إعلان

''التحرش'' بين انهيار القيم الأخلاقية وقانون عاجز ومطالبات دولية بآليات حماية

03:47 ص الأحد 15 يونيو 2014

التحرش

كتبت- ندا أسامة:

تعد ظاهرة التحرش نتيجة طبيعية لانهيار منظومة القيم الأخلاقية، وما يحدث الآن من تحرش وعمليات اغتصاب نتيجة لانهيار ما تربينا عليه من قيم.

تكررت جرائم التحرش الجنسي والاغتصاب التي شهدتها مصر، ووصلت في الأيام الماضية إلى حد تجريد سيدة من ملابسها بالكامل والاعتداء عليها بأسلحة بيضاء ومياه ساخنة.

لم يعد التحرش الجنسي ظاهرة محدودة تحدث مع فئة قليلة من الناس في فترات متباعدة، وإنما أصبح كابوساً يطارد النساء، في كل وقت وكل مكان، لا فرق بين الليل والنهار، وبين الهدوء والزحام ويطال الفتاة الصغيرة والمرأة الكبيرة، إنه كابوس يطارد الجميع، وصمت المرأة وخوفها من نظرة المجتمع إليها، إذا ما أبلغت عن تعرضها للتحرش، يشجعان على تمادي المتحرشين في أفعالهم.

لقد أصبح المطلوب أن تتخلى المرأة عن خوفها وصمتها، وتخوض المواجهة بجرأة، لتتخلص من هذا الكابوس.

دراسة حديثة: 91٪ من المصريات تعرّضن للتحرش و62٪ اعترفن به

يعترف الرجال بممارسة التحرش من أجل إذلال المرأة وإهانتها، وجاء تأكيدهم ذلك خلال أحدث دراسة للتحرش الجنسي في مصر صدرت عن المركز المصري لحقوق المرأة تحت عنوان ''غيوم في سماء مصر''.

وأوضحت نتائجها أن هناك اتفاقاً بين عينات الدراسة (نساء مصريات وأجنبيات وذكور) على سبعة أشكال من التحرش، والتي تتمثل في ''لمس جسد الأنثى، التصفير، والمعاكسات الكلامية، النظرة الفاحصة لجسد المرأة، التلفظ بألفاظ ذات معنى جنسي، الملاحقة والتتبُع، المعاكسات الهاتفية''.

كما كشفت الدراسة نتائج جديدة، فتبين أن 64.1 في المئة من المصريات يتعرضن للتحرش بصفة يومية، في حين أشارت 33.9 في المئة إلى أنهن تعرضن للتحرش أكثر من مرة، وليس بصفة دائمة.

واللافت أن الشارع المصري أصبح مسرحاً لجرائم التحرش، فقد أكدت 91.5 في المئة من المصريات، في مقابل 96.3 في المئة من الأجنبيات، أنهن يتعرضن للتحرش الجنسي، وقد أشارت 57.6 في المئة من المصريات و58.9 في المئة من الأجنبيات أنهن تعرضن للتحرش في المواصلات العامة، يليها الأسواق التجارية والمولات .

قبل ثلاث سنوات كان ميدان التحرير بوسط القاهرة قبلة للسياسيين والشخصيات العامة الذين قدموا من بلادهم لزيارة هذا الميدان الذي انطلقت منه شرارة الثورة التي أزاحت مبارك في 18 يوماً .

لكنه اليوم وبعد تكرار حوادث التحرش والاغتصاب كاد يتحول إلى بؤرة للجرائم الجنسية وانهيار منظومة القيم والأخلاق، وكأنه يراد أن تنحى الصورة الذهنية للميدان كرمز للتحرر من الاستبداد والطغيان.

