إعلان

خطيئة التأخير عن التغيير

د. أحمد عبد العال عمر

خطيئة التأخير عن التغيير

د. أحمد عبدالعال عمر
07:00 م الأحد 08 أكتوبر 2023

جميع الآراء المنشورة تعبر فقط عن رأى كاتبها، وليست بالضرورة تعبر عن رأى الموقع


لقد تأخر الأمر كثيرًا ...

بهذه المقولة المُلهمة وعميقة الدلالة، اختتم بها الفيلسوف الفرنسي الراحل "ميشيل فوكو" محاضراته الأخيرة عن "جرأة قول الحقيقة" في "الكوليج دو فرانس" في مارس سنة ١٩٨٤، ليموت بعدها بأسابيع عن عمر ناهز السابعة والخمسين عامًا.

بالطبع لا تنفصل هذه المقولة عند ميشيل فوكو عن إدراكه لتطور مرضه، وإحساسه باقتراب الموت، وأثر ذلك الإدراك والإحساس على حياته الفكرية وخياراته، ومشروعاته في الكتابة، ومستقبل محاضراته التي كانت تجذب اهتمام حشود المثقفين والطلاب وتثير فيهم الحماس والرغبة في التفكير والتغيير.

لكنها أيضًا مقولة تصلح اليوم لكي تكون لسان حال الكثير من البشر الذين يكتشفون في لحظة استنارة وجودية وصدق مع الذات والآخرين أن هناك الكثير من أمور الحياة الشخصية والعامة، تستحق أن نقول عنها بشجاعة: لقد تأخر الأمر كثيرًا.

فنحن دائمًا متأخرون عن خطوة يجب علينا أن نهزم ترددنا، ونخطوها.

متأخرون عن قرار يجب علينا أن نتخذه بشجاعة.

متأخرون عن عادات ومشاعر مُعوقة يجب أن نقلع عنهما ونتخلص منها.

متأخرون عن هجرٍ وفصلٍ عن بشر وسياقات غير مرغوب فيهما، أو قرب ووصل مع شخص وسياق يحييان فينا ما مات.

متأخرون عن عودة للبدايات والأصول لاكتشاف الذات من جديد، أو عن رحيل كمسافرين بلا متاع بلا أثقال أو هموم.

متأخرون عن مشروع يجب علينا أن نبدأه، ونحقق ذواتنا معه.

متأخرون عن مشروع يجب علينا أن ننهيه ونعترف بخساراتنا وفشلنا فيه.

متأخرون عن أن نُميت في حياتنا أشياءً كثيرة أصبح من العبث التمسك بها بعد أن فقدت جدواها ومبرر وجودها، وأصبح كل ما حولنا يحتم موتها، خاصة لو كانت هذه الأشياء التي يجب أن تموت أحلاما أدركنا استحالة تحقيقها، وكادت تتحول إلى كوابيس تُفسد علينا حياتنا.

ولهذا كله يجب علينا الآن وقبل فوت الأوان أن نمتلك شجاعة الاعتراف بخطيئة التأخير عن التغيير، ثم امتلاك الإرادة والقدرة على تصحيح أخطائنا واستدراك ما فات، خاصة لو كان العمر لا يزال فيه – بعكس ميشيل فوكو - متسعٌ للتغيير والرحلة المرتقبة وتنفيذ الأحلام والمشاريع المؤجلة.

إعلان