لم يتم العثور على نتائج البحث

إعلان

معضلة الأخلاق ومستقبل الثقافة (٣)

د. غادة موسى

معضلة الأخلاق ومستقبل الثقافة (٣)

د. غادة موسى

أستاذ مساعد - كلية الاقتصاد والعلوم السياسية - جامعة القاهرة 

07:01 م السبت 16 يوليه 2022

جميع الآراء المنشورة تعبر فقط عن رأى كاتبها، وليست بالضرورة تعبر عن رأى الموقع

يتحدث الناس كثيراً عن الثقافة والمثقفين وشروط التثقيف وخصائص المثقف، ويرون الثقافة متطلباً رئيسيا لنهضة المجتمعات ومن بينها المجتمع المصري. ولكن في نفس الوقت يتم استخدام لفظ المثقف - في بعض الأحيان - بشكل سلبي للإشارة إلى الفرد المنعزل فكرياً عن باقي أفراد المجتمع٬ أو الذي يستخدم لغة تستعصي على الفهم عند الفرد العادي.

فما هي الثقافة؟ يشير معجم المعاني إلى أن الشخص المثقف هو الشخص الفطن٬ سريع الفهم والسوي والمهذب والمتعلم. والثقافة هي مجمل العلوم والفنون والآداب في إطارها العام. فالشخص المثقف هو من حصّل قدراً ولو يسير من العلوم والآداب والفنون. كما أن الشخص المثقف هو من أضاف إلى الشئ بتهذيبه؛ لذا يصعب الفصل بين الثقافة والأخلاق. ولكن الثقافة لازمة للأخلاق والارتقاء بها هو ارتقاء بالأخلاق. فإذا كان التعليم ضرورياً للفرد٬ فإن الثقافة لا تقل عنه أهمية. وكثيراً ما نجد متعلمين غير مثقفين٬ والعكس صحيح أيضاً.

لقد حان الوقت لنتحدث عن مستقبل الثقافة في مصر. وهو مطلب مُلِح وضروري في ضوء ما يمر به مجتمعنا من ارتباك وتخبط معرفي وفكري وعنف سلوكي. ولنا أن نتساءل عن أسباب هذه الظواهر بعيداً عن شماعات الآخر والعولمة والانترنيت وغيرها من منتجات وإفرازات عالمنا المعاصر. فالاهتمام بالثقافة والمثقف تساعدنا على الإجابة على تساؤلات كثيرة في مجالات الاقتصاد والسياسة والاجتماع والدين أيضاً. فالثقافة ليست في تضاد مع الدين، ولا المثقف هو بالضرورة ضد الدين أو التدين. ولا يمكن إهمال الثقافة تحت ذريعة الظروف الاقتصادية وانصراف الفرد لتحصيل معاشة والبحث عن لقمة عيشه. لأن تثقيف الفرد والاهتمام ببنائه الفكري والعقلي سيعينه على التغلب على المصاعب الحياتيه ويفتح أمامه آفاقاً أرحب وأوسع لتحسين أحواله وظروفه. فغياب الثقافة هو تقصير في ذات أنفسنا.

كما لا ترتبط الثقافة بالضرورة بالمجتمعات الحرة الديمقراطية٬ فهناك مجتمعات حره لم تعصمها حريتها من اعتداء الغير عليها - كما أشار عميد الأدب العربي الدكتور طه حسين- كما لم تضيف إليها الحرية شيئاً كبيراً. فالثقافة تساعد على ربط الحاضر ومتطلباته بمجد الماضي. بعبارة أخرى فهي تصل الحاضر بالماضي. وسأعطي مثالاً بسيطاً يرتبط بالاحتفاء بشخصيتنا المصرية، حيث نلجأ في العادة إلى الافتخار بشخصيات غربية في مجالات الفنون والآداب على الرغم من وجود شخصيات ورموز فكرية مصرية وعربية رائدة. مثلما نحتفي بالأزياء الغربية والصرعات (الموضة) الحديثة وعلى أرضنا عشرات من الأزياء المبهرة والمعبرة عن هوياتنا.

فمستقبل الثقافة يتطلب مناقشة أمورا عديدة مثل : هل مصر من الشرق أم من الغرب؟ فهل العقل المصري - كما أشار طه حسين- شرقي التصور والإدراك والفهم والحكم على الأشياء أم غربي التصور والفهم؟ فأيهما أيسر على الانسان المصري : أن يفهم الرجل الأوروبي أم الرجل الصيني أو الياباني أم الرجل العربي؟ وهل هناك إشكالية في أن يكون العقل المصري الاثنين معاً؟ وهل هناك خطأ في تبادل المعارف والمنافع والانفتاح على آداب وفنون وعلوم الغير؟ وما هي آدابنا وعلومنا وفنونا التي يمكن أن نقدمها للعالم ، وما هي الآلية التي يمكن أن نستخدمها في ذلك؟

هذه التساؤلات تشكل في مجملها جزءاً من معضلة المسألة الثقافية في مصر وما يتمخض عنها من اعتبارات أخلاقية. وهي جديرة بالاهتمام والنقاش المستدام ليس فقط من قبل وزارة الثقافة ولكن من كافة الفاعلين فكرياً وعملياً.

إعلان

إعلان

إعلان