وفسر عبد الباسط الفقيه، الباحث التونسي في علم النفس الاجتماعي، الجريمة بأن المعتدين الحقيقيين ليسوا طرفاً سياسياً وإنما هم من المنحرفين الذين جندوا للقيام بعمليات معينة في البداية، لكنهم استمروا فيها عندما لم يجدوا من يعاقبهم على هذه الجرائم مشيراً إلى أن كثافة أعداد هؤلاء ''البلطجية الرسميين'' شكلت غطاء جعلتهم يستبيحون هذه الجرائم

وأضاف أن هذا الاعتداء الوحشي على حرمة الجسم لا يجب أن يحظى بدعم أو تبرير من أي طرف، مطالباً أنه يجب تحصين المجتمع من هذه الجرائم بالقوانين والتربية فضلاً عن أن التحصين الثقافي والإعلامي يبدأ من المؤسسة التي لديها القوة والسلطة .

وفيما يخص الرأي القانوني، قال أسعد هيكل، عضو لجنة حريات المحامين، أن قانون التحرش الذي أصدره رئيس الجمهورية السابق مؤخراً غير رادع، مشيراً إلى أنه ينبغي أن تكون العقوبة غير تقليدية وان يضاف لعقوبة الحبس عقوبة أخرى تتمثل في الكشف عن شخصية الجاني أمام الرأي العام، والتشهير به حتى يكون عبرة لمن يفكر في ارتكاب مثل هذا الفعل.

وأوضح ''هيكل''، في تصريحات خاصة ل''مصراوي''، أن تطبيق تلك العقوبات الغير تقليدية من الممكن أن يتم من خلال نشر صور الجناة في الصحف اليومية واسعة الانتشار، وكذلك نشرها وتوزيعها في الشوارع والميادين العامة، مشدداً على ضرورة فضح المتحرش أمام المجتمع، وحرمانه من كافة حقوقه السياسية والوظيفية، بحيث لا يسمح له بالترشح في أي انتخابات سواء كانت محليات أو برلمانية، وكذلك عدم إلحاقه بأي وظائف حكومية عقاباً له.

وأعرب ناصر العسقلاني، عضو المكتب التنفيذي للجنة حريات نقابة المحامين، عن أمله في أن يعود الانضباط للشارع المصري ويرجع كسابقة عهدة في احترامه لنسائه، مشدداً على أن هذا ما كان متعارف عليه عبر سنوات طويلة مضت من عمر الشعب المصري، ولكن انتشار ظاهرة التحرش خلال الفترة الماضية، ينذر بأن الأمر بات خطيراً، ولابد من مواجهته بكل حزم.

وأكد العسقلاني، في تصريحاته ل''مصراوي''، على ضرورة دراسة كافة التشريعات الخاصة بتجريم ظاهرة التحرش، وعرضها لنقاش مجتمعي جاد، حتى لا تطال تلك العقوبات الأبرياء، وحتى تكون واقعية وتحدث الأثر الإيجابي المرجو منها، لافتاً إلى أن عقوبات الغرامة ليست رادعة بالشكل الكافي، لذلك لابد من تغليظ تلك العقوبات بشكل يضمن القضاء على ظاهرة التحرش بشكل نهائي من الشارع المصري.

فيما أكد محمد عثمان، نقيب محامين شمال القاهرة، أن القضاء على ظاهرة التحرش لن تكون بكثرة التشريعات القانونية، لافتاً إلى أن قانون العقوبات المصري به ما يكفي من نصوص رادعة للمتحرش، وبما يكفل ويضمن حقوق المجني عليهن.

وقال ''عثمان''، في تصريحات خاصة: ''للأسف نحن نعيش الآن في أزمة أخلاقية تتطلب جهود منظمات المجتمع المدني والشرطة لتكون بديلاً حقيقياً وفعالاً بدلاً من ترسانة القوانين، كما أنه يجب على النيابة العامة أن تتخذ إجراءات تحقيق رادعة مع الجناة بحيث لا يتم الإفراج عنهم إلا بعد التأكد من عدم ارتكابهم لتلك الجرائم''.

وأضاف: ''المشكلة الحقيقية تكمن في أن معظم المجني عليهن لا يقومن بالإبلاغ عن وقائع التحرش بهن، الأمر الذي يهدر حقوقهن القانونية ويعطي فرصة للجناة في الإفلات من العقاب، وهذا يرجع إلى طبيعة مجتمعنا الشرقي الذي نعيش فيه، لذلك فإن القضاء على الظاهرة لن يكون بالتشريعات ولكن بجهود مؤسسات الدولة المختلفة''.

