إعلان

''قصر العيني''.. معاناة بطعم ''العزلة''

07:40 م الأحد 15 سبتمبر 2013

كتبت - يسرا سلامة وإشراق أحمد:

ألوان، أبيات شعرية، كلمات بخط اليد أحيانًا، وبالرسم أحيانًا أخرى، وصولًا إلى ضحكة امتدت بعرض تلك الكتل الحجرية، لتستقبل كل من يحاول العبور من ميدان التحرير إلى شارع ''قصر العيني''.

صخرة فوق الأخرى وضعها رجال وزارة الداخلية والجيش مشكلةً جدارًا؛ لحماية المنشآت، وبين إزالة أجزاء منه وإقامته مرة أخرى، تأتي تلك الرسائل التعبيرية لكسر ''الجدار العازل'' لأهالي المنطقة والمترددين عليها، بعد انتهاء الأحداث التي بناءً عليها تم إقامة هذا الجدار.

أيام وشهور اقتربت من العام، أصوات بلا رجع صدى، وكلمات واعدة بإنهاء الأمر الذي كان سبب في سوء حياة كل قدم تخطو تجاه الشارع، ومع إزالة الجدران المحيطة بشوارع وزارة الداخلية، زاد الأمل بأن يتنفس الشارع وقاطنوه الصعداء، لكن طال الانتظار دون جديد، خاصة مع إقامة جدار ثاني ما كان إلا ليستقبل المارة من الجهة الأخرى برسالة مباشرة ''افتحوا الشارع''.

بقالة ''محيي''.. المعّبر

''إحنا تورطنا بجوار السور''.. هكذا قال ''محيي رضوان''، صاحب محل بشارع ''قصر العيني'' ، لم يكن قدره أسوأ من أن يصبح محله ممر لكل من يريد عبور الشارع بجوار السور، بدلاً من الدوران حول الشوارع المحيطة للوصول إلى الشارع من الجهة الأخرى.

محل ''محيي'' المعّبر لكل المارة بالشارع منذ ما يقرب من عام وتحديدًا من شهر ديسمبر الماضي، فليس بيده منع المارة، ولا بيده هدم السور، الرجل الذي طرق أبواب المسئولين دون جديد ''عملت محضر إني متضرر من الجدار، لكن المحضر زي الورقة اللي بنرميها في الزبالة''، ناشدنا محافظ القاهرة ووزير الداخلية، وتحدثنا للفضائيات، لكن مفيش حل''.

يبدأ محل ''محيي'' عمله من السادسة صباحًا إلى العاشرة مساءً، التزامًا بموعد ''الحظر''، تزداد لديه كثافة مرور الموظفين منذ الصباح وحتى آخر موظف يمر إلى ميدان التحرير أو منه إلى آخر شارع ''قصر العيني''، قرر ''محيي'' وجيرانه من التجار إلى الإغلاق اعتراضًا على الوضع ''فضلنا عدم الوقوف في أي مسيرة عشان ما يتقالش علينا بلطجية''.

مبادرات لم تنتهي من أصحاب المحلات من أجل حتى ''فتحة'' في السور، لكن فض اعتصامي ''رابعة والنهضة'' وتطبيق حظر التجوال منعوا من تنفيذ تلك المبادرات، تخوفًا من وقوع أي أحداث في المنطقة ''المحافظ الجديد يخشى قرار إزالة السور، حتى لا يُتهم بأنه إخوان''، حسب قوله.

''محمد''.. صاحب تجارة وساكن في ''أوضة''

حالة من الركود موجودة في محل ''محمد عبيد'' للمفروشات وسط الشارع، أو بين جدارين شيدتهما ''الداخلية''، فصلا حياة سكان ذلك الشارع عن خارجه، فلا أحد في الخارج يشعر بمعاناتهم، ولا حلول تُطبق لإعادة فتح الطريق.

''محمد''؛ صاحب محل ''الموبيليا'' وأحد قاطني '' قصر العيني'' أيضًا، يشتكى هو الآخر من وقف الحال بسبب السور ''أنا وارث المحل من والدي من أكثر من 75 سنة، من عصر عبد الناصر لعصر السادات لمبارك لم نشاهد مثل ذلك الجدار في أي حروب أو نكسات، فقط شاهدناه بعد ''نكسة يناير''، على حد تعبيره.

الجدار الذي أغلق الشارع من الجانبين كان له أثرًا كبيرًا على تلك المنطقة التي يقبع بها محل وسكن ''محمد'' وكل المبيعات فيها '' كأننا في أوضة محبوسين، أثر على البيع ولا أحد يشتري مننا، إحنا بنستلف فلوس عشان ندفع إيجار المحل أو فواتير الكهرباء، لأننا لو قلنا لأ هنطرد برة''.

مدير مكتب محافظ القاهرة قدم وعوده لـ''محمد'' بإزالة الجدار قريبًا منذ أربعة أشهر - على حد قوله - ولكن السور كما هو، ثم توجه ''محمد'' إلى المحافظ ليقول أن الأمر خارج استطاعته ''بيوتنا أتخربت بسبب الوضع''.

في ساعات النهار الأولى يتحول الشارع إلى ''موقف للسيارات''، وفي المساء ''ظلام دامس''، يقول ''محمد'' : ''عمر ما كان شارع قصر العيني كده، المحلات اللي جنبنا أغلقت أبوابها مقدرتش تتحمل إن مفيش زباين، إحنا بنفتح من الظهر لبعد العشا، بس الحالة تعبانة''، على حد قوله.

