صبي وفتاة وشاب مُقعد.. أيقونات فلسطينية في "انتفاضة القدس"
كتب – محمد الصباغ:
ثمانية عشر يومًا منذ الإعلان الأمريكي عن الاعتراف بمدينة القدس المحتلة عاصمة لدولة الاحتلال الإسرائيلي، ومظاهرات متتالية ومتواصلة في المدن الفلسطينية للمطالبة بعدم تغيير هوية المدينة المقدسة راح ضحيتها 12 شهيدًا ومئات المصابين.
أفرز الحراك الفلسطيني في الضفة المحتلة وقطاع غزة "أيقونات ثورية" أخرى من الصبية والأطفال الفلسطينيين الذين خرجوا لمواجهة الاحتلال عزلًا حاملين الحجارة، أو جاء جنود الاحتلال إلى منزلهم فوقفن ببسالة ضده ووضعن بصمة على وجهه. كما كان جسد بلا ساقين أيقونة ثالثة، بعدما استهدفه جنود الاحتلال في الرأس.
وأثبتت المظاهرات الفلسطينية ضد الاحتلال أن محمد الدرة لم يكن الأول ولن يكون الأخير، وكذلك الشيخ أحمد ياسين مؤسس حركة حماس.
فوزي الجنيدي
يبلغ من العمر فقط 16 عامًا. التف حوله عشرات من جنود الاحتلال لاعتقاله في مدينة الخليل المحتلة خلال المظاهرات احتجاجا على قرار الرئيس الأمريكي دونالد ترامب في اليوم التالي لإعلانه.
انتشرت الصورة بسرعة كبيرة عبر مواقع التواصل الاجتماعي حول العالم، طفل معصوب العينين يدفعه جنود مدججين بالأسلحة المتطورة. ليصوره البعض بأنه فلسطين المحتلة التي يتحكم فيها الإسرائيليون بقوة السلاح، فيما شبهه آخرون بالمسيح والسير على طريق الآلام.
فوزي هو الابن الأكبر لعائلة فقيرة ترك المدرسة للعمل لكسب القوت، وتحدث عمه فوزي الجنيدي لقناة العربية في الثالث عشر من الشهر الجاري، ليؤكد أن الطفل اقتيد إلى سجن عوفر في انتظار حكم ضده.
وأشار إلى أن فوزي كان في الطريق إلى شراء احتياجات منزلية بوسط مدينة الخليل المحتلة، وحينما مر بجوار الاشتباكات بين الفلسطينيين والإسرائيليين اعتقله جنود الاحتلال لتخرج الصورة كما ظهرت إلى العالم.
اعتدوا عليه بالضرب ووجهوا الإهانات، قبل أن ينقلوه إلى مركز للاحتجاز في مستوطنة قريبة ثم إلى سجن عوفر بالقرب من رام الله.
وذكر الصحفية عبد الحفيظ الهشلمون، ملتقط الصورة الشهيرة لوسائل إعلامية مختلفة أنه شعر بالصدمة جراء عملية الاعتقال. فقد تجمع 23 جنديًا حول الفتى الصغير واعتدوا عليه بالضرب.
إبراهيم أبو ثريا
الحديث مستمر عن صورة فوزي الجنيدي، ثم جاءت لحظة أخرى فارقة وأظهرت الأيقونة الأخرى. أيقونة حية رحلت إلى السماء. إنه إبراهيم أبو ثريا الشاب الفلسطيني صاحب 29 عامًا.
شاب مبتور الساقين لا يترك مسيرة أو مظاهرة ضد قوات الاحتلال على خطوط التماس بقطاع غزة إلا ويشارك فيها. كرسيه المتحرك لم يكن عائقًا أبدًا أمام إلقاء الحجارة نحو جنود على بعد مئات الأمتار.
كان معروفًا في القطاع والجميع تقريبًا يعرف إبراهيم أبو ثريا. لكن خلال مظاهرات الجمعة 15 ديسمبر الجاري، قرر الاحتلال أن يبعث بالجسد إلى الساقين في السماء، واستشهد أبو ثريا برصاصة في الرأس.
كانت إصابته الأولى جراء غارة جوية للاحتلال خلال الاعتداءات على قطاع غزة في عام 2008.
في ذلك العام عام 2008، كان إبراهيم أبو ثريا يجلس مع مجموعة من أصدقائه في منزل بمنطقة البريج وسط قطاع غزة المحاصر، وبلا مقدمات أطلقت الطائرات الإسرائيلية صواريخها لتطال المنزل ويستشهد سبعة من الجالسين سويًا.
كان هو العائل لأسرته واضطر بعد الإصابة أن يعمل في غسيل السيارات، لكنه لم يترك المظاهرات وفي آخر مقاطع الفيديو التي ظهر فيها خلال الاشتباكات مع الاحتلال تسلق أحد أعمدة الكهرباء ليرفع الراية الفلسطينية بأعلى مكان ممكن. وصار هو أيقونة في القلوب.
عهد التميمي
في قرية النبي موسى وجهها مألوف، وفي الإعلام أيضًا. فبمجرد رؤية بشرتها الفاتحة وشعرها الذهبي الأشقر نتذكر الطفلة التي استبسلت في وجه جنود الاحتلال قبل ثلاث سنوات و"عضت" أحدهم حتى لا يلقي القبض على شقيقها الذي يعاني من كسر في يده.
إنها عهد التميمي، 16 عامًا الآن، وكانت بطلة مقطع فيديو خلال الانتفاضة الفلسطينية ضد قرار ترامب بشأن القدس حيث ظهرت وهي تحاول طرد جنود الاحتلال من باحة منزلها وصفعت أحدهم على وجهه ولكمت الآخر في وجهه.
انتشر الفيديو بشدة وتعاملت وسائل الإعلام الإسرائيلية مع الأمر كأنه إهانة لجيش إسرائيل بأكمله. وفي فجر الثلاثاء الماضي، اقتحم جنود الاحتلال منزل عائلة التميمي بقرية النبي صالح وألقوا القبض على الطفلة الصغيرة ووالدتها وشقيقتها.
جددت عهد العهد مع كونها أيقونة فلسطينية، وتواجه حاليًا المحاكمة بتهمة إهانة جيش الاحتلال الإسرائيلي والاعتداء على أفراده.
أثرت عهد في الجميع لدرجة أن خرجت كاتبة إسرائيلية تدعى ليزا جولدمان لتكتب في مقال لها بمجلة "+972"، إنه في قرية النبي صالح "فقدت بقايا صهيونيتي (اخترت الكلمة بعدما لم أجد كلمات يمكنني بها وصف حنيني لفكرة دولة لليهود)".
وتابعت: "هذا التحول لم يكن فقط بسبب العنف والوحشية الذين رأيتهم أمام عيني، بل نتيجة رؤيتي لعائلة التميمي وهي تتعرض للعنف أسبوعا بعد أسبوع، وهم يرون أقاربهم جرحى أو معتقلين أو قتلى، ولم يروا بعد أن ثمن المقاومة باهظ".
فيديو قد يعجبك: