لم يتم العثور على نتائج البحث

إعلان

"مصراوي" على مقهى "زهرة البستان".. من هنا مر "مكاوي سعيد"

12:04 م الأحد 03 ديسمبر 2017

كتب- فايزة أحمد:

"مقاهي وسط البلد ترسم خريطة حياتي، وعلى كراسيها تلك الشخصيات التي ألهمتني ما أكتب، وبين مبانيها وفي شوارعها تحركت أفكاري وأحلامي ومارست نزقي وشرودي الصغير".. يختصر الروائي الراحل مكاوي سعيد، علاقته بمقاهي وسط البلد التي تحولت من مجرد علاقة زبون بمقهى يرتاده يوميًا، إلى ملاذ دائم يلتقي فيه الأصدقاء والغرباء، الذين سرعان ما يتحولون لأصدقاء وأحبة، يذكرونه بمشاعر ممزوجة بالفخر بمعرفته والحزن على فراقه المُباغت الذي لم يُمهلهم -حتى الآن- لاستيعاب الفاجعة الكبرى.

مساء أول أمس الجمعة، وقف "سعيد" مشدوهًا أمام شاشة التلفاز بمقهى "زهرة البستان"، يتابع قرعة بطولة "كأس العالم" التي ستُقام بروسيا في 2018، بشغف وتحفز لم يقطعهما سوى مزحة من قِبل النادل "عادل السيد" "قولتله شكلنا مش هنصعد الدور الأول حتى"، ليرد بابتسامة ملأت تقاسيم وجهه "لقيته بيقولي فيه أمل وهتشوف".

على مدار سبعة عشر عامًا، مدة عمل "السيد" بالمقهى لم ينقطع "سعيد" عن المجيء إلى "زهرة البستان" حتى ظنه بعض الزبائن أنه المالك "من الساعة الـ8 صباحًا كنت تلاقيه جاي ومعاه اللاب توب بتاعه ويقعد يشتغل"، وهو ما جعله يصاب بحالة من الدهشة والاستغراب لعدم قدومه اليوم "مكنش فيه حاجة ممكن تمنعه إلا الموت فعلًا".

لم تمر دقائق حتى قدم الدكتور مبارك سليمان، رئيس اتحاد كُتاب اليمن، إلى المقهى كعادته، حيث وجد مكاوي جالسًا في الداخل ليمازحه "قولتله بقيت راجل عجوز وخايف على نفسك من البرد"، يبتسم داعيًا إياه للجلوس رفقته "قعدنا نتكلم زي كل مرة كلام ملخبط.. وكنت بسأله عن أسيوط، عارف كل خرم في مصر تروحله منين".

منذ عام ونصف العام، كُلف رئيس اتحاد كُتاب اليمن بالتدريس في جامعة أسيوط، لكنه لم يُقم هناك، ما جعله يبحث عن صاحب "فئران السفينة" تلك الرواية الأولى التي قرأها لمكاوي "كنت بقوله حاسس بوحدة في أسيوط.. يهزر ويقولي وبتروح هناك ليه حد غصبك"، يدرك الذي ولد في العاصمة اليمنية صنعاء، أن صديقه يحاول أن يمتص ضجره بالمزاح "لحد دلوقتي مش مصدق إنه مات".

حتى ساعة متأخرة من ليلة الجمعة، كان تواجد الذي يعرف مقتنيات وشوارع وسط البلد عن ظهر قلب حتى صار جزءًا منها، عادة لكل مرتادي ذاك المقهى، حتى "الساعة 11 بالليل كدا تعب فجأة.. ومرضيش يروح لدكتور فجه صديقنا أحمد صلاح جابله تاكسي وروح بيته" ذلك كل ما تعرفه الكاتبة سعاد سليمان عن مكاوي.

عادت "سليمان" لتوها من جنازة صديق الرحلة إلى مكان التقائهما الأول؛ علها تجده كما اعتادت طيلة سنوات معرفتهما "حاسة أن مكاوي مماتش وكل اللي بيحصل دا مقلب"، يقوي من اعتقادها هذا "عمره ما اشتكي من مرض.. كان بس عنده سكر، وهو كان شاطر وبيعرف يظبطه".

دقائق معدودات حتى لحق بالكاتبة الروائية حشد من أًصدقاء مكاوي متشحين بالسواد، يشاطر بعضهم بعضًا الأحزان، يتساءلون عن أسباب الوفاة، وعمن عساه يعرف ما الذي ألمّ به ليلة أمس، تختلف التفسيرات، والإجابات، لكنهم يتفقون أن "حتى الناس اللي كانوا مختلفين معاه كانوا بيحبوه".

كان من بين الذين اختلفوا مع صاحب "تغريدة البجعة"، الكاتب أحمد الجعفري، الذي أصرّ على حمل نعشه في الجنازة "خبر وفاة مكاوي سعيد خلاني أشعر بألم شديد جدًا"، نبع هذا الألم من إدراكه لمدى قيمة هذا الرجل سواء أدبيًا أو حتى على المستوى الإنساني "الراجل دا كان صادق جدًا مع الناس وفي كتاباته نفسها".

ثلاثة أشياء ليس للمرء يد فيها، من بينها الموت، ذلك الذي لم يتوقعه "الجعفري" للرجل الذي كان يثق به كثيرًا برغم اختلافهما، تلك التي جعلته يدعوه ليطّلع على ديوانه الجديد؛ ليبدي رأيه به "قالي أنا شوفته.. والديوان حلو أوي".

يموت الروائي لكن لا تموت روايته تلك التركة التي تركها مكاوي سعيد لأصدقائه الذين يدركون أنها قليلة للغاية، الأمر الذي دعاه لأن يعكف طيلة الأشهر الماضية على مشروع رواية جديد بالتعاون مع "المصرية اللبنانية"، لم يكن أحد يعرف تفاصيل عنها سوى صديقه الدكتور صبحي موسى أحد أعضاء المجلس الأعلى للثقافة "كانت رواية بالصور عن السينما المصرية والمفروض أنها هتصدر قريب".

فيديو قد يعجبك:

إعلان

إعلان