قطع الطريق في مصر.. بين لقمة العيش والسياسة
-
عرض 3 صورة
-
عرض 3 صورة
-
عرض 3 صورة
كتبت - نيرة الشريف:
وجوه مثقلة بالحزن والإحساس بالقهر، ''لم يكن بإمكاننا أن نفعل غير ما فعلنا..حاولنا كتير وكان لازم نجبرهم يسمعونا.'' هذه الكلمات التي كان يرددها قاطعي الطريق منذ ثورة 25 يناير حتى ثورة 30 يونيو..يفاجئهم سؤالك ''لماذا قطعتم الطريق؟'' يباغتهم التعبير ليردوا بقلق مبالغ فيه ''إحنا مش بلطجية ولا قطاع طرق.. إحنا عندنا حق بنطالب بيه''، هؤلاء هم من قطعوا الطرق، وعلي الجهة الأخرى يقف من قُطع عليهم الطريق ليظلوا أسري سياراتهم أو المواصلات العامة لمدة ساعات طويلة لأن هناك من لديه حق وجد أن سبيله للحصول عليه هو حبسه في طريقه بين مكانين وتعطيل حياته..''لو كنت مكانهم كنت عذّرتهم'' هكذا قال أحد راكبي الميكروباص علي طريق كورنيش المعادي ردا علي السائق الحانق علي من قاموا بقطع طريق الكورنيش وحبس الجميع داخل سياراتهم لا يعرفون كيف يذهبون ولا كيف يعودون..(المشهد في بدايات عام 2013)
سكان مثلث ماسبيرو: لسنا بلطجية..وقطعنا الطريق عشان حقنا''
وسط منازل آيلة للسقوط.. وعائلات مهددة بالطرد من منازلها في أي لحظة يقف مجموعة من الشباب وسط كل هذا يتباحثون أمرهم وأمر أهاليهم وجيرانهم،، محاولين إيجاد مخرجا من كل هذا،، مجموعة شباب من بينهم المدرسين والمهندسين والمحاسبين في شركات خاصة،، يقفون هاهنا في تلك المنطقة السكنية المتواضعة التي ارتضوا أن يعيشوا ويقضوا حياتهم بها.. ها هنا خلف مبني ماسبيرو توجد تلك المنازل بسيطة الحال، في منطقة يُطلق عليها اسم ''مثلث ماسبيرو''.. تباحث الشباب الذين يجتمعون علي نواصي شوارع مثلث ماسبيرو، وشكلوا رابطة أطلقوا عليها ''رابطة شباب ماسبيرو''، لكنهم لم يجدوا حلا، لم يستمع لهم مسؤولا، إلي أن سقط منزل فوق رؤوس أصحابه الذين كانوا يعيشون يوما ما بينهم، لم يجدوا حلا سوي الخروج وقطع طريق كورنيش النيل، ليستمع لهم أحد ويشعر بأزمتهم..
''إحنا مش حالات إنسانية، ورافضين إن الإعلام يتعامل معانا علي إننا حالات إنسانية، لأننا مش بنشحت ولا طالبين مساعدات مادية،، ولا أحنا مجرمين ولا بلطجية عشان قطعنا الطريق، أحنا طالبين حقنا في إن يبقي عندنا سكن آدمي آمن، أحنا لما بيبقي بينا حالة إنسانية وسطنا بنتكفل بيها كلنا، ومش بنخليها حتي تلجأ للدولة.'' كانت هذه هي الجمل والمبررات التي تتردد علي ألسنة ''رابطة شباب مثلث ماسبيرو.
منطقة مثلث ماسبيرو تمثل سكن ما يقرب من 4 آلاف ستمائة وعشرين أسرة، كان مطلبها ألا يتم تهجيرها من مكان سكنها هذا، وأن يتم عمل إحلال وتجديد للعمارات السكنية التي يقطن بها آلاف الأسر والتي يخافون علي أبنائهم من المبيت بين جدرانها تحسبا لسقوط تلك الجدران التي تؤويهم في أي وقت، وهو ما حدث بالفعل في ديسمبر 2011 حيث سقط منزلا وتسبب ذلك في مصرع نحو خمسة أشخاص.
خرج سكان مثلث ماسبيرو لقطع طريق الكورنيش أمام المارة، فقط ليجبروا من بيده حلا لمشكلتهم أن يستمع إليهم ويتفاعل معهم، أرض ماسبيرو تقع علي مساحة 74 فدانا، تشمل مبني إتحاد الإذاعة والتليفزيون ومبني وزارة الخارجية ومسجد السلطان أبو العلا وفندق هيلتون رمسيس والقنصلية الإيطالية وبعض الشركات الخاصة، ويقطن سكان منطقة مثلث ماسبيرو علي مساحة أرض لا تتعدي العشرين فدانا، امتلكوها عن أجدادهم، وهم يرون بذلك أن لهم حق أصيل في الأرض والسكن، علي الرغم من أن هناك شركات خاصة تمتلك الأرض، ''عايزين يهجرونا من المكان اللي اتولدنا لقينا آبائنا وأجدادنا عايشين فيه، وأحنا مش هنسيبه، وكل اللي بنطلبه إن الحكومة تعمل لنا عملية إحلال وتجديد للعمارات السكنية التي نعيش بها حتى لا تسقط علي رؤوس مسنينا وأطفالنا'' هكذا تحدث محمود شعبان-34 سنة- حاصل علي ليسانس آداب وتربية جامعة عين شمس، وعمل كمحرر صحفي في إحدى الصحف الخاصة، وكان يعمل قبلها مدرسا في مدارس خاصة، ومنذ عام 2002 انتظم عمله كمدرس بمدارس حكومية، رغم وظيفته وتعليمه لم يجد محمود مفرا من أن يخرج مع باقي جيرانه لقطع الطريق أمام السيارات والمارة، فقط ليقول أنه خائف علي حياته من السكن في منازل آيلة للسقوط في أي وقت.
