إعلان

جيلي وأفتخر.. الثائر الذي لم يترك الميدان بعد"1"

طارق عباس

جيلي وأفتخر.. الثائر الذي لم يترك الميدان بعد"1"

د. طارق عباس
07:00 م الخميس 08 يوليه 2021

جميع الآراء المنشورة تعبر فقط عن رأى كاتبها، وليست بالضرورة تعبر عن رأى الموقع

غني بإبداعه، قوي بقلمه، فريد بأسلوبه، مقنع برأيه ورؤيته، ثائر رغم كثرة الخونة في الميدان، آمن -منذ البداية- أن الكتابة عن هموم الناس وأمانيهم، وأحلامهم، وطموحاتهم تحتاج للصبر والمثابرة، لذلك صبر، وثابر، وأشهر قلمه في وجه الرجعيين، والفاسدين، وأنصار الانتهازية، وتجار المصالح، ومارس المعارضة انطلاقًا من قناعته بقيمة الاختلاف، وتعدد وجهات النظر حرصًا على الإصلاح والتغيير.

استنهض بكتاباته الهمم؛ لتفجير الطاقات الإيجابية، مؤكدا أن اليأس خيانة، وأن المصري قادر على حماية نفسه، وأهله، ووطنه بما لديه من إيمان، ومثابرة، وصمود، وإصرار على التفرد، والنجاح، وعدم التفريط في الحقوق، والثوابت بأي ثمن، ومهما كان الثمن.

إنني أتحدث هنا عن شاعر الكتابة وأديب الصحافة وعبقري استيعاب دروس التاريخ "محمد الشافعي"، المصري الهوى والهوية، المتنوع في الكتابات بين: "أدبية واجتماعية وسياسية وتاريخية وفنية ودينية"... إلخ، المولود في "22 مايو 1962"، بمدينة "الإسماعيلية"، والتي شاء قدره ألا يبقى فيها أكثر من "7" سنوات فقط، بعدها هُجِّرَ هو ووالدته وصغار أشقائه -مثل غيره من أهالي مدن القناة- إلى محافظات مصر المختلفة؛ حرصًا على سلامتهم، وأمنهم وذلك بسبب نسكة يونيو عام "1967"، بينما بقي الأب الذي كان يعمل في البوليس المصري بمدينة الإسماعيلية يؤدي واجبه المهني، والوطني، لكن تأبى الأيام إلا أن توجه للشافعي أول صفعاتها، فأبوه الذي كان بمثابة عمود البيت، مات فجأة بعيدًا وحيدًا دون وداعٍ، مات ولم يبلغ الصبي أكثر من 8 سنواتٍ من عمره تاركًا له -لكونه الابن الأكبر- ميراثًا عظيمًا من المسؤوليات والمتاعب، فماذا عساه يفعل حيالها؟، وكيف سيواجهها في هذه السن الصغيرة؟!.

بدأ الفصل الأول في دراما الشافعي الحياتية بهجرته وأسرته إلى "كَفر الشرفا القبلي شبين القناطر محافظة القليوبية"، حيث توجد العائلة، وهناك التحق بالمدرسة الابتدائية الموجودة وبدا غريبًا بين من هُم في سنه، إذ كان الطفل الوحيد الذي يرتدي قميصًا وبنطلونًا بينما يرتدي أصحابه الجلاليب.

كانت الأم رغم فقدانها لزوجها ترى في ابنها السند والظهر، تستشعر بقوتها فيه، وفي وجوده إلى جانبها، فهو الذي يقوم مقامها بالواجبات العائلية، والزيارات المنزلية، وحضور المناسبات، الأهم من ذلك اعتبرته مسؤولًا عن توصيل ابنها الأصغر إلى المدرسة، لذلك اشترت له وهو في المرحلة الثانوية عجلة لتعينه على تلك المهمة، لكنها -وبسبب وعورة الطريق، وكثرة ما فيه من إعوجاج ومطبات- كانت شاقة، ومتعبة أكثر بكثير من السير مشيًا على الأقدام.