من جانبها، أكدت الدكتورة فرخندة حسن، الأمين العام للمجلس القومي للمرأة في مصر، أن التحرش الجنسي آفة منتشرة منذ القدم، وقد استفحلت في الآونة الأخيرة لذلك فإن تشريع قانون جديد يُجرَّم التحرش الجنسي، سيحد من الظاهرة ويقللها بشكل ملاحظ، إذ سيخشى المتحرش العقاب.

كما أشادت حسن، في بيان لها، بقانون تجريم التحرش الجنسي الذي قدمه إلى البرلمان المركز المصري لحقوق المرأة، مؤكدة أن تطبيقه سيكون رادعاً كبيراً للكثيرين من الرجال، وسيحدّ من الظاهرة.

كما شددت على الاهتمام بوجود وازع ديني قوي لتقليص هذه الظاهرة، مع ضرورة سن قانون رادع مناسب لمستوى التحرش، ذلك أن التحرش مستويات ودرجات، ويجب تحديد عقوبة لكل درجة من درجات التحرش.

في نفس السياق، أصدرت عدد من الجمعيات والمنظمات النسائية بيانات هذا الأسبوع تدين وتستنكر حادث التحرش الجنسى الذى وقع فى ميدان التحرير يوم الأحد الماضي.

وأعلنت جمعية نهوض وتنمية المرأة أنها رفعت شعار ''من حقي أشارك ومن واجبك حمايتي'' وذلك لكي يعرف المجتمع المصري بأكمله أن المرأة المصرية شريكة وطن وليست جسدا أو سلعة.

من جانبه، طالب المركز المصري لحقوق المرأة النائب العام بقيد الواقعة كواقعة اغتصاب وليس تحرشا جنسيا لما بها من وقائع تعدت جريمة التحرش، كما طالب مؤسسات الدولة الرسمية وخاصة وزارات الداخلية والعدل والتربية والتعليم والتعليم العالي والتنمية المحلية والقوى العاملة بالعمل على تطبيق استراتيجية وطنية بالتعاون مع منظمات المجتمع المدني لوضع آليات تنفيذية للقضاء علي التحرش الجنسي بالنساء.

وقامت مراكز النديم لضحايا العنف والتعذيب ''وحدة العنف ضد المرأة'' ونظرة للدراسات النسوية ومركز المساعدة القانونية للمرأة المصرية ومؤسسة حلوان للتنمية الاجتماعية (بشاير) وجمعية المرأة والتنمية وجمعية بور فؤاد لرعاية الأسرة والطفولة بالإعلان عبر صفحاتها على الإنترنت وخطوطها الساخنة عن استعدادها لمساعدة الفتيات والنساء اللاتي يتم التحرش بهن والإعلان عن جلسات للدعم النفسى والطبى لمن تعرضن للتحرش.

وأجمعت المنظمات فى بياناتها على أهمية سرعة توقيع العقوبة على الجناة والتى تضمنها قانون التحرش الجديد وكذلك على مطالبة الرئيس السيسى بحماية المرأة وحقوقها كما وعد بأنها ستحصل على جميع حقوقها والتي يعد أبسطها أن تحيا في أمان على أرض وطنها الذي بذلت تضحيات عديدة لرفعته.

كما أكدت البيانات على ضرورة تفعيل كافة الآليات التي من شأنها ضمان مشاركة المرأة المصرية في الحياة العامة والسياسية بفاعلية وبدون خوف بعد مشاركتها المشرفة فى ثورتي 25 يناير و30 يونيو والتى تميزت فيهما بحماستها وإخلاصها.

 

لمتابعة أهم وأحدث الأخبار اشترك الآن في خدمة مصراوي للرسائل القصيرة.. للاشتراك ...اضغط هنا

فيديو قد يعجبك:

إعلان

إعلان