إعلان

بالصور..مصراوي في جولة ميدانية مع مفتشي جهاز حماية المستهلك

12:11 م الخميس 14 مايو 2015

كتبت-دعاء الفولي:

كالنحل كان موظفو جهاز حماية المستهلك يتحركون داخل المقر الكائن بشارع أحمد عرابي بالمهندسين، يتلقى أحد العاملين اتصالا هاتفيا من مواطن يشكو عيب بسلعة ما؛ فيعرف التفاصيل، ثم ينقلها لإدارة التحريات، والتي يقوم دورها على التحقق من تلك الشكاوى بحملات تفتيشية دورية. مصراوي عايش إحدى جولات موظفي الجهاز بالشارع، لمعرفة كيف يؤدي موظفو الجهاز عملهم بين هوجة زيادة الأسعار، وغضب المواطنين، ومحاولة الحكومة السيطرة على الوضع.  
    
بينما يقترب المفتشون الثلاثة من مبنى أحد المجمعات الاستهلاكية بمنطقة المهندسين، تراءى الزحام المحيط بالمكان، ثمة قناة تليفزيونية تصور مع رئيس المجمع، لمعرفة أسعار السوق التي انخفضت نسبيا بعد جنونها في الأيام الماضية، يدلف رئيس إدارة التحريات بجهاز حماية المستهلك "جمال عبد الحميد" المجمع، ملقيا نظرة على اللحوم المعلقة، منتظرا مالك المكان حتى ينتهي لسؤااله عن سير الأمور، قبل أن ينتقل إلى قسم الفاكهة والخضروات، لإكمال جولة البحث الميداني الروتينية.

جهاز حماية المستهلك (1)

 يستطيع وليد مصطفى -أحد المفتشين الثلاثة- مسئول قسم الأغذية والأدوية، أن يحدد جودة الخضر والفاكهة بالمعاينة النظرية "وبركز إني أشوف إذا كان سعر السلعة المتعلق غير اللي بيتباع بيه"، انضم "مصطفى" لفريق التحريات منذ عامين تقريبا، مع الوقت تعود على ضغط الشكاوى واتصالات الناس التي لا تنقطع.

"تغير الأسعار يخضع لحاجات كتير منها العرض والطلب"، قال "عبد الحميد"، مضيفا أن تأثر الزرعة ببداية الموسم يغير السعر، ومدة صلاحيتها للتخزين "البطاطس مثلا غير الطماطم اللي مبتتخزنش غير مدة قصيرة حتى لو تم عصرها"، خاصة وأن الطماطم تفقد معظم قيمتها الغذائية مع التجميد، بالإضافة لتفاوت الأسعار في المطلق بين منطقة وأخرى، فكل مكان يتعامل تجاره بمنطق القوة الشرائية للمستهلك "الفاكهة في امبابة هيبقى تمنها أقل من مصر الجديدة"، ولا يجد رئيس الإدارة في ذلك التفاوت غضاضة "لأن تاجر مصر الجديدة بيضيف للسلعة قيمة بالتغلفة المختلفة أو اختيارها على الفرازة".

جهاز حماية المستهلك (2)

على شاشة التلفاز الموجود داخل المجمع الاستهلاكي، اُذيع تقرير تلفزيوني يستطلع آراء المواطنين، كُتب على الشريط أسفله "رضا بين المواطنين في الشارع بعد نزول الأسعار"، فيما خف الازدحام أمام المجمع بعد انتهاء التصوير إلا من بعض العاملين فيه، مفتشو الجهاز ومواطنون يتفحصون السلع، ولافتة فاقع ألوانها تقول "لمحاربة غلاء الأسعار.. 25 % تخفيض".

ثلاثة رجال هو الحد الأدنى للحملة التفتيشية الواحدة للجهاز، لكل منهم عمل محدد على الأرض، يتحركون بتعليمات رئيس الحملة؛ بين فحص المواد التالفة وعدّها، الحديث مع صاحب المكان عن المخالفة أو كتابة المحضر الذي لا يكمله إلا من يملك الضبطية القضائية، رغم ذلك فالمواقف السيئة التي يمر بها آل التحريات كثيرة، لأن "مش كل التجار كويسين ولا كلهم وحشين"، على حد تعبير "عبد الحميد".

