إعلان

صناعة الفرصة

د.إيمان رجب

صناعة الفرصة

د. إيمان رجب

* زميل أبحاث مقيم بكلية الدفاع التابعة لحلف الناتو بروما

ورئيس الوحدة الأمنية والعسكرية بمركز الأهرام للدراسات السياسية والاستراتيجية

07:24 م الإثنين 05 ديسمبر 2022

جميع الآراء المنشورة تعبر فقط عن رأى كاتبها، وليست بالضرورة تعبر عن رأى الموقع

الكل ينتظر فرصة ما، ولكن الفرص المتاحة في أي مجتمع هي محدودة بطبيعتها مقارنة بإجمالي من يبحثون عنها.

وما يميز باحثي الفرص عن بعضهم هو مدى استعدادهم للتعاطي مع الفرصة بشكل مميز، وهذا الاستعداد ليس له علاقة بالتحمس والرغبة في الاستفادة من الفرصة، فمن تلوح أمامه أي فرصة لابد أن يكون متحمسا وسعيدا ومندفعا في أحيان كثيرة. ولكن الاستعداد مرتبط بأمور أخرى بخلاف الحماس والسعادة، حيث يرتبط من وجهة نظري بعدد أربعة عناصر هي حجم المعارف، وحجم الخبرات التي تتوافر للشخص الذي تلوح امامه الفرصة ، وقدرته على تطوير ذاته ومهاراته حتي يتميز عن غيره، وأن يكون قادرا على تحقيق إنجازات مؤثرة في المجتمع أو كما تقال بالانجليزية being able to deliver .

وفي حالات كثيرة تذهب الفرص لمن هو غير مستعد، وبالتالي لا يستطيع أن يحقق إنجازا مفيدا للمجتمع، وفي حالات أخرى يصادف أن تذهب الفرصة لمن هو مستعد فيكون ذلك في صالح الجميع.

والتساؤل الرئيسي هنا: من الذي يصنع الفرصة ويوزعها؟

نعم هناك من يصنع الفرص ويوزعها، فالفرص لا تأتي من العدم ولا تأتي بشكل غير مخطط وعشوائي، صحيح أنها "أرزاق من عند الله" ولكن ذلك لا يمنع وجود تدخل بشري في عملية صناعة الفرص واتاحتها امام الناس.

وقد تكون عملية صناعة الفرص أبسط بكثير من مسألة توزيعها، فمن يصنع الفرصة هو من يملك قرار وقدرات تمكنه من صناعة أدوار جديدة في المجتمع هي في جوهرها تؤثر على المصلحة العامة، وطالما توافرت القدرة والقرار تسهل عملية صناعة فرص متعددة ومتنوعة.

أما توزيع الفرص فهي مسألة معقدة، لأنها تتطلب بداية تحديد مجموعة من المرشحين للحصول على تلك الفرص، أو في حالات كثيرة صناعة مرشحين وإعدادهم وتأهيلهم بحيث تتوافر فيهم عناصر الاستعداد الأربعة المذكورة، ثم وضع معايير يتم من خلالها الاختيار بينهم.

وغياب معايير الاختيار او اختلاطها بتفضيلات شخصية ليس لها أساس مرتبط بمستوى استعداد الشخص من حيث المعارف والخبرات والقدرة على تطوير ذاته ومهاراته و القدرة على تحقيق انجازات مؤثرة، ينتج عنه إتاحة الفرصة لأشخاص ليس لديهم الاستعداد للتعاطي مع الفرصة.

وفي هذه الحالة، فإن ما يحدث هو عدم الاستفادة الحقيقية من المرشحين الذين تمت صناعتهم وتأهيلهم وإعدادهم، والذين يصبحون موردا معطلا لا يتم الاستفادة منه.

في مناقشات عدة يطرح التساؤل: لماذا ينتظر أي شخص الفرصة حتى تأتي إليه؟ ولماذا لا يصنع فرصته بنفسه؟ طبعا هذا التساؤل يعبر عن وجهة نظر تحترم وتدور حول أن أي شخص بإمكانه أن يصنع فرصته بنفسه، ولكن هناك فرق بين أن يؤهل الفرد نفسه ليكون مستعدا للتعامل مع الفرصة حين تأتي إليه، وبين أن يصنع الفرصة من العدم. فصناعة الفرصة كما ذكرنا لا تتم إلا من خلال الأطراف التي تملك القرار والقدرة على صناعة أدوار جديدة في المجتمع وهي مسألة لا تتوافر للجميع.

إعلان