إعلان

ثقافة الفقر

د. إيمان رجب

ثقافة الفقر

د. إيمان رجب

* زميل أبحاث مقيم بكلية الدفاع التابعة لحلف الناتو بروما

ورئيس الوحدة الأمنية والعسكرية بمركز الأهرام للدراسات السياسية والاستراتيجية

06:54 م الإثنين 21 نوفمبر 2022

جميع الآراء المنشورة تعبر فقط عن رأى كاتبها، وليست بالضرورة تعبر عن رأى الموقع

أصبحت ثقافة الفقر أحد المعوقات الرئيسية لتحقيق معدلات معقولة من التنمية المستدامة في دول عدة في العالم، ويستوي في ذلك الدول ذات الثروات المالية مع تلك التي لا تمتلك ثروات مماثلة.

وترجع بدايات الحديث عن ثقافة الفقر إلى الخمسينيات من القرن العشرين حين تحدث عنها عالم الأنثروبولوجي أوسكار لويس في تحليله للثقافة السائدة في عاصمة المكسيك، حيث رأى أن هذه الثقافة ترتكن إلى الشعور بالتبيعة والتهميش والعجز وعدم القدرة على التغيير، ورأى حينها أن تناقل الأجيال المختلفة لهذه الثقافة يخلق دائرة مفرغة من ثقافة الفقر .

بصفة عامة، تعد ثقافة الفقر هي طريقة تفكير تحدد تصورات الشخص لدوره في المجتمع ولعلاقاته مع الآخرين، بحيث يكون دوما مستهلك لأي شيء متاح وتابع في علاقاته الاجتماعية وغير قادر فكريا على تصور إمكانية قدرته على لعب دور مختلف في المجتمع، وتغيب لديه القيم الخاصة بالعمل وأهميته والقدرة على إنشاء حياة مستقلة عن حياة العائلة الأكبر التي ينتمي إليها والقدرة على تخيل مستقبل مختلف له.

وعند التفكير في ثقافة الفقر في سياق معطيات العقد الثاني من القرن الحادي والعشرين، نجد أن ثقافة الفقر لم تعد ذات صلة مباشرة بمن هم فقراء بالمعنى الضيق، أي من لا يملكون قدر كاف من الدخل يغطي احتياجاتهم اليومية، ولكنها موجودة أيضا عند الأسر غير الفقيرة في المجتمع والتي نتعامل معها على أنها ميسورة الحال أو غنية ولديها دخل مرتفع وأصول مالية ليست بالقليلة.

وتنعكس هذه الثقافة في السلوكيات العامة والمعاملات اليومية لمن يؤمنون بها، وفيما هو مقبول وغير مقبول في الأحياء السكنية التي يعيشون فيها، فمن خلال العديد من الدراسات الميدانية اتضح أن ثقافة الفقر تصاحبها ثقافة الاعتياد على "القبح" بكل ما يحمله من دلالات مضادة للجمال بكل صوره في الملبس والمظهر وواجهات المنازل ومستوى نظافة الشوارع في تلك الأحياء وغيرها، فضلا عن اعتياد "الرتابة" في العلاقات الاجتماعية التي تدور في فلك ليس له أفق سوى استهلاك أي شيء متاح سواء كان وقت أو طعام، مع غياب أي مبادرات اجتماعية من شأنها أن تحسن أحوال هذه الأحياء وتطورها.

كل ذلك يفسر لماذا في أرقى المدن والأحياء، تنعدم المبادرات الجماعية التي من شأنها أن تحافظ على النظام والجمال في تلك المناطق، ولماذا في أسر تصنف على أنها ميسورة الحال تغيب بين أبنائها الرغبة في التميز في التحصيل العلمي وفي البحث عن عمل ويميل هؤلاء الأبناء في المقابل في تحصيل الحد الأدنى من العلم في أي مرحلة دراسية وفي استهلاك ما يوفره الوالدين من موارد محدودة، ولماذا يكتفي الموظف أو العامل في معظم الأحيان بالقيام بالحد الأدنى من مهام الوظيفة دون أي تفان أو رغبة في التميز.

واللافت للانتباه أن ثقافة الفقر هذه بكل صورها أصبحت منتشرة بشكل أفقي ورأسي في مجتمعات عدة وعلى منصات التواصل الاجتماعي ايضا، وتولد عادات وممارسات تتضاد وتتعارض مع برامج الحكومات الخاصة بالتنمية المستدامة وتساهم في تفاقم الكثير من المشاكل الاجتماعية من قبيل تعاطي المخدرات والانتحار والتطرف والإجرام بكل أشكاله.

خلال الفترة الحالية، لم يعد مهماً فقط الاهتمام بإتاحة منتجات ثقافية من نوع ما من خلال وسائل الإعلام التقليدية والحديثة، ولكن الأكثر أهمية هو وضع برامج وسياسات تكون كفيلة بالتصدي لثقافة الفقر والحيلولة دون تناقلها بين الأجيال.

إعلان

إعلان

إعلان