في شارع عبد العزيز حيث "مولد" الأجهزة والمحمول، خرج "عبد الحميد" واثنين من الجهاز لفحص أحد المحلات، وبينما يشرعون في إتمام عملهم، إذا بصاحب المكان يحاول الاعتداء عليهم "اتصلنا بالشرطة عشان ييجوا"، في تلك الأحوال لا يملك المتحرون إلا امتصاص غضب المعارضين قدر المستطاع "لأنك لما بتقوله انا من جهاز الحماية وفيه شكوى منك بيتخض" كما يوضح "مصطفى"، وبغض النظر عن الصورة التي ينتهي بها الموقف، فعليهم كتابة محضر بما جرى ورفعه للنيابة.

جهاز حماية المستهلك (3)

"الطماطم بـ3 جنيه"، هُكذا كُتب على ورقة معلقة خارج المجمع، وتم شطب نصف جنيه منها، ينظر أحد المارة إليها بتعجب، يتابع بعينيه بقية الأسعار، يجد سعر الخوخ "السكري" أقل من الخارج بـ2 جنيه للكيلو الواحد، وبشكل عام ففرق السلع المعروضة بالخارج في المجمع أقل من متوسط الرقم في السوق "عايزين نتأكد إنها مش بايظة"، يتندر مواطن موجها كلامه لرئيس الحملة -دون معرفة هويته- ثم يتركه دالفا المجمع لاستكشاف الوضع.
 
جهاز حماية المستهلك (4)

عدد المفتشين الذين يحملون الضبطية القضائية في "حماية المستهلك" اثنين وثلاثين؛ طبقا لتصريح "عاطف يعقوب"، رئيس الجهاز. ربما الخلط بين عمل المفتشين ووزارة الداخلية يجعل التوجس واردا لدى المواطنين، يذكر "عبد الحميد" -الحاصل على الضبطية القضائية منذ 2012- حين ذهب لأحد محلات كروت شحن الهواتف النقالة، والذي علم أنه يرفع الأسعار أكثر مما يجب؛ فطلب منه إظهار بطاقة ترخيص المكان "مرضيش وقالي انا ما صدقت خلصت من أمن الدولة"، ليحاول إقناعه أنه فقط موظف يتبع وزارة التموين.

 لا يستطيع مدير الإدارة الجزم أن حالة الخوف تراجعت بشكل كبير، رغم تفهم الكثيرين لعملهم "عشان كدة بحاول أطمن الشخص حتى لو عنده أزمة كبيرة أو لو بنمر على الأماكن عموما بنفهم التاجر اللي ليه واللي عليه عشان لا هو ولا المستهلك يتظلموا"، لا تخرج الحملات بشكل دوري للشارع، فالتحرك أغلبية الوقت طبقا لشكاوى المواطنين من مكان بعينه.

جهاز حماية المستهلك (5)

لم يمر "مصطفى" بمصادمات ضخمة على الأرض، بـ"شياكة" يحتوي الموقف مبينا سبب مجيئه لصاحب المخالفة "بقوله كمان لو معاه أوراق يقدر يثبت بيها عكس الكلام اللي لقيناه عنده يقدمها دلوقتي عشان تتثبت في المحضر أو في النيابة.. عشان ميحسش إني متحامل عليه"، غير أن الحزم يكون باديا على الوجوه والأفعال، فذلك هو الطريق الأضمن لإغلاق باب عرض رشوى "حتى لما حد بيقولنا اتفضلوا اشربوا حاجة أـو كوباية مياه بنقوله لأ".

