إعلان

"امسك العصاية من النص"

د. إيمان رجب

"امسك العصاية من النص"

د. إيمان رجب

* زميل أبحاث مقيم بكلية الدفاع التابعة لحلف الناتو بروما

ورئيس الوحدة الأمنية والعسكرية بمركز الأهرام للدراسات السياسية والاستراتيجية

07:05 م الإثنين 14 نوفمبر 2022

جميع الآراء المنشورة تعبر فقط عن رأى كاتبها، وليست بالضرورة تعبر عن رأى الموقع

عادة ما ينصح كبار العائلة الشباب والصغار عندما يتعرضون لموقف ما بأن الأفضل لهم ان "يمسكوا العصاية من النص"، وهذا يعني البحث عن قرار متوازن في التعامل مع الموقف، وهذا يعني ضمنيًا عدم اتخاذ قرار حاسم وحازم تكون له تكلفة عالية يصعب تحملها، كما أن "مسك العصا من النص" يعني إمكانية الرجوع عن القرار "المتوازن" في أي لحظة إذا دعت الظروف لذلك.

وعبارة "مسك العصاية من النص" رغم بساطتها إلا أنها تحوي الكثير من المعاني التي ترتبط بتقاليد القرية المصرية، وأصبحت تمارس تأثيرا كبير في السياسة وفي العلاقات الاجتماعية بين الناس.

ومسك العصا من المنتصف يستدعي عبارات أخرى في ثقافتنا لها معاني مشابهة مثل "ترك الباب موارب" و"نصف العما ولا العما كله" وغيرها من العبارات ذات المعاني العميقة في تراثنا الشعبي.

ومن يؤمن بهذه العبارات يقف على النقيض من عبارات أخرى من قبيل "اقطع عرق وسيح دم" والتي تنم عن قدرة على اتخاذ قرارات حاسمة وحازمة تجاه مشاكل ومواقف محددة، أو "وضع النقط على الحروف" والتي تفيد بجرأة في توضيح الأمور واتخاذ مواقف واضحة ومعلنة.

والمجتمع مليء بكثيرين يؤمنون بعبارة "مسك العصاية من النص" وأخواتها، وعادة ما يسمى هؤلاء بـ "الأذكياء اجتماعيا " والقادرين على التعايش في مختلف الظروف ومع مختلف أنواع الناس.

ولكن من واقع مشاهداتي الشخصية، فإن من يؤمن بعبارة "مسك العصاية من النص" ويجعلها تنعكس في قراراته ومعاملاته يتسبب في مشاكل عدة للمجتمع الذي هو في غنا عنها، ويكون عبئًا على المجتمع الذي لم يعد يتحمل أعباء اضافية، وأذكر هنا بعضا من هذه المشاهدات.

المشاهدة الأولى، من يؤمنون بهذه العبارة وأخواتها لا يمتلكون مهارات الحل الفعال للمشاكل، وهذا يعني أن هذه النوعية من الأشخاص لو أصبحت مسئولة عن حل مشكلة ما، فما سيحدث هو استمرار المشكلة وتفاقمها على نحو قد يولد عنها مشاكل جديدة أكثر شدة وضررًا.

المشاهدة الثانية، عادة ما يفضل هؤلاء عدم الاعتراف بوجود أي مشكلة حتى لا يكونون في موقف يحتم عليهم اتخاذ أي قرار حاسم، وكما تعلمنا في مبادئ الإدارة فإن عدم الاعتراف بالمشكلة هو مشكلة في حد ذاتها.

المشاهدة الثالثة، ميل هؤلاء لهدر الموارد والإمكانيات التي هي محدودة بطبيعتها، فاتخاذ لا موقف من أي قضية أو مشكلة يتطلب موارد وإمكانيات أيضا يتم استهلاكها للحفاظ على "اللا موقف"، وأحيانا تكون تلك الإمكانيات والموارد أكبر من الموارد التي يمكن استخدامها لاتخاذ موقف حاسم وحازم.

المشاهدة الرابعة، هي عدم قدرة هؤلاء على تطوير حياتهم أو على مساعدة المجتمع في تطوير ذاته، فيصبح الجميع لا يرواح مكانه أو كما نقول بالعامية "محلك سر"، بينما الجميع حولنا يتطور ويأخذ خطوات سريعة للأمام وينافس عالميا.

المشاهدة الخامسة، هي عدم تقدير المتميزين والاحتفاء بهم، وهي نتيجة مصاحبة دوما لمن يقتنع بأن عليه أن "يمسك العصا من النص" حتى لا يغضب أحدا، وهذا التصرف في حد ذاته يدفع المتميز إما ليتخلى عن تميزه ويتماهى مع عموم الناس أو لأن يبحث عن بديل يحتفي بتميزه.

هذه المشاهدات الخمسة هي مظاهر لمشكلة الاقتناع بعبارة "مسك العصاية من النص" وغيرها من العبارات التراثية التي تحوي قيم سلبية لا تحث على المبادرة أو المشاركة في تطوير المجتمع، وعلينا أن نفكر جميعًا ماذا سنفعل عندما لا تكون هناك عصا يمكن مسكها من المنتصف؟

إعلان

إعلان

إعلان