لم يتم العثور على نتائج البحث

إعلان

بالصور.. في المنيا.. الإعدام مرة واحدة لا يكفي

12:37 م الإثنين 28 أبريل 2014

معايشة- أحمد الليثي:
تصوير- كريم أحمد:

هدوء حذر يخيم على المكان، أكف الضراعة تتجه صوب السماء، صيحات تتعالى، وأرواح تقترب من الصعود لبارئها ورقاب تدنو من حبل المشنقة، عجائز ينتظرن قبس من نور؛ قد يُخرج أبنائهن من غياهب السجن، همهمات تتردد في جنبات شارع ''عبد المنعم رياض'' بمدينة المنيا عن الحكم الذي بات مضرب الأمثال.

أنظار تُصوب قبل المحكمة، أنباء عن قدوم القاضي في وقت مبكر، الساعة تدق السابعة والنصف، قوات الأمن تغلق الطرق المؤدية لمستقر الحكم، أهالي المتهمين يروون تفاصيل القبض على فلذات الأكباد.. بكاء، أصوات تختلط بين اليقين بقضاء الأمر وأخرى تتشبث بخيوط الأمل، نحيب، غضب ينفجر، ''العدالة في مهب الريح'' يرددها حقوقيون في بذات أنيقة، فيما تقول سيدة خمسينية في ملابس رثة، تجلس على رصيف مقابل لمصفحات الأمن ''الغلابة بس هما اللي بيموتوا في البلد دي''.

الثامنة وخمسون دقيقة، دقت الساعة المتعبة، سيارة فخمة بيضاء اللون تسير على مهل، زجاج ''فاميه'' يخفي من خلفه، العربة تحمل لوحات معدنية تشير إلى قدومها من محافظة الإسكندرية، تخترق الصفوف المتراصة بتؤدة، ''القاضي وصل'' يقولها أحد المارة، فيما تلتهب حناجر الأهالي بالدعاء، 15 دقيقة وجاء الخبر، نزل كالصاعقة على رؤوس الأشهاد ''الإعدام لـ37 متهما والمؤبد لـ492''.. النساء يفترشن الأرض، يهيلن التراب على الرؤوس، يشققن الجيوب، يحاول الرجال صدهن دون فائدة، قبل أن يصيروا كالأطفال؛ يدخلون في نوبة بكاء هستيرية، فيما أضحى الصبية عجائز شابت رؤوسهم بهول الصدمة.

''ده كفر'' تقولها شقيقة ''صالح زيدان'' فيما تغطي الدموع ملامح وجهها، وهي تحتضن ابنها ''علي'' الذي رباه المتهم، ينفض عن جلبابها التراب، تهدئ من روع ''علي'' يقول بصوت متهدج ''خالي غلبان مالوش ذنب''، تسب سيدة قيادات ''الأمن والمحافظة'' المصطفون خلف حواجز أمنية، تخفي النظارات الشمسية تعبيرات وجوههم، وتحمل سيدة ستينية صورة وليدها ''طاهر حسن'' تتغنى بأدبه وتحكي للمارة في ذهول عن غيابه الذي يبكيها آناء الليل وأطراف النهار، ''ده العدل بتاع ربنا يا بهوات'' تسأل قيادات الأمن، والشرر يتطاير من عينيها، فيما تأتي الإجابة بالصمت، تختفي القيادات من المشهد قبل أن يتصدر جنود الأمن المركزي الواجهة.

بجلباب صعيدي أبيض يُحدث نفسه، يُمني النفس لو كان ما سمعه كذبا، تفضح الدموع عين ''أبو عمرة عكاشة'' رغم عويناته الطبية السميكة، يقسم بأغلظ الأيمان ''إحنا بنسمع عن الإخوان في التليفزيون بس، منعرفش بديع وعصابته.. لا نعرف سياسة ولا دياولو.. إحنا غلابة وبس.. فقرا وبس''، يربت على كتفه شقيقه، تغالبه الدموع ''لما ياخدوا دراعي في الدنيا وأنا عندي 77 سنة أصرف على عياله إزاي.. يرضي مين ده يارب''.

