إعلان

تسييس الرياضة ومعضلة القيم- كأس العالم ٢٠٢٢

د. غادة موسى

تسييس الرياضة ومعضلة القيم- كأس العالم ٢٠٢٢

د. غادة موسى

أستاذ مساعد - كلية الاقتصاد والعلوم السياسية - جامعة القاهرة 

07:00 م الأحد 04 ديسمبر 2022

جميع الآراء المنشورة تعبر فقط عن رأى كاتبها، وليست بالضرورة تعبر عن رأى الموقع

دخلت الرياضة مضمار السياسة منذ وقت بعيد. فقد ساهمت الرياضة في حل العديد من الأزمات السياسية التي فشلت الدبلوماسية الرسمية في حلها، على سبيل المثال دور كرة الطاولة في تهدئة الأزمات بين الصين والولايات المتحدة الامريكية في منتصف القرن العشرين.

كما اعتبرت الحلقات الرياضية منصات للتعبير عن الاحتجاج السياسي ممثلة في مجموعات "الأولتراس" كظاهرة نشأت في أوروبا وانتشرت فيما بعد في أنحاء العالم.

لذلك تعتبر المناسبات الرياضية فرصة للتعبير الشعبي عن مواقفه وآرائه السياسية. وهي فرصة لا تقل في أهميتها عن ظروف الانتخابات بأنواعها المختلفة. كما أنها فرصة تستثمرها الدول المختلفة والسياسيون بتنوع عقائدهم السياسية في التعبير عن آرائهم.

وبمقارنة دورة كأس العالم لكرة القدم الجارية والمنعقدة في قطر بالدورة السابقة لكأس العالم التي عقدت في روسيا منذ أربع سنوات سنلحظ العديد من التطورات والفروق. ومرد ذلك التطورات التي مر بها المجتمع الدولي ودول العالم على كافة الأصعدة الاجتماعية والثقافية والسياسية والاقتصادية، بما في ذلك التطورات والتحولات البيئية والصحية التي تجتاح كل دول العالم.

وقد حدث أن انعقد كأس العالم لكرة القدم هذه الدورة في ظل ظروف دولية غير مسبوقة مقارنة بالدورات السابقة، وتحديداً في الألفية الثالثة. حيث تُجرى المباريات في ظل اندلاع صراع دولي يتمثل في الحرب الروسية الأوكرانية التي هي في الواقع صراع دولي بين روسيا وحليفاتها من جانب، وبين الغرب الأوروبي والأمريكي الشمالي من جانب آخر. وقد تبدو الحرب سياسية ظاهرياً، إلا أنها في عمقها تعكس صراعاً ثقافياً وقيمياً، وتكشف عن طبيعة وكيفية إدراك الأطراف المختلفة لبعضها البعض، ومن ثم تقبلها لبعضها البعض.

وفي الواقع فإن دورة كأس العالم الجارية كشفت عن صراع في القيم بين الغرب والشرق، على الرغم من أن روسيا لا يمكن القول بأنها دولة تنتمي إلى الشرق "ثقافياً"، حيث هي أقرب في ثقافتها الاجتماعية والدينية والتاريخية للغرب الأوروبي. ورغم ذلك، فقد أظهرت روسيا في حربها مع أوكرانيا بعداً ثقافياً قيمياً أقرب للحالة الثقافية والدينية لدول الشرق الأوسط بشكل عام ودول الخليج بشكل خاص ولدولة قطر في استضافتها لكأس العالم لكرة القدم ٢٠٢٢. فعلى سبيل المثال- وفي إطار الهجوم الروسي الثقافي والإعلامي على الغرب الأوروبي- تمت مهاجمة بعض السلوكيات الاجتماعية والميول الفكرية التي تجد في فضاء الحرية ملاذاً آمناً لها كالتوجهات المثلية أو فرض سلوكيات المشروبات الكحولية في الأماكن العامة.

وفي هذا السياق من الصعب فصل تلك السلوكيات والتوجهات الفكرية والثقافية عن سياسات الهيمنة التي يمارسها الغرب سياسياً واقتصادياً، بل يمكن اعتبار الأولى أدوات مساعدة ومكملة للثانية.

كما عكست دورة كأس العالم الجارية بُعداً آخر في مسارات تسييس المناسبات الرياضية متمثلة في حالة الارتباك التي أصابت القيم الغربية. فالغرب الثقافي لم يعد متوافقاً على أبعاد ومستويات الحرية. كما تبدى بشكل جلي فهمه بعدم وجود روابط بين الأبعاد الدينية والقيمية والثقافية من جانب، وعدم وعيه بوجود روابط بين الأبعاد الثلاثة السابقة في الثقافة العربية المشرقية من جانب آخر. وبدأ- بوعي أو بدون وعي- في نقل هذه الرؤية إلى الحقل السياسي والمقارنة بين قدرة النظم السياسية الديمقراطية في التعامل مع تنوع الظواهر الثقافية والفكرية بشكل أفضل من النظم غير الديمقراطية.

هذه ظواهر من الصعب إنكار وجودها حتي في ظل الاحتفالية الرياضية الجارية التي نستمتع بها في منطقة الشرق الأوسط التي تموج بكافة أنواع الأزمات والصراعات والحروب.

إعلان