''الجدران كانت في البداية أسلاك شائكة، ثم تطور الأمر إلى جدران عازلة، لكن للأسف محدش حاسس بحاجة ولا بسوء الوضع اللي إحنا فيه.. هكذا عبر ''محمد'' الساكن القديم بالشارع عن الحال الذي كل سببه ''إحنا هنا وسط وزارات وهيئات حكومية''، وبالتالي تجد المظاهرات الفئوية في هذا المكان، على حد قوله.

الحركة في وسط البلد لـ''محمد'' أصبحت أكثر صعوبة بسبب ''جدران العزلة'' في المنطقة؛ فالمسافة التي كان يقطعها في عشر دقائق قبل الثورة لا تأخذ أقل من الساعة الكاملة للدوران حول الشوارع، وكذلك حال أغلب السكان الذين يكثر فيهم كبار السن، نظرًا لطبيعة حال المنطقة، وبالتالي يصعب عليهم الذهاب إلى الأطباء أو أي مكان آخر، وفقًا ''لمحمد''، الذي زعم أن أحد جيرانه توفي إثر أزمة قلبية نتيجة تأخر المسعفين.

طول بالك.. دي حالة أمنية''.. الرد الذي ظل يأتي ''لمحمد'' في رحلته لطرق أبواب المسئولين لفتح الطريق، والذين بلغ عددهم أربعة من مدراء الأمن ومساعدين للوزراء ومحافظ القاهرة الذي كان رده أكثر وضوحًا '' الحل في إيد السيسى أو محمد إبراهيم''، بكل حسرة يقول الرجل الستيني'' هو ده شارع القصر العينى شوفوه في الأفلام القديمة وانتم تعرفوا شكله على حق'' .. متمنيًا أن تنتهي التظاهرات التي أوقفت حال المحلات في الشارع، وإزالة الجدار الذي تم بناءه في عهد ''محمد إبراهيم'' ومستمر في عهده أيضًا على حد قوله.

''راندا''.. موظفة وأم بـ''قصر العيني''

لا تختلف عن أي أم عاملة ينقسم عبء حياتها بين العمل وتربية الأبناء، حتى ما يقرب من عام بدخول شيء فُرض على دائرة اعتبار ''راندا''، تسكن بشارع ''سعد زغلول'' الذي يبعد أمتار قليلة عن ''قصر العيني''، وعلى الرغم من ذلك إلا أن معاناتها لا تقل بشكل يومي.

''رندا'' موظفة يستقر عملها بمنطقة السادس من أكتوبر، لا تقتصر مشكلتها مع وجود الجدار في المسافة الزائدة عن المعتاد للوصول إلى مترو أنفاق التحرير، بل مع غلق المحطة في الفترة الأخيرة تفاقمت المشكلة، خاصة في ظل صعوبة إيجاد سيارة أجرة تستقلها على أقل تقدير''مفيش حاجة بترضى تقف لأن أغلب الشوارع مقفولة''.

''المسافة اللي بقيت أخدها أكتر من الضعف، كان ربع ساعة عشان أوصل للمترو بقت نص ساعة وأكتر''.. قالتها السيدة بنبرة استياء من الوضع الذي طال .

تحمد ''رندا'' ربها أن مدارس أبنائها في محيط منطقة السكن وتحديدًا في شارع ''منصور''؛ فلم تجد ما تعانيه بذهابها إلى العمل على عكس بعض جيرانها الذين يزيد معاناتهم بوقوع مدارس أبنائهم في مناطق بعيدة، وإن كانت أغلب المدارس في محيط التحرير تأثرت بما وقع من أحداث، لكن يظل الوصول إليها دون المعاناة التي أصبحت معتادة أمر يغني عن غيره.

وتتذكر '' راندا'' عربة الإطفاء تلك التي أرادت عبور الطريق المغلق فأخذ السكان والمارة في وصف الطرق المفتوحة البديلة للوصول إلى وجهتها، وحتى رحيل السيارة، ظل الخيال يحوم بـ''راندا'' متسائلة ''يا ترى إيه اللي هيحصل، هياخد وقت قد إيه وهيوصل ولا لأ''.

شارع ''حسين حجازي'' هو المتنفس قليلًا وفقًا لحديث ''رندا''، وإن كان لا يخفف حمل المسافة ولا الوقت المستغرق لقطعها لكن طريق مفتوح يمكن العبور منه.

ما يقرب من عام على وجود الجدران وكل ما تتمناه ''راند'' أن ''الجدران تخف شوية توصل ماشي لغاية مجلس الشعب والشورى، إحنا مؤيدين لوجود الجدران في الوقت ده للحالة الأمنية لكن تقل شوية ويكون في رقابة ويبقى في طريق الناس تمشى منه''.

كثير من سكان شارع ''قصر العيني'' يدركون مدى خطورة التواجد بمنطقة بها مؤسسات مهمة بالدولة؛ فهم بين نار حدوث مكروه لها والرغبة في فتح الطرق التي أصبحت مطلب رئيسي لهم ''مش مصلحتي أن يحصل حاجة لا قدر الله، إحنا اللي هنضّر برضو، لكن الناس بتعاني من قفل الطرق''، على حد قول ''راندا''.

فيديو قد يعجبك:

إعلان

إعلان