مشهد عبثي
المشهد عبثي باقتدار، وسائل الإعلام تتهافت، قوات الأمن تتأهب، أهالي المتهمون يصرخون، والمحامون يوضحون الأمر ''القاضي دخل ما اسمعش حد وقال الحكم من غير فض أحراز ولا نيلة.. وغرم الدفاع 50 جنيه وحولهم لمحاكمة تأديبية كمان'' يقولها أحدهم متهكما رغم جلال الحدث، فيما يُعقب آخر ''الأمل في النقض''.

دقائق تمر على الوتيرة نفسها، قبل أن تكتمل المأساة ''إحالة أوراق 683 متهما بينهم مرشد الإخوان لمفتي الديار في قضية العدوة''، الحكم الثاني جاء ليزيد المشهد توترا، حكايات عن قبض عشوائي تم للمتهمين، يقول ''محمد رمضان'' إن شقيقيه المحكوم عليهما بالإعدام لم يقترفا إثما، وما جرى هو ''تقفيل أوراق'': ''قبضوا عليهم بعد 5 شهور من الحادثة.. بيشوفوا أي حد وخلاص''، بينما تتدخل ''نجاة علي'' زوجة المتهم ''خالد صابر'' في الحديث ''جوزي عربجي على باب الله.. والله ما بيعرف يقرا الفاتحة.. يقولوا عليه إرهابي إزاي''.

''حكم بالإعدام على نظام العدالة''
ببشرة شقراء وبذة أنيقة يتابع الأمر بشغف، تظهر على وجهه ملامح الاستياء يسأل غير مرة عن منطوق الحكم، تجاوره مترجمة، ''أندريا'' قدم من هولندا خصيصا ممثلا للائتلاف الدولي لحقوق الأقليات، يقول إن القاضي ''حكم بالإعدام على نظام العدالة في مصر''، معتبرا أن مجريات الأمور من عدم فض للأحراز أو الحديث للمتهمين أو سماع الدفاع يؤكد أن الحكم ''سياسي بامتياز''، قبل أن يختتم حديثه بأن منظمة العفو الدولية اعتبرت الحكم الأول ''مزحة''، فيما لا يدري كيف ستستقبل الجمعيات الحقوقية توكيد الخبر.

''والله لو أخواتي قتلوا لأقدمهم للمشنقة بيدي'' يرددها ''خالد خلف''، مشيرا إلى أن شقيقيه لم يُثبت ضدهما أي دليل مادي ''مفيش فيديو ولا صورة ظهروا فيها.. هو ظلم والسلام''، يعلو صوته فجأة، ينادي على المارة، الأقارب والأغراب، يرجوهم ألا يتركوا الظلم يستشري ''الدور جاي على الكل''، يواسيه الجمع، يلتفون حوله، يضرب رأسه بكلتا يديه ''ده مبارك اللي قتل يجي 1000 عايش زي الفل.. إحنا بس اللي بنداس بالساهل''.

20 عاما انتظرت فيها أن يهبها الله ولدا فكان ''أحمد عبد الفتاح'' نور عينها قبل أن يُضحى على شفا حفرة ''عشماوي''، وهو لم يكمل عامه الخامس عشر بعد، متهما بحرق قسم ''العدوة''، تتوسل المارة أن يساعدوها، هل يعي أحد الحكم، هل للقاضي أبناء، ما العمل فيما جرى، هل يمكن أن يعود قرة عينها لحضنها ثانية، هل يمكنها أن تزوره في السجن دون أن تقترض حق ''الغدوة''، تساؤلات تطرحها، فيما ينشغل الجميع بهمه.

لمتابعة أهم وأحدث الأخبار اشترك الآن في خدمة مصراوي للرسائل القصيرة.. للاشتراك...اضغط هنا

فيديو قد يعجبك:

إعلان

إعلان