سوء التفاهم يكون البطل أحيانا بين المستهلك والمقدم فيه الشكوى، فقد أخبر عميل "مصطفى" أنه "طلب فراخ دليفري فلقى مادة بيضاء تحت البلاستيك اللي مغلف بيه الطبق"، ذهب رئيس قسم الأغذية إلى المكان مع الآخرين "وطلبنا نفس الطلب بنفس الطريقة"، وبعد الفحص وجدوا أن تلك المادة هي مجرد تفاعل البخار الناتج عن حرارة الطعام مع المواد الدهنية فيه، فتطفو على سطح الغطاء البلاستيكي "قولنا لصاحب المطعم على الشكوى وفهمناه سبب مجيئنا ورجعت للشاكي قولتله على اللي حصل".

جهاز حماية المستهلك (6)

تنقسم إدارة التحريات لعدة أقسام، أولها قسم "الكمبيوتر وإكسسوارات المحمول"، فنسبة واردات مصر المالية منذ ذلك المجال 25 %، الثاني هو "الأغذية والأدوية"، قسم آخر لمتابعة المراكز التي تدعي تصليح السلع المعمرة بتوكيل من الشركات العالمية "ودي إعلاناتها بتبقى في التليفزيون أكتر"، ورابع للسلع المقلدة أو المغشوشة. تقوم الإدارة بالتنسيق مع مباحث التموين ووزارة الصحة، خاصة في الحملات الضخمة "كنا لسة من كام يوم في حملة على مصنع لانشون غير مرخص.. والصحة أعدمت 300 كم من المنتجات".

إعلان على باب المحل، يجذب المارة، فحواه "اشتري واحد وخد الاتنين هدية"، استفزت الجملة "عبد الحميد" الذي لمحه بالصدفة في طريقه، فقرر اصطحاب زملاءه من التحريات مختلقا محاولة للشراء "دخلت واخترت حاجة وجيت أشتريها ونقيت حاجتين كمان فالراجل قاللي لأ الهدايا هناك" مشيرا إلى نوع معين من السلع، ليتهم المتحرون صاحب المحل بالغش "هو بيضحك على الزبون لأنه محددش على اليافطة"، لتكون العقوبة في تلك الحالة 5 آلاف جنيه كحد أدنى، وقد تصل لـ100 ألف جنيه، وتتغير حسب فداحة الفعل.

جهاز حماية المستهلك (7)

يقف دور إدارة التحريات عند كتابة المحضر ورفعه للنيابة للبت فيه واتخاذ اللازم، كما أن الأموال ليست العقوبة الوحيدة، فالسجن خيارا مطروحا كلما زادت حساسية السلعة "زي صيدلية روحناها في إسكندرية لقينا فيها 73 كارتونة دوا أطفال منتهية الصلاحية، كل كارتونة فيها 30 إزازة" كما روى "مصطفى"، كذلك العقوبة عادة لا تقتصر على تاجر التجزئة؛ فإذا وجد موظفو الجهاز سلع منتهية الصلاحية أو بها عطب خاصة المأكولات، يقع الخطأ على الناقل وصاحب المصنع بالإضافة لمن يبيع.

 الإغلاق حل آخر لكنه ليس بيد "التحريات"، بل المحليات التابع لها المكان "بس لو حاجة خطر بنعمل أمر استصدار قرار ملزم بالغلق ونذكر الأسباب ونرفعه للنيابة"، كما يضيف "عبد الحميد" أن "الفترة الأسوأ اللي مرينا بيها كانت 2011 بسبب الانفلات الأمني"، فلم تكن استجابة المخالفين لهم سريعة في التفتيش وإنجاز العمل، لكن التجار كانوا على قدر المسئولية لأن السلع توفرت رغم المخالفات.

المفتشان يتفحصان الخضر

 بفضول يقترب أحدهم من "عبد الحميد" الذي كان يتحدث وزميلاه مع رئيس المجمع، ليسأله عن هويته، يخبره مدير الإدارة عنها؛ فيباغته قائلا "هو الجهاز بيعمل ايه بقى للمستهلك؟"، ليأتي رد رئيس الإدارة طالبا منه تقديم شكوى كأي مواطن ثم تقييم عمل الجهاز بنفسه، قبل أن يترك المفتشون الثلاثة المكان بعد انتهاء المهمة القصيرة، والعودة لمقر عملهم.

فيديو قد يعجبك:

إعلان

إعلان