ويضيف وليد يسري-31 سنة- بكالوريوس مراقبة جودة، ويعمل محاسب في أحد الشركات الخاصة، ''نحن لم نلجأ إلي الخروج بأهالينا لقطع الطريق إلا بعد أن استنفذنا كل ما بأيدينا من وسائل لإسماع شكوانا، حاولنا نتكلم مع المسئولين،، وعملنا وقفات سلمية،، لكن كل ذلك دون جدوى، حتى وسائل الإعلام لم تعرنا انتباها، فخرجنا علي الطريق، كنّا حوالي 600 فرد، وقطعنا الطريق حوالي تسع ساعات متواصلة، وكنّا موقفين نحو 12 فردا عشان لو حصل خلافات مع الناس يفهموهم أحنا ليه عاملين كده، وأيه اللي وصلنا للحال ده.'' ويعود وليد ليؤكد ''أحنا لا بلطجية ولا قطاع طرق، أحنا فيه مننا الدكاترة والمهندسين والمدرسين وكل اللي بنطلبه مسكن آمن.''
وكما سكان مثلث ماسبيرو الذين كانوا يبحثون عن سكن آمن، قام عمال مصانع الطوب وأصحاب تلك المصانع أيضا بالخروج لقطع الطريق..اجتمع عمال وأصحاب مصانع الطوب بالبحيرة وقرروا قطع طريق القاهرة الإسكندرية الزراعي، وقطعوا أيضا خط السكة الحديد الواصل بين القاهرة والإسكندرية، لمدة أربع ساعات تقريبا، كمحاولة أخيرة لكي يستمع أحد إلي شكواهم،،
عمال: ''اضطررنا لقطع الطريق..أحسن ما نسرق''
صناعة بأكملها قد توقف عدد ليس بالقليل من مصانعها، ولا يشعر بأصحابها أحد.. عمالة قد تم تسريحها، وكميات العمل المطلوب إنجازها أصبحت لا تسمن ولا تغني من جوع، هذا هو الحال الذي أصبحت عليه صناعة الطوب، حيث قام أصحاب المصانع بتسريح عدد كبير من العمالة في مصانعهم، لأن حجم العمل المطلوب منهم إنجازه لم يعد محتاجا لكل العمال الذين كانوا يعملون معهم..''لم نعد ننتج.. ولم يعد يُطلب منّا إنتاج.. المكن واقف.. وبنسرح عمالنا'' هكذا بدأ مدحت رمضان-33 سنة- صاحب مصنع لصناعة الطوب بكفر الزيات.
أرجع مدحت والحاصل علي ليسانس الآداب قسم الاجتماع، الأزمة التي يمر بها في عمله إلي غلاء سعر المازوت والاختفاء التام الذي يحدث للسولار بين وقت والآخر، وتحكم السوق السوداء فيه، فإذا ما وجده سيشتريه بأضعاف ثمنه،، بآسي يقول مدحت ''دخلي كان بيوصل لحوالي 9 آلاف جنيه في الأسبوع، دلوقتي مفيش دخل تماما، وبسحب من رأس مالي عشان أشغل بيه المصنع، كنت مشغل معايا حوالي 1500 عامل، مشيت منهم حوالي 500 عامل، ناس عندها عيال ومبقيتش عارفه تأكلهم منين، ومش عاوزينهم يتكلموا ولا يعترضوا،، ومش عاجب المسئولين إنهم خرجوا يقطعوا الطريق،، كويس إنهم مخرجوش يسرقوا عشان يأكلوا ولادهم،، أنا فكرت كتير جدا إني أقفل المصنع وأحافظ علي رأس مالي وأعيش بيه واصرف علي بيتي وخلاص، لكن خايف لو عملت كده إن العمال هيسرقوني أنا!''
وسيلة ضغط على الحكومات
يوضح الدكتور عمار علي حسن، أستاذ الاجتماع السياسي، منطق قاطعي الطرق قائلا ''من يقطعون الطرق للمطالبة بمطالب معينة لا يهدفون إيذاء من يتم قطع الطريق عليهم، لكنهم يستهدفون ''استخدامهم'' لكي يستجيب المسئولين لمطالبهم، هم يفعلون ذلك لكي يجبروا مؤسسات الدولة علي اتخاذ قرار معين، أو عقاب أجهزة الدولة حين تتلكأ في اتخاذ قرار معين.''
يقول دكتور عمرو هاشم ربيع، الخبير السياسي بمركز الدراسات الإستراتيجية بالأهرام، عن شكل الاعتراض هذا الذي اعتدنا عليه خلال السنوات الأخيرة فقط، '' هذا الشكل من الاعتراض جديد علينا، لكننا لا نستطيع القول أننا البلد الوحيد الذي حدث فيه شكل الاعتراض هذا، لكنه من الصعب أيضا أن تجده في دول متقدمة، قد يوجد في بلدان العالم الثالث والدول النامية، وإن لم يكن بنفس الكثافة التي يحدث بها لدينا، وأنا أراه شكل من أشكال الاعتراض الغير مشروع بالمرة لا في أي شريعة ولا في أي نظام سياسي.''
لمتابعة أهم وأحدث الأخبار اشترك الآن في خدمة مصراوي للرسائل القصيرة.. للاشتراك...اضغط هنا
فيديو قد يعجبك: