأسر أن الاستقرار زارهم بعد الشروع في بناء مساكن جديدة، قاموا بشراء قطعة أرض مرخصة داخل الجزيرة لبناء منزلين، أحدهما لزوجة العم وابنها أحمد، وأخر لابنها الكبير فريد عرابي وأبنائه الخمسة، لكن بظهور قوات الإزالة قبل نحو أسبوع، كان لهم من الفزع نصيب "قالوا أي بيت مش مسكون أو دور مفيهوش حد هنزيله" كما يقول سعد الدين، لذا انقلب حال الرجل مرة أخرى، يهرول منذ ذلك اليوم بين منزله ومنزل أولاد أعمامه التي تحت الإنشاء خوفًا من هدمها.

4

ما شهدته الجزيرة دفع أحمد عرابي ووالدته أيضًا إلى ترك الغرفة التي استأجروها منذ إخلاء منزلهم وهدمه، والبقاء جوار المنزل غير المكتمل، يبزر الشاب ذو الخامسة والعشرين عامًا عقود شراء أرض منزلهم الجديد بينما يقول "أمي باعت دهبها عشان نجيبها".

لم يترك أحمد ووالدته "خديجة" منزلهم الجديد إلا ليلا، يطمئنون لوجود الابن الأكبر فريد، إذ يلتصق منزلهم ببيته، إلا أن فريد أيضًا لم يسلم من الخوف.

جزيرة الوراق

منزل فريد عرابي مُكون من طابقين، لون الطوب الأحمر يكسو الأرجاء، بدأ بنائه شهر ديسمبر 2016. تنام الأسرة بالطابق الثاني، بعض الأغطية موضوعة في جانب من إحدى الغرف، يفترشونها وقت النوم، فيما تعلق الملابس على مسامير جوار قطعة من مرآة.

بقايا سكن، هو حال منزل عرابي الآن "اللي لحقناه من البيت جبناه قبل ما يتهد من سنة" تقول فرحة الابنة الكبرى لفريد، فيما تشير إلى بعض أثاث منزلهم القديم متحدثة بحسرة عن سبب فقدهم "لما جينا ننقل مهندس المشروع قال لأبويا هنطلع العفش من السطح، جه يطلعه بالحبال البلدورز رجع والحيطان وقعت"، لم يبق سوى ثلاجة وخزانة مطبخ وبعض الأخشاب من الشقة القديمة التي كانت ضمت 3 غُرف وصالة.

جزيرة الوراق

أما المنزل الجديد، فباع المزارع الأربعيني "المواشي" التي امتلكها ليحصل عليه كما يقول، فيما استدان من صاحب الأرض التي يعمل بها كي يستكمل الدور الأول ويضع أساس الدور الثاني "بس برضو لما حصل اللي حصل يوم الحد بقينا نقول يارب ميجوش يهدوا الدور التاني".

يتحلق الجميع حول المنزل غير المكتمل، تدور سيرة ما حدث في جزيرة الوراق، يدعو الجميع بالستر وإبقاء الأمور هادئة، فيما يشير سعد الدين لحال الجزيرة منذ سنوات عدة "من سنة 2002 ودايما بتوصلنا رسايل غير مباشرة من المسئولين إن وجودنا في الجزيرة مسألة وقت". يذكر الرجل عدم تركيب عدادات الكهرباء إلى الجزيرة منذ أكثر من عشر سنوات رغم إدخالها بشكل رسمي منذ الثمانينات، كذلك غياب الصرف الصحي، يقول إنه مع ذلك لم يقم الأهالي بما يوصفوا به الآن من "بلطجة" حسب قوله، حتى بات يراوده بعدما شهدته الجزيرة سؤال "يعني أنا استحملت المكان بقِلة خدماته وحقوقي ومتكلمتش، ويبقى ده جزائي من الدولة في الآخر؟".

فيديو قد يعجبك:

إعلان

إعلان