رغم ثقل أعباء الحياة، ومعاناة شظف العيش لقلة الموارد المالية، ورغم الغربة المفروضة قهرًا، لم يجد محمد الشافعي سبيلًا ينقذه مما هو فيه سوى "الكتاب"، فرافقه، وصادقه واستأنس به، وفر إليه كلما ضاقت به الدنيا، كان يمضي الأيام في معيته، حتى أنه قد يقرأ أكثر من "4" كتب أسبوعيًا، ناهيك عن الصحف والمجلات التي كان يحرص على شرائها بما لديه من مصروف.

من هنا تشكلت شخصية الكاتب، وتنوعت خبراته، ومعارفه التي كشفت عن نفسها بمجرد دخوله الجامعة، وبالتحديد كلية الزراعة بـ"مشتهر"، حيث عرف كاتبنا كيف يعبر عن نفسه وعن مواهبه؟، وشارك زملاءه وزميلاته منذ اليوم الأول الأنشطة الثقافية والإعلامية، فكتب الشعر، ولعب كرة القدم، وشارك بالتمثيل على المسرح، والتقى أول ما التقى وقتها بالممثل المعروف "سيد عبدالكريم"، ونشأت بينهما علاقة وثيقة، لم تنقطع إلا بوفاة سيد، وبدأت أمارات تميز الشافعي الصحفية في حوار أجراه لمجلة الكلية مع الأستاذ الدكتور "عزت الجندي"، أستاذ الكيمياء بالكلية، وكم سعد الأستاذ بالموضوع، وأعلن إعجابه به للمحيطين، وقال للشافعي جملةً، كانت مفتاحًا لاستمراره في مهنة الصحافة: "أنت يا شافعي متميز جدًا فيما كتبت، وسيكون لك مستقبل باهر في مجال الصحافة"، بهذه الكلمات فجر الشافعي في نفسه مكامن التميز، وقرر أن يبدأ مشواره الصحفي، وبمجرد انتهائه من أداء الخدمة العسكرية، بحث عمن يعينه على تحقيق حلمه، ومن حسن حظه التقي الأستاذ "خيرات عبدالمنعم"، المسؤول الثقافي -وقتها -عن جريدة الحياة المصرية التي كانت تصدرها "جمعية الأرامل والمطلقات"، وكان مقرها شارع "شمبليون"، والحقيقة أن هذه الجريدة كانت بمثابة المدرسة التي تخرج فيها معظم أبناء جيل الشافعي من الصحفيين والإعلاميين، وخُصصَت للشافعي مساحة ثابتة في تلك الجريدة، ينشر فيها تحقيقاته، وحواراته التي كان معظمها عن أدباء الإسكندرية.

لم يستمر الشافعي طويلا في جريدة الحياة، فطموحه يقوده للبحث دائمًا عن الأفضل، والأكثر تفردًا، وجاءته الفرصة بعد لقائه بالشاعر الكبير "إبراهيم صبري"، الذي كان يعمل وكيلًا أول لوزارة الخارجية، وكان صبري من أكثر الناس إيمانًا بالشافعي، وبقدراته، لذلك كان يصطحبه معه في كل مكان، ويقدمه لأصدقائه كاتبًا متميزًا، في الوقت الذي كان فيه الشافعي يواظب على حضور الندوات واللقاءات التي كان يعقدها إبراهيم صبري في بيته بالمرج، وفيها تعرف الشافعي على أئمة رجال الفكر والثقافة والإعلام أمثال: " طاهر أبوفاشا، أحمد سويلم، أحمد بهجت، حسن شاه، إبراهيم عيسى"، وفي إحدى هذه الندوات طلب الشافعي من إبراهيم صبري مساعدته في إيجاد عمل في جريدة أو مجلة تتاح له فيها فرص أكبر لتعريفه بالقارئ، وتعريف القارئ به، فاقترح عليه صبري مجلة الكواكب التي كان يرأس تحريرها الأستاذة حسن شاه التي لا تتأخر أبدًا عن مساعدة الشباب للمزيد من التجويد والتعلم، وبتلك الخطوة يبدأ الشافعي رحلته الحقيقية مع الصحافة.

وللحديث بقية في الأسبوع القادم.

إعلان

إعلان

إعلان