بالصور.. مصراوي على ضفاف ''فينيسيا'' المعجونة بمياه الصرف
-
عرض 8 صورة
-
عرض 8 صورة
-
عرض 8 صورة
-
عرض 8 صورة
-
عرض 8 صورة
-
عرض 8 صورة
-
عرض 8 صورة
-
عرض 8 صورة
كتب- أحمد الليثي ومحمد مهدي:
يُحكى أنه قبل مائتي عام كان الأجانب المُحملين ببضائع التموين عبر البحر المتوسط يوقفون مراكبهم بالقرب من المنطقة كي ''يمكثوا'' فيها للاستمتاع بروعتها، فاتخذ الناس اسم ''مكس'' على ''قرية الصيادين'' من هذا المنطلق، لكن الأيام لم تبق على وتيرة واحدة، فلم يعد هناك أجانب، ولم تعد الروعة طبيعة المنطقة، فيما بات السكان الأصليون يفكرون في الرحيل عنه، بعد أن سبقتهم الأسماك وكل كائن حي بالهجران، بعدما طالته يد الخراب والحياة المعجونة بمياه الصرف.
لم يكن ''إبراهيم'' قد جاوز عامه العاشر حينها، لكنه يتذكر التفاصيل باللفتة، خلعه لملابسه في يسر، صيحات الصبية، لون المياه النضر، النبات الذي ينمو على الضفة في تزايد، تحيات الصيادين للأطفال دون تفريق بين ابن ورفيق، لحظة ملامسة يده للبحر، وقتها كان السمك يتقافز على جسده ليداعبه ''دلوقتي مفيش كائن حي بيهوب ناحية المكس'' يقولها الرجل الأربعيني في غضبة وهو يسترسل تلك التغييرات التي طرأت على ''الجنة'' التي ترعرع في كنفها ''شركات البترول والكيماويات خلت المكان خزنة لسمومها ومحدش بيقولهم تلت التلاتة كام''.
نحو 15 ألف صياد تتراص منازلهم على طول 2 كيلو متر في شكل منمق على ضفتي ترعة الخندق الواصلة من مصب ترعة المحمودية العذبة ومياه البحر المتوسط، في مشهد أشبه بلوحة فنية متقنة تستقر المراكب بلونها الأزرق ويُمعن الصيادون في حياكة شباكها في تؤدة، بينما تبدو المنازل محتكة بالمياه دون فواصل.. هكذا تظهر ''المكس'' في الصور والأعمال الفنية، وتشبيهها بـ''فينسيا'' الإيطالية والنسق المعماري المميز، لكن الوضع لم يكن كذلك على أرض الواقع.
من أعلى كوبري ترعة الخندق تظهر المنطقة بشكل تفصيلي، مياه غلب على لونها السواد، ومواسير صرف على كل شكل ولون، وبكل الأحجام، صمت لا يليق بمكان يوصف بالسياحي، منازل ضربتها قوى الصرف الصحي والصناعي في مقتل، صيادين عجائز بأبدان معتلة، ووجوه شباب باهتة تشابه ألوان زوارقها التي خفت عنها الزهوة.
على مقهى الصيادين، مكان تجمع أهالي الحي، كان الحديث لا يخلو من بؤس، يذكر أحدهم الأيام الخوالي، ويتحسر أخر على الحال ''الواقف''، بينما راح ''أبو كريم'' ينفث دخان الشيشة بشكل رتيب وهو يقول ''البحر كان فيه خير لا يعد ولا يحصى بس دلوقتي بح.. بعد ما هلت علينا شركات الزفت''.
لكل منزل بابين، الأول على البحر والأخر على طريق ممهد، فيما تمر أسفله مواسير صرف ضخمة، ريم أبيض علق برواسب الضفة بديلا عن الحشائش، ولون أصفر غامق خرج من ماسورة تحمل عبء شركات الكيماويات والبترول والغزل والنسيج من مواد صناعية حارقة، تصب سمومها في مياه المكس، علاوة على صرف مزارع الشعير والأرز داخل المكان ذاته.
''السمك كان بينط في المراكب بس بعد المياه ما اسودت بقينا نمشي بالساعات عشان نسترزق'' يكمل بها'' أبو كريم'' قبل أن ينعي رفاق المهنة الذين تركوا الصيد بعدما ملوا قلة الرزق، فيما قاطعه ''أيمن حسن''، غطاس، لوصف ما جرى له من آلام جسدية وطفوح جلدية جراء التلوث الذي لحق بالمكان.
في حكايات الجد لأطفاله، كان ''إبراهيم'' يجلس القرفصاء أم والد والدته، ليسمع عنه كيف كان الأطباء يصرفون هواء المكس للمرضى على ''الروشتة'' للاستشفاء، بينما بات مروره على ترعة الخندق مسببا لوجع نفسي يذكره بأطفاله؛ الذين حكم عليهم الزمان أن يسكنوا على ضفاف البحر دون أن يجرؤا على ملامسته، ويستمعوا لحكايات تعج بالأساطير، فيما يظهر الواقع مليئا بالأمراض وقلة الحيلة والهواء المنكس.
تابع باقي موضوعات الملف:
في إسكندرية.. البحر غضبان ما بيضحكش (ملف خاص)
بالصور- مصراوي داخل ''مساكن السجون''.. الحياة في زنزانة مفتوحة
بالصور- ''مخابئ'' القباري.. معجزة الحياة تحت الأرض
بالصور- كبائن خدم الملك فاروق.. من جاور السعيد ''يحزن''
مأوى الصيادين.. بيوت تغرق في "شبر مايه"
لمتابعة أهم وأحدث الأخبار اشترك الآن في خدمة مصراوي للرسائل القصيرة للاشتراك ...اضغط هنا
فيديو قد يعجبك: